القائمة الرئيسية

الصفحات


سلمى هاني

 _ أنا تايه!

_ أرض اللّٰه واسعة، اسأل أي حد هيدلك على الطريق.

_ بس انتِ الطريق!

_ وانتَ العقبة اللِ هتمنعني أكمل طريقي.

_ مُستحيل تبقى دِ النهاية!

_ هي فعلًا مش النهاية دِ لسه البداية.

" نظَّل نحلم ونركض، ونحيا لأجل الركض، نقف ونتعثر ثمَّ نُكمل، تأخذنا الحياة بعيدًا عن ضالتنا، ولكن بالصبر والأمل نَصِل، ولكن هل دومًا نركض اتجاه الشيء الصحيح، أمّ إننا فقط نركض خلف أهوائنا؟".

" في بُقعة مُنيرة وَسط الظلام الدامس، تجلس علىٰ فِراشها، تَحمل مُذكراتها تُدونّ بها أحلامً لطالما أرادت الوصول إليها، رغم الحزن المُحيط بقلبها إلا أنها لا زالت تَحلُم، وترسم خِطط لِمُستقبلها، أغلقت مُذكراتِها، ثمَّ نهضت من الفراش واتجهت نحو الشرفة لترىٰ منظرها المُفضل بُزوغ الشمس المُنسجم بألوان الراحة، مع حُبيبات المطر، مدت يدها للخارج لتلمس تِلك الدموع التي تذرفها السماء، ثمَّ رفعت رأسها وأغمضت عيناها ببراءة، وابتسمت لتناجي ربها واضعة يدها علىٰ الشمال الغربي لجسدها عند تلك المُضغة الهشة لتُردد:

_ انتَ عالم يارب بكَّم الأسىٰ اللِ كامن هنا، خفف الحزن منه، واجبره، وفرحه، أنا واثقة انك هتستجيب ليا المرة دِ، أنا عندي أمل وواثقة انك هتجبرني؛ فاجمعني بأحلامي قُريب يارب.

" وقفت برهة لتترك الهواء يُداعب خصلات شعرها البنية برقة، وتتضح عيناها الزيتونية المُمتزجة باللُطف، وملامحها البريئة الصامدة رغم الأسىٰ، حول عيناها هالة سوداء، وعلى الرغم من أنَّ وجهها باهت لكن يشع النور من قلبها فيُضفي أثرًا لينير وجهها كذلك، أفاقت من هذا الشرود وذهبت لترتدي ملابسها حتى تذهب لجامعتها، جهزت كُل شيء وخرجت مِن منزلها، وذهبت للجامعة إنها سنتها الأخيرة، كما تعمل كمدربة في محاضرات التنمية البشرية"

_داليدا ذاكرتِ كويس!

_ خير بقى سيبيها على الله أنا عملت اللِ عليا.

_ انتِ جايبة البرود دَ منين انتِ مش عارفة دكتور زين ولا ايه؟

_ عارفة كويس هو مين، بس أنا هخاف ليه من شخص زي دَ، هو مِش مصدر خوف على قد ما هو مصدر تحفيز بسبب عناده معانا.

_ انتِ قلبك مات بقى.

_ بقولك ايه يا مريم أنا ماشية الامتحان شوية وهيبدأ.

" تركتها وذهبت دونَّ تفكير، واتجهت للمدرج، جلست بثبات دون خوف فاتجهَ نحوها بخطوات تُرعب من حولها، وقف أمامها بكبريائه، لطالما كان يُعاديها خلال السنوات الفائتة دونَّ سبب، لا يُحب تقدمها ويخشىٰ أنّ تنافسه بإمتيازاتها الذي يعجز عن محوها، مهما وضع الصعوبة أمامها كانت بالنسبة لها يسيرة، نظر لها بإبتسامة باهتة وقال:

_ أعتقد الامتحان دَ هيبقى صعب عليكِ يا آنسة داليدا!

بثقة_ ما كَان صعبًا بكرم الله سيكون سهلًا، وأنا مش قلقانة يا دُكتور.

_ تمام هنشوف.

" استفزته كلماتها، كان يستشيط غضبًا من ثقتها المُفرطة هذه، لكنه لا يعلم أنَّ وراء هذا الثبات شخص آخر هش ضعيف، قام بتوزيع الامتحان على الجميع وهو ينتظر لها خطأ واحد فقط، ولكن هيهاتَ لم يتحقق ملاذُه، كانت تكتب من بين الجميع، مُحققة كلماتها له، رغم الثورة الناجمة حولها من صعوبة ذاك الإمتحان، انتهى الوقت قامت بتسليم ورقتها وابتسمت له لتستفزه وخرجت، وذهبت مسرعة للمحاضرة التي ستقدمها، دخلت القاعة وصعدت للمسرح، أمسكت "الميكرفون" وبدأت بالتحدث:

_ أولًا آسفة جدًا علىٰ التأخير لكن محاضرة انهاردة مُهمة جدًا فأتمنى تخرجوا منها محققين قدر كبير من الإستفادة، جاهزين!

" رد الجميع بصوت واحد" جاهزيين".

ابتسمت_ تمام أوي، أعرفكم بنفسي في البداية عشان لو حد جديد هنا، أنا داليدا علي، مش دكتورة، بل مُدربة أو life coach، حضرت كورسات تنمية بشرية لحد ما وصلت هنا بعد تعب سنين..

" قاطعها سؤال أحدهم من الخلف:

_ هو حضرتك بتشتغلي مدربة تنمية بشرية يعني دِ وظيفة حضرتك الثابتة؟

ابتسمت_ لأ، أنا لسه في طالبة في كلية آداب "علم نفس"، ولسه مخلصة آخر امتحان في آخر سنة ليا فبإذن الله تبقى وظيفتي الثابتة بكليتي، ولكن كتدريب تنمية بشرية والمحاضرات فبالنسبالي دِ مش وظيفة على قد ما بشوفها شيء مُفضل لقلبي وبعمله، حد عنده سؤال تاني قبل ما نبدأ؟

" سكت الجميع ليستمعوا للمحاضرة التي ستقدمها تلك الفتاة الطموحة"

_ هو موضوع المحاضرة انهاردة عن الثقة بالنفس وتطوير الذات، يمكن العنوان طويل شوية بس لازم نتكلم عنه، مبدئيًا كُلنا عندنا أحلام وميول بيبقى نفسنا نطورها لحد ما نوصلها، بمعنى لو مثلًا شخص بيحب الكورة لكن لسه مش بيعرف يلعب كويس فبيبدأ إنه يتدرب أكثر ويطور من نفسه والأهم يكون عنده ثقة بنفسه مهما حصل وإيمان بإنه هيوصل في النهاية، كذلك احنا دايمًا بيكون عندنا طموحات وأحلام أحيانًا مبتتحققش في الواقع ولكن دَ مِش معناه نهاية الحياة وعلشان يبقى في مثال حي فعندكم أنا، 

"صمتت بُرهة ثم بدأت بالتحرك على النسرح وتمشي هنا وهناك وهي تسرد ما حدث"

_ أنا كنت في 3ث عندي حلم أعتقد كلكم عارفينه لأن بنسبة 90% من الطلبة بيتمنوا يدخلوا طب ويكونوا دكاترة، ودَ كان حلمي، كنت بذاكر وبجتهد وحرفيًا كنت بذاكر طول الوقت من غير راحة، جيت في آخر 3شهور تعبت تعب جامد وفقدت طاقتي بالإضافة للمؤثرات الخارجية من كلام سلبي وإحباط، ولأني معنديش ثقة بنفسي زيادة فاستسلمت، رغم إنّ كان ممكن أتجاوز كلامهم ولكن اتأثرت أوي عشان كدَ لما دخلت الامتحانات محلتش كويس ونسيت حلمي، وكانت النهاية إنّ حلمي دَ خلاص مات واتدفن ودخلت كلية آداب شعبة علم نفس، في البداية كنت كارهه المكان دَ، وكنت شايفة ان صعب احقق فيه أي شيء، لكن قررت وقتها إني مش هخلي دِ تكون النهاية واني هعمل حلم جديد، كان نفسي أكون دكتورة ومش شرط أكون دكتورة بالمعنى الحرفي بإني أعالج المرضى وأكون متخرجة من طب بل دكتورة بأي شكل تاني، ولا زلت بسعى لأني احقق دَ، فبدأت اطور من نفسي ورميت كل الكلام السلبي ورايا رغم انه كان من أقرب الناس ليا، جبت امتياز السنين اللِ فاتت وكنت الأولى على الدفعة، بالعزيمة والإرادة بالإضافة لثقتي وإيماني بنفسي، مش مهم الناس شايفينك ازاي ومش مهم كلامهم بإنك فاشل، مفيش إنسان فاشل كُلنا قادرين ننجح ونخلي الأحلام واقع، وإنّ ضاع حلمنا فدِ مِش مشكلة دَ بداية لحلم جديد ربنا اختاره لينا، وخليكم حاطين في بالكم دايمًا إنّ الثقة بالنفس مرتبطة بتطوير الذات مينفعش يكون ركن مفقود منهم، اقدر اسمع اسألتكم دلوقتي!

" بدأ الحاضرون بالتعجب من قوة تلك الفتاة التي تبدو صغيرة وحماسها الزائد وهي تسمع لهم وتحثهم على التقدم، تسمع لأسألتهم بشغف وتجاوب لتطمأنهم بأن النهاية تستحق، حتى انتهت وذهبت لبيتها، كانت وحدها تمامًا توفىٰ والديها منذ عامان لم يسأل أحد عنها أو يعرف كيف حالها وهي وحيدة هكذا، ظلت هكذا لشهر تذهب هنا وهناك لتنصح البشر بتجاوز العقبات وهي عالقة في الماضي من الأساس، حتى ظهرت النتائج، ذهبت تُهرول نحو الجامعة، واضعة يدها على قلبها حتى تمت الفرحة، قد جبر اللّٰه بخاطرها، تحققت دعوتها وأُجيبت، بكت من فرط الفرحة، كادت أنّ تطير ويصل صوت فرحتها لِعنان السماء، رسميًا ستصبح مُعيدة وهذه هي الخطوة الأولىٰ للوصول لحلمها لتكون " دكتورة" كما تمنت، مُثبتة أشياء عدَّة لِنفسها وللمجتمع، ستلقي الآن بثقة في محاضراتها أنَّ حلمها تحقق وأنَّ القوة تكمن في الإرادة ليس إلا، ذهبت لِشراء بعض الفساتين، ثمّـ عادت للمنزل وقلبها مُحمل بالبهجة، وبعد عدَّة أشهر عُينت رسميًا بالجامعة كمعيدة"

_ داليدا!

_ دكتور زين أخبارك ايه؟

_ فرحت انك اتعينتِ هنا.

_ الفضل يرجعلك، معرفش ازاي بعد كُل دَ جبت امتياز في مادة حضرتك!

ابتسم_ أنا آه كنت بستفزك دايمًا بس دَ مش معناه إني مدكيش حقك انتِ تستاهلي أكتر من دَ.

_ شكرًا لحضرتك.

_ كنت عاوز اطلب منك طلب.

ابتسمت بإستفهام_ طلب ايه؟

_ كنت حابب احضر كورس الاضطرابات النفسية اللِ انتِ عملاه.

_ بس كدَ، طبعًا دَ شيء يشرفني، عامًة هو المحاضرة الجايه هتكون بكرا الساعة4، هخلص محاضرتي في الكلية وهروح هناك، طبعًا حضرتك عارف المكان هنتظرك.

ابتسم_ واثق انه هيبقى من أجمل الكورسات اللِ هحضرها.

_ أتمنى أكون عند حسن ظنَّك.

" ذهبت لقاعة التدريب التي أصبحت خاصة بها ولم تعد مُجرد مدربة بل باتت هي صاحبة " الكورس" واعتلت المسرح بثقة وحماس"

بإبتسامة_ أهلًا بيكم أنرتم وفرحت انكوا التزمتوا بمعادكم المرة دِ، انهاردة بما إنه آخر يوم في الكورس فسيبت الموضوع مفتوح انهاردة انتوا اللِ هتسألوا وأنا هجاوب أو هتقترحوا المواضيع اللِ ممكن نتكلم فيها، يلا أنا سمعاكم.

" قام أحد من الجالسين وقال بصوتِ عالٍ حتى تسمعه:

_ طيب يا دُكتورة بما إنّ حضرتك دايمًا بتتكلمي عن الأحلام فعندي فضول أعرف بما انك حققتِ حلمك بكونك مُعيدة هل كدَ أحلامك انتهت بتحقيق الحلم دَ، أو عامًة هل الإنسان بمجرد ما يوصل للحلم اللِ كان بيسعى علشان يحققه سنين بكدَ خلاص هو ارتاح؟

بإبتسامة_ هو سؤال حلو رغم إنه فضولي شوية، لكن هقولك حاجة الإنسان بطبعه طماع مش شرط طماع بالمعنى الحرفي أو المُتعارف عليه، لكن بالفعل الإنسان مش بيهدى أبدًا دايمًا بيحلم و دايمًا بيسعى لحلم جديد، بالنسبالي كان عندي حلم والحمدلله إني وصلت ليه لكن دَ بالنسبالي مِش النهاية أبدًا، بمعنى اني بعد ما وصلت للحلم دَ حطيت لنفسي حلم تاني أكبر بل ورسمت خطة لباقي الأحلام الثانية اللِ لسه محققتهاش، أنا دايمًا بحلم وخيالي واسع يمكن أحلم بأشياء بعيدة أوي بل ومستحيل تتحقق لكن مين عارف مش يمكن بالعزم اخلي الخيال واقغ، فمفيش إنسان بمجرد ما يحقق حلم معين تبقى دِ نهايته بالعكس هتلاقي عنده حلم تاني بيجري وراه عشان يحققه هو كمان.

" قامت فتاة تسأل سؤال بصوت رقيق:

_ طب وحضرتك مين كان هو مُلهمك دايمًا كنت بتتكلمي عن الشيء دَ، مين كان بيساندك ويدعمك؟

_ الحقيقة إنّ مكنش في حد بيدعمني أبدًا والشيء اللِ متعرفهوش عندي إن والدي ووالدتي متوفيين من سنين وأنا لوحدي تمامًا من بعدها، يمكن بعد موتهم كنت ببص لصورتهم وافكر ازاي اخليهم فخورين بيا لو كانوا عايشين، التفكير دَ لوحده كان كفيل يديني طاقة اني اقوم واذاكر واجتهد اكتر، لكن كَشخص بيلهمني ويدعمني في الواقع ومعايا مفيش أنا الدعم الوحيد لنفسي من بعد ربنا طبعًا.

" جلست وقام الدكتور زين من مكانه ليسأل هو الأخر:

_ بس يعني حضرتك أكيد قابلتي شخصيات رِخمة وصعبة ومش لطيفة ابدًا ازاي قدرتِ تتغلبي علىٰ دَ؟

ضحكت_ والله هو شيء فعلًا مكنش لذيذ، بس اللِ عاوز يوصل هيوصل مش هيشوف شيء تاني غير دَ مهما قابل صعوبات وناس مش لطيفة تحطمه، أكيد وقعت كتير وزعلت كتير جدًا لحد العياط المُستمر بسبب أشخاص زي دِ، لكن كان عندي إيمان بربنا إنه مش هيردني بعد الدعاء أبدًا مهزومة، وأنا عارفة إني بعمل اللِ عليا فخلاص هفكر ليه فشيء زي دَ يحبطني، الأشخاص دِ ممكن نحول كلامهم وأفعالهم لشيء إيجابي يقوينَّا مِش يكسرنا أبدًا.

" استمرت المحاضرة الحافلة بالأسئلة، حتى انتهت، غادر الجميع إلا هو كان جالسًا شارد بتلك الفتاة الغريبة المليئة باللُطفِ والطاقة، كيف تفعل ذلك رغم كل شيء حولها؟، كان هذا السؤال يتردد برأسه وأفاق على صوتها الرقيق:

_ دُكتور زين أتمنى تكون استمتعت انهاردة!

_ آه جدًا بجد انتِ ممتازة أنا كنت متوقع شيء كويس بس انتِ تخطيتِ مراحل توقعي بكتير.

بإبتسامة_ دَ شيء يسعدني الحقيقة، عامًة هستأذن حضرتك دلوقتي أشوفك بكرا في الكلية.

بشرود_ آه تمام اتفضلي.

" غادرت وتركتهُ ورائها، يبدوا أن قلب هذا الرجل قد دَّق وتنازل عن كبريائه هذا، كان مُعجب بها عندما قابلها لأول مرة منذ البداية لكن هي الأخرى كانت عنيدة، لا تُحب الكلام مع أحد، مُختلفة عن الجميع، كان يحاول مُضايقتها ليس لعداء بل لكي يسمح لأي حوار أنّ يدور بينهما من خلال مواجهتها له بأنَّه يتعمد أن يستفزها من بين الكُل، وها هو الآن قد رفع قلبه راية الحب واستسلم بعد كُل تلك السنوات، خرج وهو يفكر بها، لَم تُغادره ابتسامتها وتِلك الغمازة التي تُزين وجهها كُلما ابتسمت أو ضحكت، لقد وقع أسيرًا لها ولعينيها الزيتونية التي سحرته منذ الوهلة الأولى، ظلَّ هكذا يسير حيث تأخذه قدماه لا يدري إلىٰ أين هو ذاهب، هو فقط يفكر بها لا يهم أي شيء آخر حتى أوقفه صوت صديقه المُقرب"

_ زين، استنى اقف بقى مش معقول هفضل اجري وراك.

_ ها، أحمد انتَ جيت امتى؟

بضحك_ دَ انتَ مِش في الدنيا خالص، جيت فين انا بجري وراك من بدري وبنادي وانتَ ولا هنا.

_ معلش مخدتش بالي، انتَ اخبارك ايه وفينك كدَ مش باين الأيام دِ؟

_ انا بردو اللِ مش باين، عامًة بخلص كدَ شوية ورق علشان مسافر زي ما قولتلك.

_ آه ربنا معاك.

_ داليدا اخبارها ايه؟

"نظر له بصدمة وسأله:

_ بتسأل عنها ليه؟

بضحك_ يا عم متتخضش كدَ انتَ كنت حكيتلي عنها.

_ آه افتكرت، بفكر اقولها والله.

_ يبقى توكل على الله متأجلش دَ.

_ بإذن الله قريب جدًا.

" ترك صديقه وعاد لمنزله، مرَّت الشهور عليهما وتوالت، حتى رأىٰ أنَّ هذا هو الوقت المناسب لِيفصح عن مكنون قلبه"

_ داليدا فاضية شوية بعد السكشن دَ!

_ آه بإذن الله.

 _ تمام هستناكِ.

بخوف_ في حاجة يا دُكتور ولا ايه؟

_ لا متقلقيش، خلصي بس وتعالي.

" أنهت بسرعة عملها واتجهت نحو مكتبه"

_ ها يا دُكتور زين في ايه ؟

ابتسم_ تيجي نشرب اي حاجة في الكافيه اللِ قريب من الكلية؟

_ نعم، مينفعش طبعًا أعتقد لو في شيء تِقدر تقوله ليا هنا.

_تماام متقلقيش طيب.

_ اتفضل انا سمعاك.

" أخذ نفس عميق وتلاشى النظر لعينيها ليتحدث، وسرعان ما استعاد رباطة جأشه وتكلم"

_ بُصي يا داليدا منةغير كلام كتير فأنا عاوز اتقدملك، ولأني عارف ان والدك ووالدتك متوفيين فمعرفتش اتكلم مع مين غيرك، حاولت اوصل لحد من قرايبك بس معرفتش، أنا مش عاوز رأيك دلوقتي، فكري وهستنى ردك في أي وقت، واعرفي اني مش هأذيكِ أنا في شيء جوا قلبي كبير جدًا ليكِ.

" نظرت إليه بعدم تصديق، وكيف تُصدقه وهو من كان يتعمد مُضايقتها دومًا؟، ولكن يبدو بعينيه الصدق لا تدري ماذا تفعل أتمنحهُ فرصة أمّ تتركه وتمضي في طريقها، تنفست بعمق واردفت قائلة:

_ عن إذن حضرتك.

_ هتفكري؟

"نهضت من مكانها وصمتت بُرهة ثم قالت:

_ إن شاء الله.

" غادرت المكان بسرعة شديدة وعادت لمنزلها، ارتدت ثوبها المُفضل واتجهت نحو شرفة غرفتها الصغيرة، سحبت كُرسيها المفضل ومشروبها الدافيء بيدها وجلست برفقة النجوم تفكر، أتمنحه فرصة وهل هو بالفعل يحبها كما فهمت من كلامه، أم أنه يُدبر لشيءٍ ما؟، قاطع شرودها وتفكيرها صوت هاتفها مُعلنًا وصول رسالة جديدة، فهمَّت بفتحه لتجدهُ هو المرسل ولا تحوي الرسالة سوىٰ كلمة واحدة"فكرتِ"، أسرعت بكتابة كل ما يدور برأسها إليه:

_غريب جدًا إنّ الشخص اللِ كان بيعاديني ويضايقني يبقى فجأة عاوز يقرب مني، دَ شيء كبير جدًا على عقلي انه يستوعبه.

"رد عليها :

_ شيء غريب لكنه وارد، مش يمكن استاهل فرصة تثبتلك اني مكنتش بعاديكِ!

" أخذت تفكر بكلامه حتى قررت فردت عليه:

_ هصلي استخارة وارد عليك.

" تركت هاتفها وذهبت لتتوضأ وتصلي، أنهت صلاتها وذهبت للنوم وهي تفكر بذاك الأمر بعد أنّ استخارت اللّٰه، حتى أفاقت اليوم التالي شعرت براحة غريبة كانت تتوقع أنها ستنزعج وتشعر بشعور عكسي لما تشعر به الآن، ارتسمت الإبتسامة علىٰ وجهها، وذهبت لترتدي ملابسها لتذهب لعملها، وصلت للجامعة وقابلها في مكتبها:

_ها فكرتِ، وصليتِ؟

_ايوه.

_طب وقررتِ ايه؟

_ قررت اديك فرصة، عن اذنك.

"تركته ورحلت بعد أنّ اصتبغت وجنتيها باللون الوردي، وهو غارقًا في نوبة من الفرح بأنها قد وافقت، مرَّت بضعة أيام وذهب لِجدتها لِيتقدم لخطبتها، وها قد تمت، كانا يواجهان كل شيء سويًا، علمت انها قد أحسنت الإختيار إلى أنّ جاء ما لا يأتي على حسبان"

_ داليدا كنت عاوز اتكلم معاكِ في موضوع كدَ.

_طبعًا اتفضل.

_ كنت بقترح انك تسيبي الشغل انتِ مِش محتجاه في شيء بعد كدَ كلها كام شهر ونتجوز وكفاية الكورسات عليكِ.

بصدمة_ انا بحب شغلي يا زين، وانتَ أكتر شخص عارف قد ايه عانيت علشان احقق اللِ حققته، تقوم ببساطة تقولي ايه رأيك تسيبي الشغل؟

أنا مش بحبه علشان هو مصدر دخل ليا لكن بحبه علشان هو شيء بحبه وشيء فضلت أعافر علشان اوصله ازاي بسهولة كدَ اسيبه؟

_ أنا مقصدش دَ، بس علشان دَ هياخد من وقتك كتير والوضع هيختلف انتِ مش هتبقي عايشة لوحدك.

_ اقدر انظم وقتي بين كل شيء بحبه لكن مخسرش شيء على حساب شيء تاني!

بتجهم_ بُصي أنا مش هجبرك على شيء أنا بس كنت بقترح، وانتِ رفضتِ الإقتراح فخلاص.

_ بس مقتنعتش بوجهة نظري انتَ شايف انك صح!

_ ايوه صح علشان عاوز أوفرلك الراحة مِش أكتر.

_ يبقى نرجع أغراب مِن تاني.

" وقف بصدمة ونظر إليها، كيف استطاعت قول تلك الجملة الصعبة دونَّ تفكير؟، قطب حاجبيه ودَّمعت عيناه ثمَّ قال:

_ دَ كان مجرد نقاش، تبقىٰ دِ نهايته!

بدموع_ لا دَ اقتراح بردو ردًا على اقتراحك فإيه رأيك؟

_ دول حاجتين غير بعض تمامًا!

_ بس أنا عاوزة اجابة ورَّد على اقتراحي دَ.

بوهن_ أنا هبقى شخص تايه من غيرك. 

_ أرض الله واسعة، اسأل أي حد وهيدلك على الطريق.

_ بس انتِ الطريق!

_ وانتَ العقبة اللِ هتمنعني أكمل طريقي.

_ مُستحيل تبقى دِ النهاية!

_ هي فعلًا مِش النهاية دِ لسه البداية.

_ داليدا أرجوكِ متنهيش الموضوع كدَ أنا آسف.

_ انتَ مقتنع انك صح ودَ شيء مش هقدر اغيره، ومش بهددك بالبُعد قصاد موافقتك علىٰ شغلي وإني أكمل حلمي، أنا بس كنت بقترح عليك شيء قريب من اقتراحك، انتَ عاوزني اسيب حاجة بحبها، في مقابل انك مش عاوز تسيب حاجة بتحبها الاثنين نفس الشيء.

_ متزعليش أنا هفضل معاكِ وهكون انا مصدر دعم ليكِ علشان تكملي أنا آسف بس كنت بفكر ان دَ ممكن يخليكِ مرتاحة ومش مجهدة.

_ ايه دَ اقتنعت!

ابتسم_ ايوه اقتنعت انتِ صح مينفعش ابعدك عن شيء بتحبيه.

" نظرت له وابتسمت، لم تصدق انه اقتنع بتلك السهولة، كانت تظن أنه سيتملكه الكبرياء ويصمم على رأيه واعتقاده، لكن يبدو أنه يحبها بالفعل إنه لا يقوىٰ على أنّ يرى دموعها أبدًا، جاء اليوم المُنتظر، طلت بفستان أبيض وأطَّل هو بحلته البيضاء هو الآخر، لم يكن لها أحد كان هو كل البشر في عينيها، فقدت والديها وعائلتها بالكامل؛ فجاء هو كعوض عن ذاك الفقدان المرير ليصبح هو الموطن الذي تلجأ إليه دومًا، كُتب الكتاب، مَن كان يتخيل أنّ بعد ذاك الكُره والعداء يجمع بينهما القدر هكذا، كانت عينيه تبوح بالكثير الذي يُخبئه بقلبه"

بإبتسامة_ أعتقد كدَ القصة كملت ودِ بقت أشبه بنهايات الروايات مِش كدَ!

_هو يمكن شيء غريب انه حصل بس عارف ايه ألطف حاجة إن دَ اتنقل للواقع وانك هنا دلوقتي، ومش دِ النهاية ابدًا، أو يمكن تكون نهاية قصة وبداية قصة جديدة أبطالها أنا وانتَ وبس.

ابتسم_ دايمًا بقف قصادك مش لاقي كلام يتقال بس أنا بحبك جدًا.

ابتسمت_ عارفة بس أنا اكتر.

_ محصلش انا اكتر طبعًا مين اللِ حب التاني الأول؟

_ انتَ.

_ يبقى مين بيحب التاني أكتر؟

_ أنا بحبك أكتر.

_ مش مهم، المهم انك هِنا.

_ هفضل دومًا هنا على قلبك حتى تحترق النجوم.

" فقدت أشياء كثيرة قبل أنّ ألقاك، وافتقرت حياتي للإبتسامة؛ فجئت أنت، لم يخطر ببالي يومًا أنّ تكون انتَ ولكن إرادة القدر دومًا تأتي مخالفة لتواقعتنا، وكل هذا لا يُهم، الأهم أنك أصبحت الوطن الذي لم أقطنه منذ فترة؛ لأطمئن"


سلمى هاني|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع