القائمة الرئيسية

الصفحات

 مقال: الصادق البار

الباحثة: الاء محمد 

غلاف: ريم صالح 

عبد الرّحمن بن عوف القرشيّ الزهريّ (43 ق.هـ - 32 هـ / 580 - 656م)، هو أحد الصحابة العشرة المبشرين بالجنة، ومن السابقين الأولين إلى الإسلام، وأحد الثمانية الذين سبقوا بالإسلام، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين اختارهم عمر بن الخطاب ليختاروا الخليفة من بعده. كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو، وقيل عبد الكعبة، فسماه النبي عبد الرحمن وُلد عبد الرّحمن بن عوف بعد عام الفيل بعشر سنين، وكان إسلامه على يد أبي بكر الصديق، هاجر إلى الحبشة في الهجرة الأولى، ثم هاجر إلى المدينة، وشارك في جميع الغزوات في العصر النبوي، فشهد غزوة بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان،وأرسله النبي على سرية إلى دومة الجندل، وصلى النبي محمد وراءه في إحدى الغزوات،وكان عمر بن الخطاب يستشيره، وجعله عمر في الستة أصحاب الشورى الذين ذكرهم للخلافة بعده، وقال: «هم الذين توفي رسول الله ﷺ وهو عنهم راض.» توفى سنة 32 هـ، وصلى عليه عثمان بن عفان، وحمل في جنازته سعد بن أبي وقاص ودفن بالبقيع عن خمس وسبعين سنة شهد عبد الرّحمن بن عوف غزوة بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان وفتح مكة والمشاهد كلّها مع النبي، يقول سعيد بن جبير:«كان مقام أَبي بكر وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد، كانوا أَمام رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في القتال ووراءَه في الصلاة»، كما كان عبد الرحمن ممن يُفتى على عَهْد النبي، وكان كثير الصدقات والنفقات على الجهاد في العهد النبوي، حيث تصدّق بشطر ماله، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة، وكان أكثر ماله من التجارة وقيل: إنه أعتق في يوم واحد ثلاثين عبدًا.


ولمَّا شهد عبد الرحمن غزوة أحد كان ممن ثَبت حين ولى النّاس، وأُصيب عبد الرحمن في غزوة أحد فانكسرت مقدمة أسنانه، وجُرِح عشرين جراحة، بعضها في رجله، فكان فيه عرج بسبب ذلك. في شعبان عام 5 هـ؛ بعث النبي عبد الرحمن بن عوف على رأس سرية إلى دومة الجندل ليقاتل بني كلب بعدما فروا من المواجهة، وأمره أن يتزوج ابنة ملكهم إذا فتح الله عليه، فقال له: «هكذا فاعتم يا ابْن عوف اغد باسم اللَّه، فجاهد فِي سبيل اللَّه تقاتل من كفر بالله، إِذَا لقيت شرفا فكبر، وإذا ظهرت فهلل، وإذا هبطت فاحمد واستغفر، وأكثر من ذكري عسى أن يفتح بين يديك، فإن فتح عَلَى يديك فتزوج بنت ملكهم.» فأخذ عبد الرحمن اللواء، سار عبد الرحمن بجيشه وكانوا 700 رجل حتى قدم دومة الجندل فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام، فأسلم ملكهم الأصبغ بْن ثعلبة في اليوم الثالث، وأسلم معه ناس كثير من قومه، وأقام عبد الرحمن بقيتهم بالجزية،[36] وتزوج عبد الرحمن ابنته تماضر بنت الأصبغ، ثم قدم بها المدينة، فكانت أول كلبية يتزوجها قرشي، وأنجب منها الفقيه أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف.


وشهد عبد الرحمن فتح مكة، فأرسل النبي خالد بن الوليد إِلى بني جَذِيمة بعد فتح مكة، فقتل فيهم خالدٌ خَطَاءً، فودى النبي القتلى، وأَعطاهم ثمن ما أُخِذ منهم. وكان بنو جذيمة قد قتلوا في الجاهلية عوف بن عبد عوف والد عبد الرحمن بن عوف، وقتلوا الفاكه بن المغيرة، عَمَّ خالد، فقال له عبد الرحمن: «إِنما قتلتهم لأَنهم قتلوا عمك.» وقال: خالد: «إِنما قتلوا أَباك.» وأَغلظ في القول، فقال النبي: «لا تسُبُّوا أحدًا من أصحابي. فإنَّ أحدَكم لو أنفق مثلَ أُحُدٍ ذهبًا، ما أدرك مُدَّ أحدِهم ولا نَصِيفَه». ثم شهد عبد الرحمن غزوة تبوك، وصلى النبي وراء عبد الرحمن صلاة الفجر في هذه الغزوة، فعن المغيرة بن شعبة:

  عبد الرحمن بن عوف أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبُوكَ، فَتَبَرَّزَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قِبَلَ الْغَائِطِ، فَحَمَلْتُ مَعَهُ إِدَاوَةً قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ، فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَيَّ، أَخَذْتُ أُهَرِيقُ عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الإِدَاوَةِ، وَغَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُخْرِجُ جُبَّتَهُ عَنْ ذِرَاعَيْهِ، فَضَاقَ كُمَّا جُبَّتِهِ، فَأَدْخَلَ يَدَيْهِ فِي الْجُبَّةِ، حَتَّى أَخْرَجَ ذِرَاعَيْهِ مِنْ أَسْفَلِ الْجُبَّةِ، وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ عَلَى خُفَّيْهِ، ثُمَّ أَقْبَلَ، فَأَقْبَلْتُ مَعَهُ، حَتَّى نَجِدُ النَّاسَ قَدْ قَدَّمُوا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ فَصَلَّى لَهُمْ، فَأَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ، فَصَلَّى مَعَ النَّاسِ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ، فَلَمَّا سَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُتِمُّ صَلَاتَهُ، فَأَفْزَعَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، فَأَكْثَرُوا التَّسْبِيحَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ: أَحْسَنْتُمْ، أَوَ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمْ يَغْبِطُهُمْ، أَنْ صَلَّوْا الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا.


اشتهر عبد الرحمن بن عوف بعظم ثروته وكان أكثر ماله من التجارة، قال أبو عمر: «كان تاجرًا مجدودًا في التجارة، وكسب مالًا كثيرًا، وخلَّف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة، ومائة فرس ترعى بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحًا، فكان يدخل منه قوت أهله سنة.»، ولما كثر ماله قدم له ذات يوم راحلة تحمل البر، وتحمل الدقيق والطعام، فلما دخلت المدينة سمع لأهل المدينة رَجة، وكانت عائشة بنت أبي بكر في بيتها، فقالت: «ما هذا؟» قالوا: «عير قدمت لعبد الرحمن بن عوف من الشامِ»، ويروى أن ميراثه كان من ذهب يُقسَّم بالفؤوس حتى مجلت يدي الرجال منه، وترك أربع نسوة، أخرجت كل امرأة من إرثها بثمانين ألفًا.


كما اشتهر بكثرة إنفاقه، وكثرت الأخبار في ذلك، منها أنه تصدّق بشطر ماله على عهد النبي، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله وخمسمائة راحلة، وقد باع يومًا أرضا بأربعين ألف دينار فرّقها جميعًا على أهله من بني زُهرة وأمهات المسلمين وفقراء المسلمين، ورُوى أنه أعتق ثلاثين ألف بيت. فكان طلحة بن عبد الله بن عوف يقول: «كان أهل المدينة عيالًا على عبد الرحمن بن عوف: ثلث يقرضهم ماله، وثلث يقضي دينهم، ويصل ثلثًا.» وحين وفاته أوصى بخمسين ألف دينار في سبيل الله، فكان الرجل يعطى منها ألف دينار. وأَوصى لمن بقي من أهل غزوة بدر، لكل رجل أَربعمائة دينار، وكانوا مائة، فأَخذوها، وأَخذها عثمان فيمن أَخذ: وأَوصى بأَلف فرس في سبيل الله.


زهده

كان عبد الرحمن بن عوف يخشى من كثرة ماله، فيروي البخاري في صحيحه: «أَتَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَجَعَلَ يَبْكِي، وَقَالَ: قُتِلَ حَمْزَةُ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ، إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، وَقُتِلَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ، فَلَمْ يُوجَدْ مَا يُكَفَّنُ فِيهِ إِلَّا ثَوْبًا وَاحِدًا، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يَكُونَ عُجِّلَتْ لَنَا طَيِّبَاتُنَا فِي حَيَاتِنَا الدُّنْيَا.»، ولمّا وُضِع أمامه صحفة فيها خبز ولحم؛ بكى وقال: «هَلكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَشْبَعْ هُوَ وَأَهْلُ بَيْتِهِ مِنْ خُبْزِ الشَّعِيرِ، فَلا أَرَانَا أُخِّرْنَا لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَنَا»، ويروي أهل التاريخ أنه كان متواضعًا، فلا يكاد يُعرف من بين عبيده.


الاء محمد| همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع