القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال "الشخصيات بين واقع وإيهام"

مقال "الشخصيات بين واقع وإيهام" 

أعده: محمود محمد


كي تلم بفنون كتابة الرواية عليك الاستعانة بالله في المقام الأول، ومن ثم العمل الدؤوب من دراسة واطلاع وممارسة، وأن تعلم القاعدة من ثم تعمل بها، أو تكسرها.

وأتينا اليوم في المقال الثاني من سلسلة شيفرة الرواية نتحدث عن مربط الفرس بها ونتعمق بصياغته وبعض من أغواره.

الشخصية:

 هي العنصر المحرك للأحداث والتي تضفي على الرواية جانب الواقعية.

تكون الشخصية من بضع أفكار ومواقف وانفعالات، تشكل لنا إنسان من لحم ودماء.

ولا تعني الواقعية بالضرورة أن تتجه للكتابة الاجتماعية، بل من الممكن أن تتوافر في الفانتازيا ولو كانت الشخصيات غير آدمية، لكن تنشأ الواقعية عن طريق السمات والانفعالات التي تواجه الفرد، وتواجد السحر بكل شخصية هو ما يزيد من تعلق القراء بها، وتأتي الشخصية عائقًا في طريق القراء من إكمال رواية، فمصيرها ما يدفعهم للإكمال، وفتورها ما يجنبهم قلب الصفحات.

وتختلف جاذبية الشخصية وتميز تفاصيلها زيادة ونقصان بتمحور الرواية من فكرة تناقش نفسها على ألسن الشخصيات، أو حبكة بوليسية تتميز بالغموض وإلى ذلك.

فيأتي الروائي بذكر بعض الكلمات مكونًا بها شخص حي من كلمات، ولولا اللغط لحسب القارئ أن الشخصيات يلتقي بعضها في المواصلات العامة، وتلك هي الحرفية في التكوين.

وتأتي كل الشخصيات انعكاس للكاتب في حالة ما، بجزء منه لم يعرفه بعد، أو لن يعرفه أبدًا، مأخوذ من المارة، أو المعارف والأصدقاء، وكل هؤلاء هم زاد الكاتب من الشخصيات، والملامح والأبعاد.

وهنالك أربع مصادر لاستلهام الشخصية منهم، ألا وهي أنت نفسك وأشخاص آخرون تعرفهم، وأشخاص تسمع عنهم، وخيالك الخاص.

ويكون بناء الشخصيات قائم على طريقتين هما التحليلية والتمثيلية، وفيما يلي تتعرف عليهم في شيء من الإيجاز.


•التحليلية:

 تأتي عن طريق الإسهاب في بسط الأفكار والمشاعر عن طريق مراقبة الشخصيات من الخارج، ويتضح ويفسر كل شيء.


•التمثيلية:

 تكون من ترك زمام الوصف للشخصية ذاتها من أفعال، وترك الشخصيات الأخرى تدر عليها الوصف عن طريق التعليق، أو ردة الفعل.


إن أردنا أن نصنع شخصية في روايتنا فعلينا أن نبدأ بثلاثة أركان، أولهم

-البعد النفسي:

 وهو التكوين النفسي للشخصية من فرح وحزن، ونضج فكري ونفسي وخلافه.

وثانيهم البعد الاجتماعي:

 وهو ما يهتم بحالة الشخصية المادية من غناء أو فقر، وأسرة وغير ذلك من السمات المميزه اجتماعيًا للمرء.

وثالثهم البعد المادي:

 وهو ما يهتم بالمادة من طول وسمات جسدية في الشخصية، وكل ذلك من ملبس وما دون ذلك.


ويأتي كتابة الشخصية وبسط الفكر والقول بها في السعي نحو إنشاء شخصية دون ثغرات، تمتاز بضعفها وقوتها، وإنسانيتها، فحتى لو كانت حيوانًا فلكل شيء منطقيته، وما يجب أن يكون مكون من أسباب ونتائج، فمثلًا لو فرضنا أن عندنا شخصية تدعى محمود، وما ببعدها الاجتماعي سوى أنها شخصية فقيدة الأب والأم والأخوة، ويعيش دون أحد، ونظرنا بعد ذلك للبعد النفسي، فسنجد ما بها أنه مصاب برهاب إجتماعي يصحبه نوع من الاكتئاب، ويرغب بشدة بصحبة أحدهم، لكن يخشى أن يفقد كما فُقد من قبل، ونظرنا بعد ذلك لك إلى البعد المادي، فسنجد أنه يتميز بالتلعثم، وافتقادة للحس الذوقي في الملبس، أو التهذيب للشعر، وغير ذلك من ملامح ترتبت من الأبعاد السابقة.


•كيف أكتب عن شيء لست منه بشيء؟

أنا كمحمود شاب في مكتمل العقد الثاني من عمري، كيف لي أن أصنع ما دون عمري، سواء كان بكهل في الستين، أو حتى بالكتابة عن حقبة تاريخية في العصور الوسطى، أو عن جنس ليس مني، وغير ذلك من الاستفسارات.

الأمر يتصعب كلما ضاق نطاق الأمر فحينما تريد أن تعايش العصور الوسطى، فحينها ستأتي إلى الروايات التاريخية وترجع لمراجع في الحقبة المرادة، وغيرها، ويكون عليك البحث والتقصي والمتابعة الدقيقة، ويتطلب الأمر حينًا التواصل مع المختصين؛ ليرشدوك مُبتغاك، وذلك إن كان بعيد المنال، لكن إن كان من شخصية حقيقة متواجدة في واقعنا، فما عليك سوى المراقبة، الاختلاط بمثل ذلك الشخص، مفاتحته ومشاورته، معرفة الكثير عنه، ما يأتي بمرادك، وإن كانت فئه محددة، فمن الراجح أن تستشير أحد منهم، وتعرض عليه ما كتبتَ ليغير بعض مما فهمت خلطًا أو ما دون ذلك.


•من أين أعلم أن الشخصية التي طرحتها تصلح كبطل لروايتي؟

قبل إجابة ذلك السؤال عليك أن تعلم أن ما من شيء ثابت، وأنت قادر على صنع الكثير من أقل طرف خيط، فقط عليك أن تعلم ذلك، وبعد ذلك فقد ثبتت عدة تساؤلات أولية تشير لك بأن تلك سمات شخصية تصلح لبطل.


-هل أنا كقارئ مهتم بهذه الشخصية؟

-خل تعتبر هذه الشخصية متجددة وتلفت الانتباه بشكل أو بآخر؟

-هل أستطيع أن أبقى موضوعيًّا مع تلك الشخصية وأن أضع نفسي مكانها حين، وأستعمل الحالات الذهنية الثلاثة، فأكون الكاتب والشخصية والقارئ وأنا أكتب؟

-هل أريد لها أن تمتلك الثبات أم التغير؟

حين ثبوتنا على الشخصية الأساسية فبعد ذلك سنلجأ إلى شخصيات أخرى، ثانوية وفرعية، فكيف نختار مثل تلك الشخصيات؟

الأمر بسيط، فلو فرضنا أن بطلنا هو عجوز في الستين من عمره يدعى محسن جاد، فباقي الشخصيات ستكون:

-الشخصية المساعدة وهي ابنه محمد محسن، والذي يعتني بوالده؛ لأنه الولد البكر.

-البطل الضد، وقد تكون امرأة محمد التي تسعى نحو اقتناص التركة من الوالد.

-محامي محسن الذي يخبأ بعض الأسرار أولها أن الجد لا يملك شيء من المال ومديون.

-الشغاله الخاصة بمحسن والتي تسرب معلومات الأب إلى ولده مقابل حفنة من النقود.

-طبيب محسن والذي يؤكد أنه لم يبقى الكثير في حياة محسن نظرًا لتندي جهاز المناعة خاصته وتوغل المرض لآخر مراحله.

وحسب الحبكة وتغيير الفرضيات تنتج وترتب الأدوار، وتنتج منها الحبكات وما إلى ذلك.

ويمكننا اختيار نجم روايتك الخاصة استنادًا إلى القواعد الكلمات الاتيه: 

-ما الذي يشعل خيالك؟ 

-أي الشخصيات تجذبك أكثر من غيرها؟ 

-ما إذا كنت تريد التركيز على متغير أم ثابت؟ 

وإن كان متغيرًا ممن هؤلاء الأبطال يبدو أنه يمتلك قدرة فعلية على التغيير.

-من يمكنه التقدم عبر قوس عاطفي ترغب بتصويره؟ 

•البطاقة التعريفية:

 من الجيد صنع بطاقة تعريفية لكل شخصية من شخصياتك تضع فيها كل الخطوط العريضة، من خربشات كانت أو أحاديث فارغة، فقط دون ما تعلم واستنتج الباقي عن شخصيتك وباقي الشخصيات، ولعل صنع سيرة موجزة للشخصيات الرئيسية مفيد ويكون كالتالي:

-الاسم:

-السن:

-تاريخ الولادة:

-الوضع العائلي:

-الأولاد وأعمارهم: 

-المظهر العام: (كل ما يبدو مفيدًا)

-ترتيبات المعيشة: (من حالة اجتماعية أسرية وسكنية ومجتمعية)

-المهنة، ومعلومات العمل:

-درجة مهارته في العمل: (مبتدئ، كفؤ حقًا، ذو خبرة ولكنه آخر، وغير ذلك)

-شعور الشخصية تجاه مهنتها: (يحبها، يكرهها، مجرد وظيفه، لديها مشاعر مختلطة، تبحث عن عمل آخر)

الخلفية العائلية: (كل ما تعتبرة مهمًا: العرق، اسماء الإخوة، أسماء الأهل، الوضع الإجتماعي، الإنتماء القلبي، ازدراء تام لكل من عرفتهم الشخصية قبل سن الثانية عشر) 


•تداعي الألقاب.

يظهر التعامل بين الشخصيات من مناداتهم، والحدود بينهم دونًا عن باقي المجتمع، فعند مناداة محمد لوالده بمحسن فهو يدعو إلى حب شديد، وعند مناداة الخادمه له بسيدي ففيها احترام، ولكل شخصية تعامل، وذلك يظهر نوعًا آخر من أهمية الانطباعات.


•بين ما فرض وما اخترته.

في المظهر الخارجي يتألف الأمر من شقين، بين شيء فرض عليك، وآخر اخترته، أنت ككاتب، أو كفرد، فأنت لا تختار طولك، أو اتساع أو ضيق عينيك، لكنك أيضًا تختار هندامك، وتختار لبسك وتسريحة شعرك، وكل ذلك يدلي على الطبقات الاجتماعية، وليست من الشائع ضرب تلك الثوابت إلا في حالات أن يكون الشخص غير ميسور الحال لكن يرتدي نظارة ماركة، فيكون السبب لذلك بَيِن، ولذلك عليك أن تدرك ماذا تريد أن تُخلف عن القارئ من أثر من الشخصية سواء خبير في الحياة ومنعوا، أو قوي الإرادة وخطير، أو جذاب وبسيط، أو حتى مجرد أحمق.

وما يأتي من السابق ذكره إنما هو لإضفاء تفاصيل مرئية وملموسة؛ كي تكفي صورة كاملة، وما من معيار لتحديد كميتها، لكن هي أمر خاص بالكاتب يأتيه حتى يعلم تمامه، وتمامه أن يكون أمامه شخصية متماسكة، ومثيرة للحيرة والاهتمام تطرح بها من أفكار ما تريده.

كان ذلك عن الشخصية الرئيسية والمحورية في الرواية، لكن ماذا عن الشخصية الثانوية، هل ينبغي أن أعني بها كسابقتها؟

في الواقع ليس الأمر هكذا، فيكتفي ذكرها بقول بضع تفاصيل تضعها بعين القارئ مرسومه، لكن لمَ لا؟

يأتي ذلك بفرض أننا برواية بها ثلاث شخصيات رئيسة، أسهب الكاتب بذكر محاسنهم ومساوئهم وكل ذلك عنهم، وأتت عده شخصيات ثانوية؛ لتضيف شيء بعينه، فما الدافع إلى ذلك أغوار ذاتها إن لم يتطلب الأمر ذلك؟

المقصد من ذلك أنه يكتفى بذكر الخطوط الرئيسية بها التي تطرح العلامات الثلاث لها، من ثم لو كانت هنالك تفصيلة تُطرح؛ لتضفي إضافة في الأحداث، وما دون ذلك فليس له من الفرص الكثير.


•اختيار الأسماء:

من الرائج اختيار أسماء لا ترمي إلى الحقبة المطلوبة، أو تضع لمجرد إضافة أسماء، وهو أمر غير محبب، فللاسم وقع على القارئ يرسم بذهنه صورة بانطباع أول قد يثبت، فما لنا سوى استغلال ذلك حسن الاستغلال.


•أقنعه تتداعى:

 جميعنا نمتاز بتداخل المشاعر ويكون للبعض شعور بالضجر داخلي وظاهره حبور يتداعى بمرور موقف ما، وذلك ما يوجد في شخصياتنا الخيالية أيضًا، وذلك ما يضفي واقعية على الرواية من إخفاء انفعال حقيقي، أو إظهاره، لكن لذلك مساوئ فهي لعبة إن لم تحسب وتكال كفتاها لترامت الموازين معطبة كل الأحداث، فكيف تأتي بتصوير الذات الداخلية للشخصية، وتظهر الصراع بين الذاتين الداخلية والخارجية على حد سواء؟ 

ذلك ما يطرح مبدأ "العاطفة توجه السلوك" ويأتي السلوك موجهًا للقصة، وتنشأ العاطفة من شيئين وهما الدافع من مشاعر شخصية تريد أن تمضي في تحقيق شيء، وقصة خلفية تطرح حسابات مختلفة، وترجح الكفة على الأغلب.

ماضي الشخصية: لكل منا ماضيه، مواقف مر بها، أحداث، والآلام لم تمر عليه مرور الكرام، منها ما ترك انطباعات توجهه في حياته أبد الدهر، وغيرها من التداعيات على الحاضر.

وكتب جزء من الرواية تنتقيه لتعرضه، كذلك ماضي الشخصية، نأخذ منه الجزء الذي يفترض أنه مربط الفرس والذي أدى لذلك النتاج أمامنا هذا اليوم، وتكون مساحة الإضافة وحجمها عن الماضي حسب الكاتب وطريقة إضافته لها، وثبتت عدة طرق لإضافة القصة الخليفة وهي:

-التفاصيل الموجزة:

 طريقة لا تخرج من زخم القصة أو تخرج بالقارب من زمن الأحداث، وبإمكان الكاتب أن يُدخل حجمًا كبير من المعلومات بهذه الطريقة، فتكون إضافتها عن طريق ربط موقف أمامه بالماضي وذكر عدد من التفاصيل المشابهة بذلك.

-الفقرة المقحمة: 

 فقرة أو اثنتين يتم إقحامهم في تسلسل الرواية، حيث لا تضع متسعًا لخروج القارئ من زمن الرواية، أو التشتت، وتأتي مقاطعة لأحداث القصة لكنها أكثر تفصيلًا.

-الفلاشباك (الإرجاع الفني): 

 يأخذ الكاتب المشهد في قالب مسرحي فيصل فيه الحوار، والحركة، والأفكار، وكل شيء منتقلًا من زمن القصة إلى زمن المشهد الراجع، ونصبح وكأننا نعيش مع أحداث المشهد، لكنه ليس من زمن القصة بل هو حدث قبل الرواية ويفتقد إلى فورية أحداث زمن القصة.

وللفلاشباك عدة اشتراطات يستحب وضعها قبل استخدامه لتنال خير نتيجة:

أن يكون لك الحق بإرجاع فني ويأتي ذلك من أن تكون قد مهدت بما فيه الكفاية من أحداث تجذب القارئ وتناوله أطراف الحديث، وغير ذلك أن تضع أحداثًا تضع أقدام القراء على حاضر الرواية من ثم الانتقال إلى ماضيها، وينبغي ألا يشكل الإرجاع الفني المشهد الأول، وألا يعقب حاضرًا قصيرًا، وخاليًا من الحركة.

-المقطع التفسيري:

 وذلك الذي يقتحم أحداث القصة موقفًا زمنها ومحدثنا عن تاريخ شخصية وما حدث قبل أن تبدأ أحداث الرواية، ومن العيوب هنا خروج فوري للقارئ من زمن الرواية وقد لا يرغب بالعودة عنها، لكن قد يكون هنالك حاجه لها في حين امتلاك شخصيات ذات تاريخ طويل ومعقد يحتاج مقاطع تفسيرية لسرده، ولو كانت أحداث الرواية مبنية عليها.

لكن طرحت بضع علامات إن وجدت فلا تتردد بكتابة المقاطع التفسيرية: 

-مضحكًا جدًا.

-مليئة بالأحداث التي تجذب القارئ.

-مكتوبة بأسلوب نثري مميز بحيث لا يمانع القراء.


•تصوير الانفعال المباشر: 

وإن أكملنا تصوير الانفعال المباشر لوجدناه حسب الترتيب: 

القصة الخلفية←سمات الشخصية←الدافع← العاطفة.


ولو نظرنا بها لعلمنا أن الهوية الشخصية نتجت من القصة الخلفية، التي تجعلها ترغب بفعل شيء ما، وهذا الرغبة تترافق مع الأحاسيس، منتجه العاطفة.


-بعد الاستعانة بما جاء سابقًا والعمل الدؤوب، تكون قد خضت دروبًا تحتمل الزيادة والنقصان، انتهى المقال الثاني من سلسة شفيرة الرواية، لكن لم تنتهي السلسلة.


المصادر:

-الحكاية وما فيها.

-تقنيات كتابة الرواية.

-الكتابة الإبداعية.


محمود محمد|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع