القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة "ما وراء العقل" 

أحمد الحناوي

دمعُ العيون وإن طال سُباتوها ستستيقظ، إستيقظت فغرقتُ في بحر جوفنها، البكاء،الحنين إلى الارض لدىٰ أي بشري شعور يتناوب على قلبه كل ليله دون أن يطرق الباب، لأننا نشئنا منها وإليها نعود، لم يبقى لي اى أصدقاء سوى تلك الأوراق أكتب بها ما يخبرني به عقلي أو علي القول ما تبقى من عقلي، أبلغ من العمر عشرين خريفيًا، تكاد التجاعِيد تحتل كل أجزاء جسدي في الصغر، اليأس حطم أسوار قلبي الهشة،الرحيل صار مسعاي أعلم مالذي تفكر فيه، غريزة البشر الفضوليه عندما يعلموا أن القصه حزينه ويفرحون عندما تنتهي وتكون نهايتها سعيدة ويعودون إلى حياتهم بسعادة ولكن أعلم أن هذة القصة سَتخلد في ذاكرتك إلى الأبد أيها البشري، لا تتعجب هكذا،ستعلم كل شيء عما قريب، بدأت الرياح تشتد يبدو وكأن الشيطان يُعاقبني على حديثي، لا تقلق أنت بخير لنبدأ القصة يا صديقي التعيس. 



_ماذا تعلم عن علم النفس يا أبي؟ 


_يا"جابر" إن علم النفس علم معقد للغايه،لأن لكل نفس بشريه حياة خاصة مختلفة عن النفس الأخرى، ولكن عليك أن تعلم يا بُني أنه يصعب إرضاء النفس البشريه وأن المريض النفسي ما هو إلا شخص رائ العالم بنظرة مختلفه فنعته العالم بمجنون. 


_مهلًا يا أبي هذا يفسر لماذا كان العالم يلعن أدسون وينعته بالفاشل،هذا يفسر مقولة" النجاح صعب المنال" لأن العقوبات كانت هي السبب العوائق وكان للبشر هم من مهدوا الطريق ووضعوا الاشواك فيها.


_بالفعل يا بُني،البشر فضلهم الله تعالى بالعقل، فستخدومه في تدمير الأرض.


إنطلقتُ إلى غرفتي مُتجهًا إلى أوراقي الذي طالما كنت ألجأ إليها عندما يتولد في عقلي فكرة أو للهروب من ضجيج العالم، جلست على فراشي امامي أوراق كثيرة بيضاء، أُحاول أن أجمع شتات أفكاري لكتب أولى كلماتي في قصتي الجديدة " ظالم الطبيعيه"، سمعت صوت في أذناي يضحك ويقهق ويقول " ويلٌ لهولاء البشر، يسبون أنفسهم أين أنت يا آدم لترى ماذا فعلت في نسلك، أين أنت يا محمد لترى ماذا فعلت بمتك" بالفعل هذا لوسيفر!



"مدرسة كفرعلي الاعداديه"


أنا الآن في طريقي إلى المدرسه في أول يوم دراسي، أنا في الصف الاول الاعدادي، في مدرسه حكوميه بسيطة جميله، جميع من في المدرسة ينتمون إلى الفئه المتوسطة ماديًا، ولكن سرعان ما وقعت قنابل مدمرة على مدرسه رأيتها وأنا على بعد عشرين مترًا فقط من المدرسه،قمت بالركض فورًا، نظرت إلى الخلف فرأيت المدرسه تتحول إلى أشلاء، ورأيت صبيان يركضون والدماء تغطي أجسادهم ومنهم من لم يستطع الركض لانة مات، تأثرت ببعض الجروح في جسدي الضعيف، ثم رأيت أبي وأمي وأخي الأكبر" سلمان" يركض ناحيتي حملني أبي بين ذراعيه ولم أرئ شيء بعد تلك اللحظه.


"المنزل،كفرعلي"


أستيقظت ورأيتي أمي جالسة جواري، حاولت تحريك يدي اليسرى لم أستطع يبدو أنها كُسرت، أيقظت أمي التي كانت نائمه وقلت لها:


_ماذا حدث؟


_لقد هزمنا يا" جابر" لقد هزمنا بدأت أمي في البكاء، ثم سمعت صوتً قادم من المذياع قائلًا:


_أبنائنا إخواننا المسلمين والمسحيين وأسر الشهداء أقدم لكم التعازي على فقد أبناكم في تلك النكسه…نكسه 1967، وأقول لكم أن حق أبناكم لن يضيع وسيعود ولن نتنازل عن حقنا في سيناء …"


بدأت الدموع تنزف من عيني لقد هزمنا ضاعت مصر ضاعت…

 


"بعد مرور أسبوع"


_عليك مُحادثه والدك يا"جابر"، بشأن دراستك 


_لا أستطيع يا"دسوقي" أنت تعلم كل ما تمر به البلاد بكل تأكيد هو يعلم وسينقل أوراقي إلى مدرسه أخرى ولكن ليس الآن، وأيضًا أنت تعلم أن إبن عمي"مسعود" قُتل في الحرب…



_إلى من تتحدث يا"جابر". 


_إلى صديقي"دسوقي" يا أمي. 


_يا بُني لا يوجد أحد غيرك في هذة الغرفة.


_ماذا تقولين يا أمي إن دسوقي هنا خلفي…أين هو أين ذهب؟


_يا بني لا وجود لصديقك" دسوقي" هذا لقد مضى أكثر من شهر وانت على هذا الحال.


_ولكن كان هنا يا أمي.



مضى أكثر من شهر ولا أحد يرئ "دسوقي" غيري لا أعلم كيف ولكنه يشبه بطل روايتي" ظالم الطبيعيه" يشبه كثيرًا!  


تم نصب العزاء وتجمع أهل قرية"كفر علي" منهم من يبكون ويدعون بالرحمه لأبن عمي "مسعود" ولكن أعلم أن معظمهم منافقين،يدعون للميت، وهم قد لا يحبونة ولكن يفعلون ذلك تحت مسمى"الواجب!"


رأيت " دسوقي" يركض علي ويحضتني ويقول لي أنقذني سأموت ثم ظهر من العدم شخص يرتدي قبعة سوداء لا تظهر معظم ملامح وجة وأخرج مسدس من جيبة،ثم أخترقت جبة " دسوقي" رصاصة وقع بين يداي،ثم بدأت اصرخ وأبكي وأتت أمي تقول لي:


_لما تبكي يا جابر ما بك؟


_"دسوقي" مات يا أمي،قتلة ذلك الشخص صاحب القبعة السوداء.


_يا بُني لا يوجد شخص غيرك في هذة الغرفة،ولا وجود لـ"دسوقي" هذا لا يوجد.


_لست مجنون يا أمي.


_أعلم يا بُني.


"مستشفى المعمورة للامراض العقلية"


نحن الآن في الاسكندريه عروس البحر الأبيض المتوسط، المدينة العريقة بكل أثارها الجميله، ولكن هي جميله، لمن يعيش فيها حرًا ولكن لست أنا، أنا مسجون بين أربعه جدران، بالكاد أرئ ضوء النهار، يسود الظلام كل جزء في جسدي، حتى أصبحت جزء لا يتجزء من الليل، وتم تفاعل كيميائيّ بين الليل والظلام فكنت أنا ناتج هذة المعادلة، نعتني العالم بالمجنون ولكن مازالت أتذكر قول أبي " أن المريض النفسي مجرد شخص رائ العالم بنظرة مختلفة" لست بمجنون ولكن أنا مختلف قليلون جدًا من يرؤان ما يكتبون تتجسد أمامهم الأحداث كمسلسل درامي، أنا مختلف ولكن يبدو أن الاختلاف جنون، مازلت أتذكر وجة أبي وهو يقول للطبيب سنأتي لزيارته،أيقنت بعدها أن أبي سيرحل ولن يأتي مجددًا، وأنني أصبحت سجين، ولكن لا أللوم أبي فعندما تكون لة أسرة مكونه من ثمانيه أولاد وزوجة يطالبون بحقهم بالعيش على حساب راحة، كنت أنا الضحيه التي أستغلها والدي تحت مسمى الجنون حتى يتعافي من مطالبتي بالعيش على حسابه، ولكن الخطاء الأكبر كان في العادات التي تجعل الرجل وزوجته ينجبان أكبر عدد من الأبناء ثم يطالبون بمأكل ومشرب من الدوله، حاولت الهرب كثيرًا في أول شهور لي هنا ولكن سرعان ما خمدت نيراني بمياة كهربائيه كانت تتدفق إلى جسدي بعد كل محاولة هرب، يبدو أن هذا السجن أبدي، لا تقلق من صوت الرياح والصراخ فهذا بداخل عقلي لا أكثر، لقد رأيت أشياء قد لا يتحملها عقل بشري عادي قمت برحلة خارج نطاق العقل والمنطق خالفت جميع قواعد إبن سيناء وأرسطوا، البناء في الخيال رائع ولكن لا أعلم أن كنت مجنون أم لا ولكن أرئ أنني مميز في كل شيء، أرئ أن الإنسان يفعل أشياء كثيرة كالسرقه ويستمر بالقاء اللوم على غيرة هذه هي الطبيعه البشريه، دق الباب بغتة: 


_موعد الطعام يا"جابر". 


_تفضلي يا"سَحر". 


_ماهي أخبارك اليوم؟ 


_مثل كل يوم. 


_تفضل طعامك. 


_أشكرك. 


أنا على هذا منذ أكثر من عام أتعجب كثيرًا من"سَحر" تلك الفتاة الحسناء التي كرست حياتها على خدمة المجانين فقط، ولكن السؤال هنا لماذا دائمًا كيف حالك؟ وهي تعلم الأجابه وعندما أجيب لا تعير لها اى أهتمام، أنها الطبيعه البشريه الغريبة التي لا أجد لها تفسير حتى الآن، لقد سئمت من حياة المشفى، أيعقل أن أظل سجينًا معتقلًا ومربوطًا بالقيود كالخنازير، لا أدرى أن كنت مريض أم لا ولكن أريد أن أخبرك أن الاطياف حقيقه، وأن المختلف دائمًا مجنون وأن الملتزم ليس بعاقل فالنجاح يريد الجنون والمجازفه، ولكني لست بمجنون، ولكن ماذا تريد من سلاله بشريه تقتل بعضها من أجل الحصول على قطعه أرض وكم تسفك دماء وراء هذة التخاريف، مثلهم مثل كاتبٍ ماهر يعلم أن كتباته جميله ولكنه ينتظر التبجيل والتصفيق الحار فقط من أجل إرضاء غريزة الشهرة بداخله! ماذا تنتظر من سلاله قتلت في أول سنين لها على الأرض، عند البشر غريب وأصرارهم أغرب ولكن لم أرئ مثل كبرياء لوسيفر وجنونه يعلم أنه سيخلد في النار ومع ذلك يحاول بكل إستطاعته أن يجلب أكبر عدد من البشر لكي لا يشعر بالوحدة في جهنم، قُسم الوطن العربي إلى دول متناهيه في المساحة، ولكن هل يعقل أن تقارن موقع الصومال بالمغرب هناك فرقٍ شاسع اليس هذا ظلمًا،كالجلوس في غرفة مظلمة ولكن يوجد بها نور خافت وتجلس وتنتظر خروج چني من تحت سريرك كما تقول الروايه، أو السهر ليلًا حتى طلوع الفجر تفكر في شخص لم تخطر على قلبه ولو للحظه، يتوقع بعض العلماء أن مُناخ في مصر في الالفيه المقبله سيكون مناخ أوربي، وستشتد الأمطار، وسيتسع ثقب الاوزون،كل هذا بسبب ظلم البشر وطغيانهم في الطبيعيه، وقد وصل ظلم البشر إلى مرحلة أنهم يأذون بعضهم البعض دون توقف كأنها عادة يوميه لا أعلم هل هذه هي الطبيعيه أم الغريزة البشريه لا أكثر، برغم من كل هذا سينتهي أمري الليله ولكن عدني يا صديقي أنك ستفكر خارج الدائرة التي وضعها العالم أمامك عدني يا صديقي،أنك لن تكون مثلهم وستصبح أفضل منهم عدني…


صحفية الوقائع المصريه

"مجنون يقتل نفسة بداخل غرفته في مستشفى المعمورة للامراض العقليه، عن طريق شنق نفسه، وقد أثبتت التحقيقات أن المريض" جابر صالح" كان يعاني من…"


تمــت. 


أحمد الحناوي|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع