القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال: المس الشيطاني 
الكاتب: عمر سعيد

 تصميم: إيمان حسن 

أفعال غريبة، هيستريا، أقولٌ وأصواتٌ مُخيفة .. لا هذا ليس جُنون! هذا ما تعدى الجنون، حالات مُخيفة نهايتها في الأغلب مأساوية، أشخاصٌ في عالمنا، ولكن أجسادهم يسكُنها أهل العالم المُظلم: جن .. شياطين .. أرواحٌ شريرة، أو هكذا يُقال.

وبين الحقيقة والخيال لُغزٌ من ألغاز العقل البشري عجز أكبر العلماء عن حسمه وجدلٌ خلق آراء علمية ودينية ستصدمنّا، والسؤال دومًا: جلسات طرد الأرواح الشريرة، ما حقيقتها؟! هل حقًا ما يُصيب هؤلاء الأشخاص هو المس الشيطاني؟!

اميلي روز فتاةٌ أو ما تبقي من فتاة قُتلت على يد أقرب الناس لها – والديها – والسبب المس الشيطاني، أغلبنا يعرف أن " اميلي" بطلة الفيلم الشهير الصادر عام 2005م فيلم الرعب

“The Exorcism of Emily Rose”

الذي يحكي قصة فتاةٍ تعرضت لأكثر من 65 عملية طرد أرواح خلال سنة واحدة، وكانت نهايتها الموت جوعًا وتعذيبًا، فماذا لو أخبرتكم أن هذا الفيلم مبنيٌ بالكامل على قصة حقيقية ولكن الفتاة الحقيقية هى فتاة ألمانية تُدعى "انيليس ميشال"، الفتاة الشابة التي اسلمت الروح عن عمر يُضاهي 23 سنة، تعرضت لمُختلف عمليات التعذيب الجسدي، وقصتها تقشعر لها الأبدان، سنعرفها بالتأكيد في سياق المقال، قصة الفيلم تناولت موضوعًا جدليًا بإمتياز على مُختلف الأصعدة .. المس الشيطاني، وطرد الأرواح الشريرة .. فما حقيقة الظاهرة؟ أو الممارسة القديمة قِدمَ الزمن؟! هل هى من وحي الخيال؟ أم أن هُناك واقعٌ آخر نحن نجهله! هذا ما سنعرف من خلال مقالنا .. لنأخذ نفسًا عميقًا، ولِــــــــنـبـــدأ:

طرد الأرواح الشريرة أو المس الشيطاني، ويُعرف عالميًا باسم

: هو عملية طرد الشياطين أو الجن أو حتى “Exorcism”

الأرواح من جسد شخصٍ ممسوس باستخدام "تعاويذ وترنيمات" وعبر طقوس وشعائر خاصة، هذه المُمارسة ليست ولِــيدة العصور الحديثة، بلا هي مُتجذرة منذ القدم في مُختلف الشرائع السماوية، ولا تاريخ مُحدد لظهور المُمارسة، بل نجد لها ذكرًا في التوراة، الانجيل، كُتب الهندوس، البوذيين .. إلخ.

وبالطبع دينيا الاسلامي له حصة في هذه الظاهرة وسأتناول الكل تفصيلًا لاحقًا .. إلى أن أول ما يُمكن اِعتباره وثيقة رسمية تُنظم العمل صدرت عام 1614 من الفاتيكان، حيث قام " البابا بول الخامس" آنذاك بوضع ما اَسُمَّهُ "طقوس طرد الأرواح" أو بُغية تنظيم المُمارسة التي انتشرت “ritum exorcismi”

آنذاك بطريقةٍ شاسعة وخرجت من أيدي الكهنة، الهدف كان تنظيم الممارسة ضمن طرق مُحددة بعد التأكد من أن الحالة المعروضة فعلًا لِــــمـس شَيّطاني، والكاهن الراغب في تطبيق عملية الطرد يجب أن يكون مُخولًا من مُمثل البابوية في منطقته، تلك التعاليم تمت مُراجعتها والتصديق عليها مُجددًا من الفاتيكان عام 1999 والسبب: ارتفاع الطلب على عمليات طرد الأرواح الشريرة ومازالت التعاليم قائمة إلى يومنا هذا.

فكرة المس الشيطاني وعمليات الطرد المُصاحبة لها ألهمتَّ مُخيلة العديد من الكُتَّاب فصدرت الكُتب التي تناولت الموضوع سواء كان من الجانب الواقعي أو حتى الخيالي، وعلى سبيل

 للكاتب“The Devil you know”المثال للحصر

 “American Exorcism”وكتاب “Mike Carey”

 وبالطبع أرواح وشياطين“Michael W.Cuneo”للكاتب

ورعب هي مادةٌ دسمة لصُناع الأفلام فصدرت أفلام:

“The Last Exorcism, the Rite”

وكما ذكرت في البداية فيلم ايميلي، وغيرها المئات من الأفلام التي كانت مُمارسة طرد الأرواح الشريرة الاساس لها، المُلفت في الأمر أن أغلب الأفلام تُعلن عن نفسها أنها مُقتبسة من قصة حقيقية والواقع أنه بالفعل القصص موجودة، بل يوجد المئات من القصص المعروفة وغير المعروفة تغزو مواقع التواصل الاجتماعي ومن قبلها الوسائل الاعلامية المختلفة، بعضها حقيقي والبعض الآخر .. لا أحد يعلم.ات

فيما يلي سأستعرض بعضًا منها، لنأخذ نفسًا عميقًا، ولنستعد لهذه المحطة المُرعبة:

إحدى أشهر قصص المس الشيطاني وهي قصة الفتاة الألمانية انيليس ميشال والتي كما ذكرتُ مُسبقًا بُني على أساسها الفيلم الشهير المذكور في بداية المقال، هذه الفتاة تعرضت لأول نوبةٍ عندما ضاهى عمرها 16 عام، وتم تشخيصها بالصرع، بالطبع اُعطيت الأدوية المُناسبة إلا أنه على مدي أربع سنوات سألت حالتها أكثر وبدأت بسماع أصواتٍ داخل رأسها ورؤية أشكالٍ شيطانية تأمرها بقتل نفسها، لجأ الأهل مُجددًا إلى الأطباء الذين قاموا بإعطاء الفتاة أدوية مُغايرة وجرعاتٍ أكبر، ولكن الأمر لم ينجح ومع تزايد حالتها سوءًا أصبحت الفتاة و من خلفهاعائلتها مقتنعين بأنها ممسوسة من قبل روحٍ شريرة .. شيطانية، من أجل تخليصها من عذابها قصدت العائلة الكنيسة؛ لِـتحضير جلسة لطرد الأرواح، في البداية عارضت الكنيسة الأمر إلا أنه بإلحاح الأهل وبمساعدة كاهنين تم الحصول على الآذن من الأسقف المحلي عام 1975، بدأت عمليات طرد الشياطين وبالطبع توقف الأهل عن الاستشارة الطبية، خضعت الفتاة الممسوسة لـ 67 عملية طردٍ خلال سنةٍ واحدة، توقفت خلالها عن الأكل والشرب حتى وصل وزنها لما يُقارب 30 كجم وأُصيبت بكسور في الركبة نتيجة الثني الدائم لأكثر من سنة متواصلة، فهل نعتقد أن الشيطان خرج؟! للأسف لا!

بل روحها هى التي خرجت نتيجة سوء التغذية والجفاف الشديد لتموت الفتاة عن عمرٍ يُنازع 23 عام، السُلطات تحركت وألقت القبض على الوالدين والكاهنين، ولكن العقوبة كانت بسيطة

لأن القتل كان غير مُتعمد، خلال المُحاكمة أبرز الكاهنان تسجيلات وصور وصفت بالمرعبة تُظهر تغير شكل الفتاة خلال الجلسات، وأصوات غريبة تخرج من فمها تتحدث باللاتينية ولغة آخرى غير مفهومة، إلى أن المحكمة لم تأخذ بعين الاعتبار تلك التسجيلات؛ لِــتُصبح قصة الفتاة انيليس ميشال اشهر قصص المس الشيطاني وعمليات الطرد حتى يومنا هذا.

إحدى أشهر جرائم القتل البريطانية وأشهر مُجرميها ارتبط ارتباطًا وثيقًا بمماراسات طرد الأرواح الشريرة " مايكل تايلور" الرجل الذي قتل زوجته بوحشيةٍ مُرعبة عام 1974م، الرجل قتل زوجته بيديه فقط ممزقًا عينيها ولسانها ونصف وجهها على الأقل، ليقوم بعدها بخنق كلبهم ويخرج للشارع عاريًا مُغطى بالدماء.

ولكن الأغرب من كل هذا، إن مايكل لم يكن يعلم ماذا يفعل وفي المُحاكمات تم إثبات الجنون عليه، وما تَكَشَّفَ خلال المُحاكمة هو الصادم:

قُبيل مقتل زوجته خضع مايكل لعمليات طرد أرواح شريرة في الكنيسة التي يتبع لها، بعد أن كانت تصرفاته ونوبات غضبه قد زادت عن حدها، ما حدا بالقيميين على الجماعة أو الكنيسة التابعع لها تجهيز الجلسات، وبالفعل بدأت الجلسات وبحسب الكهنة الذين ترأسوا جلسات طرد الأرواح، فإنهم تمكنوا من إخراج 40 شيطانًا على الأقل خلال الجلسة، إلا أنهم أُصيبوا بالإعياء والتعب وسمحوا للرجل أي مايكل بالذهاب إلى بيته، مُقنين أن هناك 3 شيطاطين مازالت تسكنه:

شيطان الجنون .. شيطان القتل .. شيطان الوحشية، بحسب ما قالوا، فهل وجدنّا الرابط بين الجلسات والجريمة المُروعة! بالطبع وضع القاتل في مصحة عقلية بعد إثبات حُجة الجنون عليه لسنتين ومن ثمة سُجن في سجن مُشدّد الحراسة قبل أن يتم إطلاق سراحه بعد سنتين، عاد الرجل وتصدر الأخبار عام 2005م بعد تحرشه بمراهقة، بعد اسبوع من حبسه بدأ تايلور الذي حاول الانتحار أربع مراتٍ سابقًا، بإظهار نفس العوارض التي سبقت قتله الوحشي لزوجته، ما حدا بالسلطات لإعادته لمرحلة العلاج النفسي، هل نظن أن المس قد أصابه من جديد؟! من يدرى!

عام 2010م جريمة قتل بحق طفل في الخامسة عشر من عمره هزت العاصمة البريطانية - لندن - أيضًا.

 فإن القاتلان هما شقيقة الصبي وزوجهاBBCفبحسب

المنحدران من جمهورية الكونغو الإفريقية والسبب أنهم اعتقادا أن الصبي مسكون بالشياطين ويزوال السحر الأسود، وبحسب الشهود فإن الصبي تم تعذيبه لثلاثة أيام متواصلة من قبل شقيقته وزوجها باستخدام السكاكين والعصا الخشبية والمطرقة؛ بُغية إخراج الشياطين منه بحسب اعتراف القاتلين.

بحسب التقرير الذي ورد في أكثر من موضع، الصبي توسل لمعذبيه أن يسمحوا له بالموت؛ ليرتاح من العذاب، وفي نهاية المطاف عُثر عليه ميتًا في حوض الاستحمام غرقًا وآثار التعذيب واضحة عليه.

في عالمنا العربي العديد من هذه الحالات، بل جولة واحدة فقط عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو حتى على القنوات التليفزيونية المُخصصة لهذا الأمر، تُظهر مدى التعمق للظاهرة.

في واقعةٍ حدثت في مصر، إحدى الفتيات البالغة الـ 20 من العمر لقيت حتفها بعدما قام المُعالج الروحي كما يُسمي نفسه بتعريضها لصدمات كهربائية بُغية علاج المس الشيطاني بعد أن جزم أهلها أنها ممسوسة، آثر تعرضها لمرضٍ نفسي هذا ليس كل شيء.

فأيضًا ومن دون ذِكر أسماء، قام شخصًا سعودي بعملية طرد شياطين أو كما تُعرف عربيًا وإسلاميًا بـ " الرُقيّة" على فتاة مغربية في فرنسا والطريقة كانت الخنق لإخراج الجن من المرأة المُتلبس بها والنتيجة .. مقتل المرأة وحبس الرجل مؤبدًا .. وغيرها الكثير والكثير من القصص التي تستطيعوا التعرف عليها ببحثٍ بسيط على الانترنت .. إذًا من التجارب السابقة نجد أن الظاهرة تتعدى مُجتمع أو شريعة سماوية واحدة، ولكن المُلاحظ هنا أن الطقوس المُتعلقة بها أو الأساليب المُتبعة في الحالات تتنوع في مختلف الشرائع السماوية، لكل شريعة طريقة مُتبعة.

 نبدأ مع الاسلام:

حيث تظهر الممارسة وبقوة وتحتل الرقية الشرعية المرتبة الأولى في الممارسات وتليها عمليات فك المس وطرد الشيطان وغيرها، عادةً تكون العملية باستلقاء الشخص الممسوس في حين يكون الشيخ أو الراقي كما يُسمى واقفًا فوق رأس الشخص، واضعًا يديه على رأسه مُرددًا آيات من القرآن الكريم، في بعض الأحيان يتم استخدام ماء زمزم ونوع خاص من العطر الخالي من الكحول يُسمى "عطار" إلى أن هذا الاسلوب ليس بالضرورة الاسلوب المُتبع.

بحسب الباحثين والكاتبين في علم الاجتماع فإن علمية طرد الشيطان باستخدام القرآن تنقسم إلى ثلاثة مراحل:

_ المرحلة الأولى: إزالة أي أمر مُحرم من الغرفة التي ستتم بها العملية مثل أدوات الموسيقي والصور والحُلى الذهبية وغيرها، بُغية السماح للملائكة للدخول بحسب المُعتقدين بالممارسة، يُخبر بعدها أهل الممسوس بأن كل شيءٍ يحدث بمشيئة الله تعالى.

_ المرحلة الثانية: يقوم الشيخ المُعالج بتحديد إذا كان الشخص ممسوسًا أم لا، وبالطبع سيدخل في حوارٍ مع الروح لتحديد إذا كانت من الجن أو الأشباح أو الشياطين أو غيرها، ليعود الشيخ ويسأل الشخص الممسوس عن الأحلام التي تراوده ومشاعره خلالها، يقوم بعدها الشيخ بتطهير نفسه والغرفة والأشخاص المتواجدين تحضيرًا للمرحلة الثالثة والأهم.

_ المرحلة الثالثة: تبدأ عملية الطرد الفعلية بقراءة سور من القرآن الكريم " كالفاتحة، البقرة، آية الكُرسي وغيرها" وبالطبع كل شيطان أو جن أو روح لها من الآيات سور ما يخصها، من الممكن استخدام العسل والماء المُقدس " ماء زمزم" لتطهير الشخص الممسوس ومن الداخل والخارج من الخطايا، وفي سياق المقال سنصل إلى رأي علماء المسلمين الصريح في الممارسات.

في المسيحية:

 لا وجود للجن، بل الشياطين والأرواح الشريرة حيث تم ذكر الشياطين أكثر من 200 مرة في الانجيل، بل وأكثر من ذلك ذُكر في الانجيل وفي أكثر من موضع مواجهة المسيح للشياطين و إخراجهم من أجساد الممسوسين بعباراتٍ وقصصٍ منقولة.

يتم إجلاس الشخص الممسوس على ركبتيه، وفي بعض الأحيان ربطه في حال تعذر السيطرة عليه، بعدها يبدأ الكاهن المُوكل بالعملية وبحضور أهل الشخص الممسوس بقراءة مقاطع من الانجيل مُختصة في الممارسة وبالطبع حاملًا الصليب الذي يُجزم أن الشياطين تهابه، أيضًا يتم رش لشخص الممسوس بالماء المقُدس لتطهيره وإخراج الشيطان منه، بعد أن يكرر الكاهن الطلب من الشيطان الخروج من جسد الشخص باسم الرب.

في اليهودية:

لها نصيبٌ في عملية طرد الأرواح الشريرة.

الحاخام اليهودي " يهودا فطايا" قام بتأليف ونشر كتاب باللغة العبرية تمت ترجمته للغة الإنجليزية فيما بعد وعُرف باسم

 مُخصص لعمليات طرد الأرواح حيث“Minhat Yehuda”

يذكر تجاربه مع الأشخاص الممسوسين ويذكر بعضًا من تفاصيل العملية في الفكر اليهودي.

تنفذ العملية من قبل الحاخام المُتمرس "الكابالا العملية" وبحضور مجموعة من 10 أشخاص يُطلق عليهم اسم " المنيان" هذه المجموعة تجتمع على شكل دائرة حول الشخص المُستهدف مُرددين الجزء الـ 91 من سفر المزامير ثلاثة مرات، يقوم بعدها الحاخام بالنفخ في "الشوفار" أي في قرن الكبش، النفخ في الشوفار يتم بعدة نغمات، بغية خض القوة التي تلبست الشخص وجعلها ضعيفة ليعود بعدها الحاخام ويبدأ بالتواصل مع هذه القوة لتحديد ماهيتها وسؤالها عن سبب تلبسها للشخص المستهدف، وفي المقابل تقوم مجموع المنيان بتلاوة صلاوات وإقامة مراسم خاصة تجعل الروح المُتلبسة تشعر بالأمان لمغادرة الجسد.

الأمر لا يقتصر على الشرائع السماوية الثلاثة، بل يتعداها إلى دياناتٍ آخرى.

في البوذية:

الأمر يعود إلى بدايات البوذية القديمة وتتم العملية على يد أحد الكهنة المختصين بهذا الأمر، فيقوم الكاهن البوذي بترديد ترانيم ومقاطع من "بالي كام" وهى مجموعة الكتب التي اختصت في المعتقدات والصلاوات البوذية مع بعض المراسم الخاصة كحمل المشاعل وأيضًا رش المياه على الشخص الممسوس.

ظاهرة طرد الأرواح الشريرة لها أهمية خاصة في المعتقد البوذي وخاصةً في منطقة " التبت" حيث يخصص اليوم التاسع والعشرين من الشهر الثاني عشر التبتي بهذه الظاهرة ويُسمى ب " كوتور"، في ذاك اليوم يكون كل التركيز على طرد الأرواح الشريرة من مختلف الأماكن وما تحمله من طاقة سلبية ويُطرد معاها الحظ السيء من العام السابق وبذلك يمكن للأشخاص معتنقيه البدء بعامٍ جديد ومشرق.

تقاليد اليوم المقدس هذا تبدأ بحلقات الرقص الديني الكبيرة التي تعقدها الأديرة والمعابد في مختلف الأرجاء، يقوم الناس بتنظيف منازلهم خصيصًا في هذا اليوم مع تزين الغرف ويتبعه تناول حساء مخصص لليوم يسمى " كوثوك" .

في المساء يحمل الناس مشاعل مرددين كلمات التعاويذ الخاصة بطرد الأرواح الشريرة بما يشبه عمليات طرد شياطين جماعية.

ترتبط الهندوسية ارتباطًا وثيقًا بتعاويذ وترانيم طرد الأرواح الشريرة، وبالأخص أن الديانة تؤمن بإمكانية تلبس الشيطان أو أي روح شريرة لجسد الشخص، التعاويذ مذكورة في كتبهم المقدسة الأربعة، بالطبع يطردون الشياطين والأرواح الشريرة لترديد التعاويذ وأسماء الآلهة المقدسة عبر رجل دين بصوتٍ عالٍ لإخافة الشياطين وحثها على طرد جسد الممسوس.

في الطاوية:

يتم المس الشيطاني لسببين:

_ الأول: أن الشخص أزعج شبحًا أو روحًا لأي سببًا كان وبالتالي الشبح أو الروح الشريرة تسعى للانتقام.

_ الثاني: شخصاً أخر يشعر بالغيرة من الشخص فيقوم باستخدام السحر الأسود لجعل روحٍ شريرة تتلبس الشخص الآخر، لبتدأ بعدها عملية طرد الأرواح الشريرة، يقوم بهذه العملية "الفاشي" وهم ضُباط طقوس صنيين وكهنة طاويين حسرة، فيقومون بترديد صلاوات خاصة وتعاويذ مع بعض الحركات المخصصة لطرد الأرواح ، يقوم الفاشي في بعض الأحيان بضرب أنفسهم بالآت حادة لإظهار شجاعتهم للروح الشريرة وإجبارها على الرحيل، ومن ثمة يجمع الدم الذي يعتبر مُقدس ويوضع أمام البيت المتواجد به الشخص الممسوس، وفي بعض الأحيان أمام بيوت القرية التي يتحضر منها الشخص بسكلٍ عام، لمنع عودة الأرواح مجددًا، ولكن إذا آثارت هذه الطقوس والممارسات وما سبقها من تجارب وقصص استغرابكم، فما بالكم بما ستسمعونه على لسان أهل العلم والمعرفة؟!

شياطين، أرواح شريرة، لغاتٍ غريبة، أصواتٍ لا علاقة لها بالجسد النابعة منه، إذًا أمرًا خارقًا للطبيعة يحدث، والعلم كالعادة بالمرصاد، ولكن الوضع هنا اختلف، فمع أن أغلبية أهل الاختصاص بالعلم نفوا المسمى ب " المس الشيطاني" وما يرافقه من عمليات طرد الشياطين وما شابه، إلا أن أصواتٍ بارزة خرجت تُشكل صدمةً لمن يبحث في هذا المدمار.

 مقالًا“CNN”في مقال مُطول تناول هذا الموضوع نشر

يتحدث عن الرأي الأخر للعلم فيما يتعلق بظاهرة المس الشيطاني وما يرافقها، وعلى رأس القائمة الدكتور " ريتشارد جالاهير" الطبيب النفسي المشهور والمحاضر في جامعة كولومبيا والكلية الطبية في نيويورك، قصة الطبيب الي اشتهر باسم " مستشار طاردي الأرواح" فعلًا مريبة!

القصة على لسان الطبيب بدأت بعدم إيمانهم بما يسمى المس الشيطاني والطرد وغيرها، رُغم أنه من عائبة كاثوليكية متدينة تؤمن بوجود الشياطين وقدرتها المُخيفة، إلا أن الدكتور وبحكم دراسته وعمله كان ينفي تمامًا الظاهرة حالها كحال الظواهر الخارقة الآخرى، فهو رجل العلم، ولكن حادثةً واحدة قلبت الموازين وجعلت من رجل العلم مستشارًا لطاردين الأرواح و أحد أبرز الوجوه التي يمكن أن تشهدها بتلك الممارسات.

بل وباعتراف الكاهن "جاري توماس" أحد أشهر طاردين الأرواح في الولايات المتحدة فإن دكتور ريتشارد شخصٌ محترم في المجال وهو بنفسه يطلب مشورته ومساعدته في جلسات طرد الأرواح كلما تطلب الأمر، هذه الحادثة تتعلق بامرأة تدعى "جوليا" بحسب الطبيب، هذه المرأة المنتسبة إلى إحدى مجموعات عبادة الشيطان قصدت الكاهن المحلي طالبةً منه تخليصها من الشيطان المستحوذ لها وجعلها تحت إرادته، الأمر الذي أخفاها وجعلها عاجزة عن إتخاذ القرارات الصحيحة، والكاهن حولها لأحد المختصين بطرد الأرواح الشريرة الذي بدوره حولها للدكتور ريتشادر لمعرفة إذا كانت تُعاني من مرضٍ نفسي، بعد الفحص والجلسات تبين للطبيب عدم وجود أي مرض نفسي لدي الفتاة وبذلك اتجهت الانظار إلى جلسات طرد الشياطين بدافع الفضول حضر الطبيب الجلسة التي غيرت حياته، تم تحضير الكنيسة التي ستجري فيها العملية واُحضرت الفتاة تبدأ هنا الغرابة:

مع بدأ الكاهن بقراءة مقاطع من الانجيل بدأت الأشياء بالتطاير من الأرفف أمام أعين الحاضرين والدكنور من ضمنهم ثم يليها الأصوات المخيفة المتحدثة باللغة اللاتينية، أما الطبيب فتلقي صدمته الأولى حينما أخبرته جوليا أن أمه تُوفيت بسبب سرطان الرحم وأنه في الليلة التي سبقت الجلسة قطتان يقتنيهم الطبيب في منزله دخلتا في عراك جنوني دون سبب، هذا ليس كل شيء!

بحسب الدكتور ريتشارد وما ذكره في مقال آخر نُشر في

 فإن جوليا استطاعت الوصول “The Washington post”

إليه حتى كونها بعيدة آلاف الأميال كيف؟! نتابع بتمعن.

في إحدى المكالمات التي يجريها الطبيب مع الكاهن المسؤول عن حالة جوليا ومن دون سابق إنذار سمع الرجلان أحد الأصوات العميقة المرعبة الصادرة من جوليا في إحدى الجلسات عبر سماعة الهاتف، الطبيب لم يخف بحسب قوله ولكنه أحس بالغرابة ومنذ ذلك الحين وطيلة ال 25 عامًا أصبح الدكتور ريتشارد من المؤمنين بموضوع المس الشيطاني، رغم أنه يقول أن المس من الحالات النادرة وأنه في معظم الحالات يقوم بإقناع المرضي بأنهم غير ممسوسين إلا أنه يعود ويؤكد بالمشاهدات أن هذه الظاهرة وعمليات طردها أمرٌ واقعٌ لا محالة.

الدكتور "مارك البانيز" هو الآخر طبيب نفسي معروف وصديق للدكتور ريتشارد وهو أيضًا من المؤمنين بوجود “New Oxford Review” الظاهرة، وقد نشر مقالا في

يدافع فيها عن مبدأ الدكتور ريتشارد مؤكدًا أن علم النفس والأطباء النفسيين مازالوا يجهلون الكثير حول العقل البشري ومكوناته.

بعض الأطباء لم يتمكنوا من حسم رآيهم ومازلوا في حالة من التشكيك بين صحة موضوع المس وطرد الشياطين من عدمه، أحد هؤلاء الأطباء يُدعى "جيفري ليبيرمان" طبيبٌ نفسيٌ متخصص في حالات انفصام الشخصية بحسب ما ورد في موقع سي أن أن، فإن الدكتور جيفري لم يكن يفكر إطلاقًا بهذا الموضوع، بل ويعتبر أنه من الغباء مجرد التفكير فيه، حتى صادف الحالة التي ارعبته بحسب وصفه:

بحسب الدكتور أنه طُلب منه بمرافقة معالجة نفسية لمتابعة حالة الفتاة التي تعتقد أنه ممسوسة، حاول الطبيب وزميلته معالجة الفتاة لأشهر ولكن دون جدوى، خلال العلاج حدث أمرٌ مازال الطبيب إلى اليوم غير قادر على تفسيره، يقول الطبيب:

أنه كان يعود في المساء إلى منزله ليتفاجئ بالأضواء تنتطفئ من تلقاء نفسها والصور واللوحات تسقط على الرفوف وبصاع قوي يصيبه حال عودته من العلاج، الغرابة ليست هنا، الغرابة في أن الطبيب ذكر لزميلته ما يحدث ليتفاجئ بأنها أيضًا تمر بنفس الأمور تمامًا دون تغير وفي نفس الوقت.

يقول الدكتور جيفري أن بسبب ما حدث لا يستطيع القول بأن المس الشيطاني غير موجود ، ولكن في نفس الوقت ليس لديه دليل يثبت وجوده وصحة عمليات طرد الأرواح الشريرة، في المنقلب الآخر أبرز الآراء المعارضة التي ترفض الفكرة تمامًا وعلى رأسهم طبيب الأعصاب والبروفسور في كلية الطب التابعة لجامعة يال " ستيفان نوفيلا" ففي أكثر من مقابلة أكثر من مقابلة أكد الدكتور ستيفان عدم وجود ما يسمى بالمس الشيطاني وأن عمليات طرد الأرواح الشريرة هى عمليات نصبٍ واحتيال ويذكر مثلا أن المريض المقتنع بأنه ممسوس بالشيطان قد يحفظ جملاً باللغة اللاتينية ويقوم بترديدها بأصواتٍ مختلفة ويتسأل لماذا لا يتم الحديث مع ما يدعى أنها روح شريرة بنفس اللغة ويقول أن ما نشده من أفلام وعمليات هي تمثيل ممل ولا معني لها، وبالطبع ينتقد كل المعالجين والأطباء النفسيين الذين برأيه يزيدون من حالة المريض سوءًا والكثير من العلماء يعتبرون الفكرة ضربًا من ضروب الخيال.

فهذا رأي العلم من الجهتين، فماذا عن رأي الدين؟ وبالأخص أن كل المعالجات تتم باستخدام مقتبساتٍ من مختلف الكتب الدينية؟ هنا محور نقطتنا التالية.

نبدأ مع الرأي الاسلامي: ففي حين نجد ذكرنا للرقية الشرعية في مختلف المذاهب والمراجع الاسلامية استنادًا إلى الأحاديث النبوية المتواترة في كبار كتب المسلمين، فإن الجدل حول موضوع المس الشيطاني أمرٌ آخر في هذا الصدد نجد رأيين لكبار علماء الملسمين.

الرأى الأول: يقول بأن المس الشيطاني أو تلبس الجن موجود استنادًا إلى الآية من "سورة البقرة" وفي ذلك بحسب رأي هذا الفريق واستنادًا لبعض تفسيرات كبار المفسرين فإن المس الشيطاني يحصل والطريقة الوحيدة لشفائه هي جلسات الرقية الشرعية التي تلتزم بما ورد عن الرسول الأكرم صل الله عليه وسلم، وبآيات القرآن الكريم فقط، ودون ذلك من تعاويذ وطلاسم وجمل مبهمة المعني تُعد شرك بالله ونوع من أنواع السحر المحرم.

الرأي الآخر: يقول بأن الجن وموجودين ومذكورين في القرآن الكريم ولهم سورة كاملة باسمهم في القرآن "سورة الجن"، إلا

أن الشيطان ومن خلفه الجن لا سلطان لهم على الناس، فهم لا يستطيعون تلبسهم كما يدعي البعض أو آذيتهم بشكل مباشر بل لا يتعدى الأمر أن الشياطين توسوس فقط للبشر وتحثهم على المعاصي مؤيدوا هذا الرأي يستندون على آية من " سورة إبراهيم" بالطبع القائمين بهذا الرآي يأكدون على أهمية الرقية الشرعية في حالات الحسد والعين التي ذكرها القرآن، إلا أنهم يعتبرون جلسات طرد الأرواح والجن بالإجمال كذب وتنجيم لا أكثر والحالات التي تعتقد أنها ممسوسة هى حالات مرضي نفسيين تستوجب العلاج النفسي فقط لا غير.

في المسيحية: الأمر واضح الجن لا وجود لهم لكن الشياطين موجودين كما ذكرت سابقًا، وكما هو واضح خلال ما ذكرناه بين عمليات طرد الأرواح الشريرة يجب أن تحظي بغطاء الكنيسة وموافقتها ويجب أن تتم طبقا لقواعد الفاتيكان.


عمر سعيد|همج لطيف


تعليقات

التنقل السريع