مقال "ما بين الفكرة والثيمة والموضوع"
سلسلة شيفرة الرواية
أعده: محمود محمد
كل عمل أدبي يكون له عدة مداخل، وكذلك الرواية، فليست هناك رواية دون فكرة، والفكرة هي العماد الأساسي للرواية، تأتي منها الثيمة، ويظهرون من المواضيع المطروحه باسقاطات معينه، أو بمواضيع مباشرة.
•الفكرة:
كل حدث عظيم، وكل أنشودة، وكل خروج مهيب نتج من فكرة، مستوحاة من كلمة، أو عبرة، موقف عابر، أو ذكرى، كلها أفكار، كلها ذات دلالات ومعاني، لكن أيها يستحق الكتابة، وكيف سأفلح في صياغته.
ما بين الفكرة والرواية شوط كبير يلزمه صبر غفير، لذلك لنترك كل التشتت ونصغي قليلًا.. حسنًا هيا لنبدأ.
من أين تأتي الأفكار: من الكتابة! أم من الحياة، أم من كلاهما.
في الحقيقية تأتي في كل وقت وحين، قد تسقط عليك وأنت تحلم، لكنها ستوافيك في أغرب الأحيان، وما لك حينها إلا الاستغلال الأمثل، ليس بالبدء بكتابة الرواية، بل بمجرد تدوينها كخطوط عريضة تلهمك شكلها وتنميها، كأنها فيلم يتمثل أمامك، حتى تصبح رؤية ومتى تكتمل الرؤية، أهجرها.
أعلم أن الكلمة وقعت على مسامعك كالصاعقة بعض الشيء، لكن كما في كل العلاقات الأفكار تشبههم، فبعد فترة تذبل وتفقد بريقها، وقتها فقط تستطيع أن ترى الفكرة تتجلى أمام عينيك ومسامعك دون أي تجمل بها ما نقص وبها ما زاد.
أين الطريق:
حين اتمامك للسابق من هجر وعودة وثبات على أن الفكرة المنظور بها هي الأساسية يجلب الكاتب ما يعنه على إكمالها كي لا يشوبها أي ثغرات، فيبدأ بالبحث وطرح التساؤلات.
قاعدة لو:
لو افترضنا أن الكاتب هو واهب لحياة على الورق خاصته، فذلك ليس بمجرد فرضية، بل هي تمت على تلك الورقات، وكذلك عليك بأخذ الفرضيات وطرح كل الإحتمالات حتى تصل إلى الفرضيات الخاصة بك التي تؤدي الدور المنوط به حسب إتمام الرؤية ووصول المغزى حسب حاجتك.
التقصي والبحث:
لا يولد الكاتب عالم أو يرث العلم مجفف، بل يكد حتى يصل لمراده أيًا ما كان وكيفما وجده، فليست الكتابة بأن تمسك قلمًا وتخط بضع خطوط على الورق، ومن ثم تأتي بقول تمت بحمد الله، بل يلزم في مرحلتنا الأولى أن تتقصى عن الفكرة، وترى كل شيء عنها، كي تكون ملم بأبعادها، وكذلك من الأعمال السابقة عنها، وكل ذلك فما بين المصداقية والادعاء شتان، وما يزيدك في هذه المرحلة هو أفق جديد يتسع ويمد الفكرة بأثر ملحوظ.
تدوين الكلمات:
قد يرد إلى مسامعك كلمه تطرح لك فكرة تكن لك عملًا فيما بعد، لكن من أين أتي بهم! وهل يوجد منفذ دائم لهم؟
بالفعل، فكل ما حولك هو منبع للأفكار، بعضها الجاهز، والبعض الآخر منها يلزمه بضع تعديلات، ومنهم من يرفعك عنان السماء، ومنها من ينزلك أسفل سافلين، لا يعتمد على الفكرة، بل أيضًا صياغتك لها، وحسن توظيفها في موضوع، وقد تكون منبع أفكارك من القراءة الكثيرة، أو قراءة الصحف، أو حتى في محطة القطار، كل ذلك ما هي إلا أفكار جاهزه، فقط تحتاج إلى فترة نمو وإتمام.
مهارات يجب امتلاكها:
_تحديد الفكرة بدقة، لا بصورة تقريرية ولكن لا ولكن بصورة فنية.
_جدو الأفكار واصالتها.
_الطلاقة الفكرية للرواية.
_ثراء الرواية بالتفاصيل التي تجلي الفكرة العامة للقصة.
_ترابط الأفكار.
_تسلسل الأفكار بالطريقة التي تحقق المغزى أو الهدف من الرواية.
وتباينت أقسام الفكرة لسبع أقسام:
_شيء لم يُسبق له فيخترعه ويطوره، ويكون وهنا يكون التجدد والفكر المبتكر.
_شيء ناقص يتممه، كما فكرة لم تكتمل من ناحية معينه، أو عمل منقوص.
_شيء مغلق يشرحه، من عبارات مبهبه أو نظريات وغيرها.
_شيء طويل يختصره دون أن يخل بمعانيه، كأختصار المراجع العلمية الكبيرة لكتب أقل في الحجم وذات نفس النفع.
_شيء مختلط برتبة، وهنا يكون دور المؤلف في ترتيب مادة علمية موجودة في كتاب على صفة جديدة.
_شيء أخطأ فيه مصنفه فيصلحه، ومنها كتب الردود، أو التعقبات.
وما لم يكن للكتاب فكرة يبدأ منها فلا يمكن أن يكون هنالك كتاب، فالفكرة هي روح العمل.
مخزن الأفكار:
تكمن الأفكار المستجدة في أماكن عدة، وكلما كانت الفكرة غير شائعه وجديدة زادت قيمة، وتأتي الأفكار عن طريق البحث أو الإلهام كما ذكرت سابقًا عن ذلك، ولكن الكثير من الأفكار الجيدة تكون نتيجة بحث تعمل وتأمل وتفكير متعمق، وهناك بعض الطرق التي تأتي بثمارها منها:
_مراقبة الناس والظواهر.
_القراءة.
_طرح الأسئله.
_تأمل المشكلات والأمور المخالفة للنسق.. والأمور التي تسير على نسق.
_تتبع حاجة علمية للناس ومحاولة الإتيان بفكرة تلبيها.
_النظر في المسكوت عنه.
_النظر بشكل مختلف.
لن تولد الفكرة مكتملة، فيلزم إتمامها بالبحث والتمحيص، لكن قبل ذلك كيف تعلم أنها تصلح وهي المرجوه؟
طرق اختبار الفكرة:
_اكتب فيها مقالًا: تحسس جنبات الفكرة من شخصيات وأحداث محورية متلامسه وعبر وكل ذلك بمقال، فكثير من الأحيان تكون الفكرة غير كافية لاتمام كتاب أو رواية، ويكفي بذكرها مقال أو قصة.
_ناقشها مع من يهتم برأيك.
_تجاهلها وانظر هل تستمر معك.
_الق محاضرة في موضوع الفكرة.
للفكرة دور أصيل يتم من خلالها بناء ثيمة، أو قد تأتي الثيمة في البداية من ثم تخرج منها الفكرة، ويتلاقيان في انتقاء الموضوعات التي تصلح لخدمه الفكرة وإيضاح معالمها كافة، دون أي شوائب.
وكذلك الثيمة لها دور أساسي فعال تطرح بها الفكرة وتجلب بها كل العناصر الأخرى، فالثيمة هي محركه الحدث الأدبي، هي من تمنح المرور للشخصيات، والأحداث والاحتدام الدرامي.
والثيمة لم تكن الموضوع أو مقاربة له، أو حتى فكرة النص، فالفكرة هي مساحتك المحدودة من الفكرة، والموضوع هو الحياة وما بها من أحداث وكل ذلك، وأما الثيمه فما بينهم، من يأتي بالحسنى بين كل بار ومجحد، فلم تكن هي رسالة النص، وما اختصرت بذلك، أو تكون ترابط الأفكار، فهي من يضع الحدود، ويخط كل المسافات بينها، وهي من تسمح وتمنع.
ولو جاز تعريفها لكان الأقرب كما أتى أتى على لسان رولاند ب. توباياس.
•الثيمة:
إن القيمة هي نظام توجيه يعمل بالقصور الذاتي لخدمتك، إنها توجه قراراتك حول اي طريقٍ تتخذه، أي الاختيارات ملائمة لقصتك وأيها ليس كذلك.
لذلك لنتفق أن الثيمة هي المايسترو، يمسك بعصاه ذات اليمين فيرتفع الإيقاع، وها هنا يخفض من العصا فتدخل نغمه جديدة وهكذا إلى أن ننتهي الرواية.
والثيمة كما الفكرة، تجدها أو تجدك، لكن مهما كان، فحاذر أن تكون منساق وراء ثيمة، تضيع منك عناء دهر أو أكثر هباء، فعند اختيارك تمهل، وحين ثبوتك باشر بذلك.
تتحرك بين الحين والآخر وتحيد عن المنظور الذي توافيه وتسهب في هيكلته، فما ذلك من الصواب في شيء، إن هذا إلا محض سهو يلزمه أن تلملم شتات نفسك وتراجع وترجع ما كنت عليه.
وخلاصة القول فيها أنها علبة مطمسة غير موجودة، وغير مرئية، بمعايير يعلمها الكاتب، يلامسها القراء، لا يحيد عنها الكاتب، وتميز الرواية.
•الموضوع:
حين تود إضافة موضوع ما إلى روايتك فحينها عليك أن تطرح بعض الأسأله، منها لمن تكتب، وعليه يتم طرح الموضوع وتحديده، فعند تحديدك للموضوع، يتم تحديد الفئه المستهدفه من القراء، باختلاف حجمها، وهيئتها، غنية كانت أو فقيرة، مثقفة أو كادحه، كل فئه تتحدد معها أولويات، ومواضيع تتلقاها، وطرق طرح لها.
والموضوع باختلاف الفئه المستهدفة هو الذي يطرح الفكرة والثيمة والرؤية التي يريد الكاتب إيصالها، سواء كان بالمعنى المباشر أم بالالتفاف والإسقاطات من حين لآخر، وتمتاز كل فئه باحتياجات من الفكر، والفلسفة ولغة الجسد، واللغة الثقيلة الأدبية، أو السهله العلمية، فقط ضع نصب عينك على ما تريده، وثق بخطاك، ولا تقل إن الوقوف أيسر من بلوغ المراد.
وهناك عدة أساليب تستخدم حين طرح موضوع نسأل بها ونعرف لأي مدى نصل بالموضوع وتكون هذة الأساليب أسأله عن طريق بلماذا ولماذا لو وكيف.
كلها طرق تنشأ الموضوع وتهم بتثبيته، وما إن أتممت الموضوع، يصحبه الثيمة، ترافقهم الفكرة، من هنا يبدأ صلب العمل الروائي، لكن تبدأ وأنت قد أنجزت الخط الرئيسي للعمل، ولا يلزمك إلا وضع عدد من الأشخاص والبيوت في المدينه التي أنشأتها.
المصادر:
_الحكاية وما فيها.
_الكتابة الوظيفية والإبداعية.
_أصول التأليف والابداع.
_كيف تؤلف كتابا
تعليقات
إرسال تعليق