نص: مَلعونتيالكاتب: عمر سعيد
تصميم: ريم صالح
مَلعونتي:
اشتَقتُ لَكِ، والاشتياق كالحرب يخشى الجميع قيامها، طال غيابكِ وغياب الأحبّة يولّد الجفاء والجحود, لم أكُن أملِك سوى الانتظار .. والانتظار عقاب قاسِ.
لماذا أشتاق لكِ كُلّما شعُرت بالوِحدة؟ لماذا أنتظركِ وأنتِ لستِ موجودة! كيف تغيبين وأنتِ تسكنيني! أتراكِ سئمتِ من سخطي وصخبي؟ أم أنكِ تهوين الهرب فهجَرتِ!
أحيانًا أحتاجكِ بشدّة، وكثيرًا أكون زاهدًا فيكِ، وهذا التقلُّب يُرعبني.
بالأمس كُنت حزينًا جدًا .. بلا سبب، استيقظت باكرًا .. بلا داعِ، كنت مُشوّشًا وضائق الصدر وليس للكوابيس ذنب، لم أرغب في الخروج من الغُرفة، رأيت فتح الباب أمرًا مُخيفًا، خُيّل لي أن العالم بالخارج يحترق وأن الناس يتقاتلون، ظننت أن الكائنات الفضائية هاجمت الأرض والوحوش تأكل البشر كما في الأفلام المُملّة والروايات السخيفة، مجرّد خيالات لكني صدّقتها .. ولم أخرُج.
لم يكن لدي رغبة في القراءة، عزمت على الكتابة لكن رأسي فارغ، فارغ تمامًا كبالون مثقوب، العقل عاطل عن العمل والتفكير، حاولت العودة إلى النوم ولم أفلح، كان الأرق قد فرض سيطرته، وذلك يعني اشتعال حربٍ باردة بداخلي. إن أشدّ المعارك شراسة تلك التي يخوضها الإنسان بينه وبين عقله، ولكني –بالأمس- كنت أضعف من أن أخوض ولو حتى مناقشة عن طلاء الجدران، كُنت هشًّا وفي حاجة إلى صمت وعِناق.
فراغ كبير في رأسي، إنه يومٌ طويل ومُملّ، هكذا قُلت لنفسي .. وتقبّلت الأمر.
استلقيت طويلًا، تجوّلت بهدوء في دهاليز الذكريات، استعدت لحظات السعادة والفشل والأوقات المُبهجة والعصيبة، كنتُ دومًا الطرف الأرق في كل الذكريات مع أصحابي .. عائلتي .. محبوبتي، وبالرغم من كل الخسائر، لم أتحسّر على ما فاتَني ولم أندم على قراراتي الخاطئة، هي فقط كانت محاولة للتسلية وليست للحساب أو التأمّل، حالة عجيبة نادرًا ما تأتيني. الماضي عدو لا يُهزَم، عفريت يظهر كُلّما قرأنا التعويذة، متى سنتخلّص من أشباح الماضي؟ كيف نستعدّ لمواجهة مخاوف المُستقبل؟ والأهم .. كيف نتكيف مع الحاضر؟ أنا في حيرة!
وكالعادة، عندما تُحاصرني التساؤلات، لا أبحث عن أجوبة، بل أهرب من الصدام وأختفي في الخيال .. ورُبّما في الكُتُب. للكُتُب تأثيرٌ قد يفوق تأثير المخدرات.
زارتني بعض شخصيات الكُتب التي أحببتها، مرّوا في رأسي على استحياء، رجالًا ونساءً من صنع الخيال لكنهم مُخلّدين في الذاكرة، زوربا .. زارادشت .. محمود السمنودي .. أنيس ذكي .. سعيد مهران .. جوستين .. مستر هايد .. لوليتا .. راسكولنيكوف .. ناتاشا.
لقد رافقتهم في رحلاتهم وشاركتهم في معاناتهم، كانت أوقاتًا رائعة لا تُنسى.
أيتها الملعونة، أحتاجكِ بقدر حاجتي إلى مطر يغسل أفكاري ويُذيب أوهامي، أريدكِ بقدر رغبتي لعطر أنثى حقيقية، أنثى تستمع لهذياني وتُعانقني في صمتي. إنني كمثل سائر البشر، أطمع في كل ما هو جميل ومُريح, فهل سأفوز ولو بالقليل ممّا أتمنّى وأرغَب!
أنا لا أعلم .. فهل تعلمين أنتِ؟
تعليقات
إرسال تعليق