"روحٌ خريفيّة"
محمد خطيب
كم كان الأسود يليق بكِ، والأبيض والسماويّ والرّماديُّ والأزرق، ولكن كان للأسود لونٍ خاص يعجُّ فيه حزن القلبِ الّذي يطفحُ على وجهكِ.
نحيلةَ الوجهِ، غائرة العينين من الألمِ، كم اشتقت لسماع لفظِ اسمي بصوتكِ، وكم اشتقت للَفظِ اسمك وأنا أناديكِ.
كاتمُ الهوى يؤلمه الرّحيل، يؤلمه ألماً طفحَ على أيّامهِ، يؤلمه ألماً لم يستطِع البوح فيه إلّا لقلبٍ فارَقه. غربةً أعيشها في بلادي بمجرّد أنّي لم أعد أراكِ، وبحّة حزنٍ في صوتي بسبب أيامٍ مرّت دون أن أغفو فيها على صوتكِ، دبيب الحزن لا أحداً يشعر بهِ سوى تفتُّت أعضَاء جسدي المعتادةٌ عليكِ.
ربّما لم أمُت منَ البُعد ولكنّي متُّ حياً.
انتظرِ قليلاً، أنا أعلم أنّكِ الآن فاقدةً للأمان والفرح، ومفتقدةً لحروفي، ويشغلُ تفكيركِ خلاصكِ إن كان هناك خلاصٌ.
مرّت وتمرّ الأيّام، ويكبُر الشوق، ويعلو صوتَه متوسّل الوصال، ويأبى الفراق. إن ذهبتي ولم تعودي فيا بلادي من أين لي دفء حضنٍ؟ ومن أين لي من البلاد بديل؟ وإن عُدتي فما أجمل طعمَ النّصر وما أجمل حضن بلادي، وما أجمل الزّهر ولو كنّا بالخريف، لأقل مرحباً بعودتكِ، ومُرحّباً بها، فبكِ أزهرَت الحياة، وغابت الكئابةُ.
ولكن كيف هذا! وماذا عن ذاكَ الثّوب الأبيض الّذي لم تخلعيه بعد؟ ألم أقل لكِ بأنّ موعدنا في دار الخُلد دارُ السلام، لا في دارِ الأرض دار الظّلام.
تعليقات
إرسال تعليق