القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة "لعبة القدر" 

سلمى هاني

 نَّظل نركض نحو أمانينا وأحلامُنا، علىٰ أمل الوصول في نهاية المطاف لما نريد، وبين حلم وقدر تكمن المسألة؛ فتتغير الأوضاع وتنقلب رأسًا على عقب
_ هو ايه حصل يا ماما؟
"بعينان دامعتان ونبرة مليئة بالحِنو والحزن"
_ مفيش يا داليدا انتِ بخير دِ حادثة بسيطة متتحركيش بس خليكِ مرتاحة.
بألم_ اااه يا ماما أنا حاسه ان جسمي متكسر طيب انتِ بتعيطي ليه!
_ يا بنتي مفيش أنا كنت خايفة عليكِ و..
" قاطع كلامها الطبيب بدخوله الغرفة وابتسم قائلًا:
_ لااا دَ كده عال أوي وانك فوقتي، ها قوليلي حاسه بإيه دلوقتي
_ حاسه بوجع شديد في راسي ورجلي مش حاسه بيها اصلًا
_ طبيعي دَ علشان نزفتي كتير وكان في جرح في راسك الحمد لله انها جات على أد الجرح دَ ومحصلش نزيف داخلي، بالنسبة لرجلك فيبقى ماما مقالتش ليكِ، بصي يا داليدا انتِ مؤمنة بالله وبالقدر، وقدرك ان الحادثة دِ تأثر على رجلك وتعمل مشكلة فيها فبالتالي متقدريش تمشي، بس في حلول لدَ..
 بعصبية_ ايه مش هقدر امشي!
_ اهدي بس واسمعي للأخر، في حلول ودَ هيكون بإذن الله وضع مؤقت سيبيها على الله هو القادر على كل شيء.
" ابتسم الطبيب وخرج من الغرفة وتركني في دوامة أفكاري، لن أقدر على الوقوف مرة أخرى، أتلك نهاية محاربتي للعالم لوصولي لحلمي؟
أتلك نهاية صبري لسنون؟!
، قطع تلك الدوامة دخول ظابط شرطة غرفتي وطلب من أمي الخروج، وجلس على كرسي مقابل لي"
_ أنا مقدر حالتك دلوقتي بس أنا جاي علشان اساعدك تجيبي حقك
بدموع_ حقي!!
_ ايوه ممكن تقوليلي ايه حصل يوم الحادثة والدتك عملت محضر.
_ أنا..أنا مش قادرة اتكلم دلوقتي من فضلك متضغطش عليا..
تسارعت دقات قلبي بألم وسارعت في البكاء وزاد توتري وبصوتٍ عالٍ وعصبية مفرطة
_ اطلع براا، أنا مش عاوزة اتكلم مع حد مش عاوزة حد يشفق علييا، ولا عاوزة حقي هيأذوني تااني سيبني بعد اذنك واطلع برااا.
" دخل الطبيب بسرعة وأمر الظابط بالخروج وأعطاني ابرة مهدئة لم اشعر بشيء سوا أن النوم قد وجد طريقه للتسلل لعيناي، وذهبت لعالم اخر"
**********
_ يا طنط اهدي علشان خاطري، هيَ هتبقى بخير
_ يا زين الدكتور قالي صعب تمشي تاني، داليدا متدمرة دِ لسه مشفاتش وشها والندوب اللي فيه، داليدا ضعيفة يا زين انتَ عارف دَ، وانا مش عارفة ايه حصل ولا مين أذاها كدَ..
اردفت بدموع وحزن:
_ داليدا بتتدمر يا زين ومش هتقدر تقوم من اللي هيَ فيه دَ، مش عارفة اعمل ايه ليها او ازاي ابصلها من غير دموع.
_ أنا هنا يا طنط متقلقيش انا هفضل معاها، احنا صحاب من زمان ومش ممكن اسيبها في الحالة دِ، داليدا قوية من جوا وهتتغلب على كل دَ وهترجع تمشي تاني.
_ أنا هدخلها دلوقتي اشوفها
_ طيب وانا هاجي معاكِ يلا
" في دوامة أفكار لا تنقطع، حزن مسيطر على الأجواء، قلبي الحزين، عقلي المرهق من التفكير، عيناي الذابلتان من البكاء، قطع كل هذا فتح الباب ودخول أحد ما، لم أهتم حتى بمعرفة من حتى قام صوته من انتشالي من حالة البرود هذه"
_ القمر شاغل باله بإيه
_ ايه جابك هنا
_ بدل ما تقولي كتر خيرك يا واد يا زين جيتلي وانا تعبانة
_ انا مش تعبانة
_ اومال انتِ ايه، أنا هنا علشان مسبكيش لوحدك.
_ شكرًا مش محتاجة شفقة من حد على حالي
_ شوف الهبل بقى، معلش يا طنط سيبينا شوية هتكلم معاها في موضوع.
" غَّمز لها بطرف عينيه فأومأت برأسها وخرجت"
_ داليدا انتِ أقوىٰ منهم، مش وقعة زي دِ هي اللي تكسرك أبدًا.
_ عُمرك ما هتفهمني يا زين...
"أخذ نفسًا عميقًا ليُهدأ من نفسه ثم نظر لي بابتسامة هادئة"
_ أنا فاهمك عارف حاسه بإيه دلوقتي بس دَ مش معاد مُناسب للإحباط، داليدا اللي اعرفها قوية بتمسك في كلمة أمل وتعمل منها حقيقة لحد ما توصل للي بتتمناه..
"اغرورقت عيناي بالدموع واردفت بنبرة مُنكسرة:
_ أنا مش همشي تاني على رجلي يا زين انتَ فاهم دَ، فاهم اني هبقىٰ واحدة مُعاقة هتلاقي كلام سلبي وبس من المجتمع، شايف الندبات اللي على وشي ومش هتروح؛ مبقتش حلوة مش عاوزة شفقة من حد عليا.
_ شفقة مني أنا، أنا عمري ما هشوفك كدَ، انتِ عارفة انتِ بالنسبالي ايه احنا اصحاب مش واحد جاي من الشارع علشان يشفق عليكِ أبدًا، قوليلي ايه حصل
_ مش عاوزة افتكر
_ بصي يا داليدا أنا هتصل بالظابط واجيبه دلوقتي وهتحكِ ايه حصل، لو هتسكتِ وتسيبي حقك فأنا مش هسيبه أبدًا.
" لم ينتظر جوابي على كلامه واخرج هاتفه واستدعى الظابط، لاكمال التحقيق"
_ عن اذن حضرتك انا هفضل مع داليدا هنا علشان تقدر تحكِ
_ هو مينفعش بس تمام اتفضل.
" وجه زين كلامه لي بتحذير وقال:
_ اتفضلي احكِ ايه حصل متخافيش.
_ حاضر.
" جلس الظابط واردف قائلًا:
_ ايه حصل يوم الحادثة؟
_ كان يوم مرافعتي عن قضية مهمة متورط فيها شاب والده يبقى رجل أعمال، الشاب دَ كان أذى بنت بشكل مش كويس وكان بيحاول يقتلها ويتخلص منها لأنها كانت حامل منه ولما رفضت انها تتخلص من الجنين قرر يقتلها، وبالفعل هو قتلها، بعد ما خلصت وخدت حكم بإن الشاب هياخد مؤبد وانا طالعة من المحكمة...
Flash Back:

_ ألف مبارك يا داليدا المرافعة كانت رائعة حقيقي.
بابتسامة_ ايوه طبعًا دِ أقل حاجة عندي يا بنتي.
بضحك_ اوعىٰ الغرور بقى مش هتكلمينا بعد كده .
_ أينعم أنا مفروض مكلمش حد بعد كده بس لا كله الا انتِ يا مريم بينا عيش وملح بقى انتِ عارفة.
بضحك_ طب يا ست ماشي، هتروحي دلوقتي؟
بتعب_ ايوه انا من الصبح برا البيت ومنمتش من أسبوع فأكيد هرَّوح دلوقتي وافضل نايمة شهر .
_ طبعًا اللي مريتي بيه مكنش سهل كانت قضية موترة يا داليدا وكنت خايفة عليكِ اوي بجد، المهم خدي بالك على نفسك وابقي طمنيني عليكِ اول بأول.
ضحكت_ يا بنتي متخافيش انا استرونج اوي اوي.
_ طيب يا استرونج سلام علشان قرة عيني جه.
بضحك_ روحي يا بتاعت احمد رووحي.
"ودعتها بإبتسامة ثم ذهبت، اتجهت نحو شارع جانبي لأستقل سيارتي وأذهب للمنزل، وفي طريقي للسيارة وجود سيارة غريبة عادًة لا تكون موجودة هنا، ولكن لم أفكر ومضيت في طريقي، وفجأة بدون مُقدمات رأيت والد الفتىٰ الذي حكم عليه ينظر إليَّ وعيناهُ كقطعتين من الچمر، فأسرعت من خطواتي واتجهت نحو سيارتي في هلع، لم أفكر في شيء سوىٰ خروجي من هذا المكان فنظراته لا تنوي لخير، وبسرعة أخذت السيارة وذهبت، كنت خائفة بشدة ومتوترة، لم تمر لحظة إلا ونظرت للمرآه لأعرف ما إنّ كان خلفي، مان يتبعني وسيارته تلاحقني، حتى تقدمت سيارته بشدة وحاصرتني في مكان لا يوجد به أحد، ترجل من سيارته وجاء نحوي بغضب وقال:
_ كنتِ فاكرة اني هسيبك يبقى بتحلمي مش أدهم اللي يسيب عيلة زيك تسجن ابنه وتهز صورته في السوق ويسكت.
"نظرت إليه وقلبي يعتصر من الخوف ولكن أظهرت عكس هذا وبقوة وثبات:
_ ابنك غلط، وعن اذنك سيبني امشي والا هرفع عليك قضية...
بضحك_ بس بس يا حلوة اهدي مين قال انك هتفضلي عايشة لحد ما ترفعي قضية.
" تركني واستقل سيارته وذهب، وفجأة أدركت أنه أخذ مفتاخ السيارة، وفي محاولة خروجي وجدت الباب مغلق لا يُفتح وسيارة قادمة اتجاهي في سرعة شديدة.."
Back:
_ وبس مش فاكرة حصل ايه بعدها أنا صحيت لقيت نفسي هنا.
تنهد بعمق_ يعني أفهم انك بتتهمي أدهم الرفاعي انه حاول يقتلك.
_ أيوه لأن دَ اللي حصل.
_ طيب يا آنسة داليدا هنتقابل تاني وبإذن الله حقك هيجيلك، بس انا مضطر بعد اللي قولتيه اطلب اذن بإن يكون في حراسة معاكِ وحد يراقب تحركاتك علشان أدهم أكيد عرف انك مموتيش ومش هيسكت، وأكيد فاهم انك مش هتقولي اللي حصل خوفًا منه بس بإذن الله حقك هيرجع.
"أومأت بإبتسامة دالة على شكري له، ثم قام زين من مكانه وخرجا سويًا، ثم عاد مجددًا"
_ داليدا!
_ نعم.
_مفيش.
ابتسمت_رغم اني تعبانة ومش قادرة بس انتَ اهبل!
ابتسم_ لا..اه بصي أنا.. بقولك ايه نامي هروح اشوف الدكتور هتخرجي امتى، وصح مش هسيبك لوحدك، القضية مكنتش مطمن ليها وعارضتيني المرادي هتسمعي كلامي.
 بعصبية_ زين دِ قضية انسانية كان ممكن ابقى مكان نيرة في يوم، كان ممكن أنا اللي يحصل فيا كدَ وواحد يضحك ويمثل عليا الحب وبعد ما يوصل لغرضة اتمرمط بعدها وادوق الذُل من اللي حواليا والحكاية تنتهي بقتلي، وانتَ بتعارضني مفكرتش ان ممكن في يوم بنتك تبقى مكانها!
_ طيب يا داليدا عن اذنك.
" انصرف بعدها ودخلت والدتي ظَّلت جالسة بجواري إلىٰ أنّ غفوت، كم يعني لي وجودها الأمان حقًا، هي أساس كل شيء جميل في حياتي لا أتوقع كيف ليةأنا أحيىٰ بدونها؟!
استيقظت علىٰ تسلل الأضواء إلىٰ الغرفة، يومًا جديد قد هل وفي ثنياته بداية لشيء مجهول، ثم دخل الطبيب"
_ صباح الخير
_ صباح النور يا دُكتور
_ حاسه بإيه انهاردة؟!
_ نفس وجع راسي وصداع.
_ دَ علشان الجرح بس، بمجرد ما الجرح يلتئم كل دَ هيزول متقلقيش.
_ حابه تبدأي جلسات العلاج الطبيعي بقى امتى، أنا اعرف دكتور شاطر هيساعدك .
_ مش عارفة معنديش أمل..
"قاطع كلامي دخول أُمي زين سويًا، اتجهت امي نحوي قبلت راسي، وضمتني لقلبها، ثُّم قالت بحنان:
_ قومي بسرعة من كُل دَ وخفي وحشاني دوشتك.
بإبتسامة_ حاضر يا ماما قريب.
" عاد الطبيب ليكمل كلامه"
_ أنا بقول تجربي تبدأي في الجلسات دَ هيعلي من نفسيتك شوية.
بإبتسامة_ حاضر بإذن الله.
_ تقدري تخرجي من انهاردة بليل لو تحبي بس تهتمي بالجرح دَ والأدوية.
" وقف زين نحو الطبيب ثم رد مسرعًا"
_ تمام يا دكتور تمام هناخدها ونهتم بيها.
" انصرف الطبيب وجلس زين في مقابلتي وقال بجدية:
_ أنا ومامتك عاوزينك في موضوع مهم دلوقتي.
بابتسامة_ ياريت نأجله لحد ما ابقى أحسن.
_ لا دَ موضوع وقرار مهم.
_ زين معنديش طاقة للتفكير واني أسمع لمواضيع، انا عاوزة ارتاح شوية و...
_ تتجوزيني.
بصدمة_نعم!!
" نظرت أمي ليا وربتت على كتفي وقالت:
_ ايوه يا بنتي زين بيتكلم جد وعنده حق في اللي بيقوله لازم يبقى معاناالفترة الجايه.

" نظرت له بدموع"
_ ودَ بقى شفقة على حالي ولا فاكر انك هتحميني
_ انتِ معندكيش غير كلمة شفقة في قاموسك.
_ مفيش معنى لكلامك غير كدَ.
_ لا مش كدَ انا مش مستعد أخسرك، مش مستعد انك تموتي وتسيبيني، مش عاوز اسيبك لوحدك الفترة دِ لازم ابقى جمبك، والقرار يرجعلك بردو، بس اعرفي اني عمري ما بصيتلك بشفقة ولا عمري هعمل كدَ علشان...علشان أنا... بحبك.
" كان أثر الكلمة لطيف على قلبي، بين المشاكل، الهموم، والمرض كان للكلمة وَقع جميل علىٰ مسمعيّ، ولكن الفؤاد لا ينسىٰ والعقل يُحكم بين المشاعر والماضي، نظرت وعيناي تُفشي عن حيرتي وبنبرة هادئة:
_ ممكن نتكلم بعدين، دَ مش مكان مناسب للكلام، ولا حتىٰ وقت مناسب.
بصوتٍ حانق_ اللي تشوفيه انا هستنى برا لحد ما اروحكم.
" رَّدت أمي مسرعة:
_ ماشي يابني كتر خيرك وحقك عليا أنا.
" خرجَ من الغُرفة لم أهتم بتأنيب أُمي المستمر ولم أُنصت لها حتىٰ خرجنا استعددت للخروج من المشفىٰ والذهاب إلىٰ البيت، ركبنا السيارة وانطلقنا مرَّت الدقائق كسنون، أسمع صوت الضحك والصراخ الممزوج ببكاء، أخذني عقلي في جولة للماض،ِ تنقلتُ بين الأحداث، أمامهم شاردة وفي داخلي عاصفة ونيران لم يخمد لهيبها، قطع كُل هذا صوته مُعلنًا وصولنا:
_ حمدلله علىٰ السلامة يا داليدا.
بابتسامة_ الله يسلمك.
" نظر لأُمي موجهًا كلامه لها:
_ اتفضلي انتِ يا طنط وانا هجيب داليدا ونطلع.
"ضحكت أمي بفهمٍ لكلامه وأردفت:
_ طيب ماشي متتأخروش وهستناك علشان تتعشى معانا.
" صعدت أمي وتركتنا حاولت النهوض من السيارة لأخرج ولكن فشلت فأوقفني صوته المليء بالحزن والارتباك:
_استني هطلعك أنا، متتعبيش نفسك، لحد ما تعملي جلسات العلاج الطبيعي فأنا هساعدك.
_طيب ماشي شكرًا.
بحزن_ لِسه منستيش.
بهدوء_ ولا عمري هنسىٰ!
_ ليه يا داليدا انتِ عارفة اللي في قلبي.
_ علشان غلطة زمان اللي حذرتك منها وأنا لسه محامية صغيرة انتَ بتدفع ثمنها دلوقتي لأنك مخدتش بكلامي.
_ انتِ مش فاهمة أسبابي.
بإستهزاء_ أسبابك، انك كنت خايف على نفسك بتسمي دِ أسباب!
بصوتٍ عالٍ_ اديني فرصة افهمك وادي لنفسك فرصة تفهميني.
_ عن اذنك يا زين أنا لسه تعبانة ومُرهقة ومعداش يومين علىٰ الحادثة معنديش طاقة أدخل في نقاش زي دَ.
زفر بضيق_ طيب يا داليدا هسيبك ترتاحي لكن الموضوع متقفلش أنا لازم أكون جمبك، هسيبك تفكري وتديني فرصة وهجيلك كمان أسبوع علشان نتكلم وتسمعيني!
_ ماشي ان شاء الله، يلا علشان ماما وعلشان تاكل.
بضحك_انتِ بتضايقني وبعدين تقولي تعالىٰ يلا تاكل.
ابتسمت_ علشان ماما متزعلش.
"صعدنا سويًا وجلسنا للعشاء ثم انصرف، توالت الأيام بسرعة شديدة كعقرب الثواني، لم تُمهلني التفكير، قلبي كان يرتجف من وَهل المواجهة، لكنّ لا محال كان لا بُدَّ مِن ذلك، أتىٰ بهيئتهِ اللافتة كالعادة وجلسنا سويًا في الشرفة"
_ عاملة ايه دلوقتي يا داليدا؟
بابتسامة_ الحمد لله أحسن كتير عن الأول.
_ مش ناوية نبدأ العلاج الطبيعي!
_ لا بإذن الله ناوية علىٰ دَ قُريب.
" سُكوتٌ وصمت عمَّ المكان، كهدوء ما قبل العاصفة، نجلس معًا لكن عقلينا في مكانٍ آخر، قطع ذاك الصمت صوتُه:
 بحُزن_ أنا آسف!
_ بتتأسف ليه؟
بإرتباك_ علشان اللي حَصل من خمس سنين، أنا عارف إني كُنت غلط بس..بس غصب عني يا داليدا، والله غصب عني كان سببي قوي، واللي دَفعني لكدَ كان أقوىٰ، مكنش مُجرد تهديد بالقتل ليا، كان لأهلي وكان... ليكِ كانوا هيقتلوكِ انتِ وأهلي...
بصدمة_ نعم!
_ دَ اللي حصل من خمس سنين..
Flash Back:
_ أُستاذ زين في واحد برا عاوز يقابلك.
_ في ميعاد سابق يا مُنىٰ؟
_ لا حضرتك، بس هو طلب يقابلك ضروري.
_ طيب اديله معاد بكرة علشان أنا شوية وهمشي مفيش وقت.
_ هو قالي أبلغ حضرتك انها مسألة مُهمة جدًا مينفعش تتأجل فأخلي المعاد بكرة واعتذر ليه!
بابتسامة_ خلاص دخليه يا مُنىٰ.
"دَّخل رجُل كبير السِن، عيناهُ تُفشي حُزنًا، شعره أبيض، وجهُ مُنير رُغم حنطية بشرته، ألقىٰ التحية بابتسامة:
_ أنا بعتذر لحضرتك لو هعطَّلك.
_ لا أبدًا اتفضل يا استاذ..
_ محمود.
_ تشرب ايه يا استاذ محمود؟!
_ لا كتر خيرك.
_ لا أبدًا حضرتك ضيفي هطلب لينا قهوة، سُكرك ايه؟
_ مظبوط.
_ خلاص تمام.
" ضغطَّ علىٰ الذر، وأخبر مساعدته بإحضار طلبهُ ثم أكمل حديثه:
_ ها حضرتك كنت محتاجني!
_ ايوه، أنا ابني اتهموه ظُلم في قضية تَهريب وبيع مُخدرات، ابني مظلوم أنا مُتأكد أنا ربيتهُ كويس وواثق انه مُستحيل يعمل كدَ.
 " أمسك بقلمٍ وأحضَّر دفتره وسأل الرجل:
_ طيب يا استاذ محمود أنا محتاج تفاصيل أكتر، يعني المكان اللي كان بيتّم الصفقات منه فين مثلًا؟
_ الشرطة اكتشفت ان في صفقة كبيرة في مخزن الأسيوطي ودَ كان المكان اللي ابني بيشتغل فيه.
_ الأسيوطي! مالك المخازن دِ والشركات التابع ليها فؤاد الأسيوطي!
_ بالظبط حضرتك، ابني قالي قبل كدَ ان ابن استاذ فؤاد بيجيب اصحابه في أوقات كتير متأخر وبيمَّشوا العمال، والعمال شكوا فيهم انهم بيعملوا حاجة مش مظبوطة، ولكن عامل منهم هو وابني شافوهم وهما بيشربوا الحاجات دِ، ابني كان هيسيب الشغل والله بس كان مستني يلاقي شغل تاني وملحقش فجأة اتقبض عليه ولقيت صحابه في المخزن بيبلغوني بدَ.
_ طيب يا استاذ محمود أنا الأول هقعد مع ابن حضرتك بكرة وهطلب اذن اقابله ولما اقعد معاه واعرف اللي حصل بالظبط هطلب منك تعملي بس توكيل.
_ شكرًا جدًا لحضرتك، بس بإذن الله ابني هيخرج منها صح؟!
 _ القضية بتاعت ابن حضرتك صعبة لأن فها ناس كبيرة اوي، لكن بإذن الله طالما هو ملوش علاقة بالموضوع فافضل ورا القضية لحد ما يخرج.
_ شكرًا لحضرتك وبإذن الله خير، آسف لو عطلتك.
_ لا أبدًا حضرتك شرفت مكتبي.
_ تسلم، سلام.
"انصرف الرجل وترك وراءهُ زين قي دوامة من أفكاره اللامتناهية حتىٰ قطع ذلك دخولها"
_ كنت واثقة انك بتكدب عليا ولسه في المكتب.
بابتسامة_ والله كانت قضية مهمة يا داليدا وجات فجأة.
بعناد_ لا والله!
بضحك_ خلاص يا ستي يلا هروحك حقك عليا.
_ قولتلي المحاماة دِ حاجة ايه؟
_ جميلة ومتعة بإنك ترجعي الحقوق لأصحابها.
_ طب أنا بنسحب علشان أنا فرهدت في المحكمة انهاردة.
بضحك_ فرهدتي من قضية صغيرة زي دي.
بابتسامة_ حصل أنا بقول اقعد في البيت احسن.
_ نبقى نشوف الحوار دَ بعدين، يلا علشان متتأخريش لاحسن مامتك تهزقني أنا.
_ يابني دِ بتحبك أكتر مني.
بضحك_ يا بني، يلا يا داليدا الله يسترك يلا.
" عاد للمنزل بعد أنّ أوصلها، وهو غارق في دوامة أفكاره حتى استسلم للنوم، وفي صباح اليوم التالي استيقظ، وارتدىٰ حلتهُ السوداء وذهب للقاء بالمتهم، وأخذ اذن بالجلوس معه"
_ ازيك يا علي أنا المحامي اللي هيمسك قضيتك والدك بلغني بتفاصيل كتير لكن في حاجات عاوز اعرفها منك.
بتعب_ والله أنا فعلًا مظلوم ومليش علاقة بالقضية دِ.
_ طيب قولي اللي حصل في اليوم اللي اتقبض عليك فيه.
_ اللي حصل اني كنت بشتغل في المخزن في وقت متأخر انا وشوية عمال معايا، وقبل ما اروح كان سليم بيه ابن صاحب المخزن جاي ومعاه ناس أول مرة اشوفهم، خدني الفضوب اعرف في ايه وسمعت ان دول تجار ممنوعات، فطلعت تليفوني وصورت اللي بيحصل علشان لما اسيب الشغل اودي الفيديو للشرطة، فجأة صوت عربيات شرطة حاوط المكان وسليم بيه هرب وأنا ملحقتش اجري لقيت عسكري ماسكني على اني من ضمن الناس اللي بتشتغل معاهم.
_ طيب الفيديو دَ فين!
_ أنا رميته في برميل ورا أول عمود قبل المخزن وأنا بجري.
_ طيب ليه رميته؟
_ معرفش خوفت وقتها فرميته.
_طيب خير يا علي بإذن الله هتخرج بس نلاقي التليفون الأول .
_ ان شاء الله تلاقيه يا بيه .
" ذهب ولم يفكر ثانية واحدة متجهًا إلى مخزن الأسيوطي، وبدأ بالبحث عن الهاتف وساعده احدى العمال على ذلك، مع إدلائه ببعض ما رأى من "سليم" وصفقاته، حتى وجدا الهاتف لكن لم يكن يعمل، أخذه وذهب به لإصلاحه"
_ أنا محتاج أصلح التليفون دَ.
_ طيب يومين يا باشا وتعالىٰ.
_ أنا محتاجه دلوقتي وضروري هديكِ اللي انتَ عاوزة!
_ طيب يا باشا هشوفهولك حالًا.
" بعد دقائق"
_ بص يا باشا هو محتاج شغل جامد لأنه متكسر زي ما انتَ شايف فهياخد وقت.
_طيب متعرفش تجيبلي الصور والڤيديوهات اللي عليه!
_طبعًا يا باشا بكرة الصبح هتلاقي الصور والڤيديوهات عندك.
_ طيب تمام بس أتمنى تنجز علشان دَ موضوع مهم.
_ هو ايه اللي على التليفون دَ يا باشا؟
_ بص يابني التليفون دَ واللي عليه دليل براءة واحد وانا عارف ان ضميرك سليم من جوا علشان كدَ جيتلك، فخليك جدع والحوار دَ محدش يعرف عنه حاجة.
_ طبعًا يا باشا عيب عليك محدش هيعرف حاجة.
بضيق_ أتمنى دَ، هتخلصه امتى؟!
_ هيكون عندك بكرا، هشتغل عليه طول اليوم انهاردة لحد ما اخلصه.
_ تمام هعدي عليك بكرا اخده، و خليك فاكر دَ شيء مُهم عندي ومش عاوز حد يعرف بيه!
_ أكيد يا باشا متقلقش.
" تَسير الأمور دومًا بالطريقة التي نُخطط لها، وفي اللحظة الأخير يُفسد كُل شيء من قِبل القَدَّر والمجهول المُخبيء به، مَّر اليوم بسرعة شديدة؛ فذهب زين مُسرعًا بحثًا عن براءة ذاك الشاب المِسكين، لم ينم طوال الليل بسبب هالة التفكير التي أحاطت بِه، وَصل لأخذ الهاتف قائلًا بتعب لصاحب المكان:
_ خلصت تصليح التليفون؟
_ ايوه يا باشا جاهز اهو..بس كله ليه ثمنه!
بضيق_ هديك اللي انتَ عاوزة بس هاته.
ضحك بإستخفاف_ مش لما تعرف المبلغ كام الأول ونتفقوا!
"وقعت الجُملة على قلبه كحجر عَظيم أُلقى عليه، ثُم أردف قائلًا بِهدوء:
_ عاوز كام يعني، وأظن إننا متفقين من امبارح وقايلك إنّ التليفون دَ مهم إنه يكون في إيدي، ايه خلاك تغير رأيك كدَ؟
_ بصراحة دِ سبوبة حلوة، لازم اطلع منها بمصلحة، لكن أنا هطلع جدع معاك وهاخد مبلغ مش كبير أوي، واهو لحسن ما اودي التليفون دَ لفؤاد باشا وانقذ ابنه، واخد أضعاف المبلغ اللي هاخده منك، أنا عاوز 5 الاف جنية.
بصدمة_ نعم!
_ زي ما سمعت كدَ، انتَ محامي كبير مبلغ زي دَ نش هيقصر معاك.
_ طيب هديك المبلغ دَ، هكتبلك شيك بيه.
_ كدَ فُل يا باشا.
" أعطاه الشيك وعاد إلى البيت مُسرعًا، لقد أمسك بدليل براءة الفتى بيديه، وَصل لمنزله وقبل أنّ يصعد لشقته أوقفه رجل ما وقال بصوتٍ مُتهكم:
_ أستاذ زين!
_ آسف مش واخد بالي، مين حضرتك؟
_ أنا جايه أقولك كام حاجة بس وهمشي على طول، انسى القضية اللي انتَ شغال عليها، بدل ما تخسر اعز الناس عَليك، وانسحب بهدوء من دلوقتي.
انصرف الرجل بعد أنّ ألقىٰ تِلك الكلمات المُنذرة بحلول معركة جديدة، كان مُعلقًا نظرهُ أمامه بإحباط، ولكن انتشلهُ صوتها الرقيق:
_ في ايه يا زين واقف ليه كدَ؟
_ داليدا، خضتيني!
بضحك_ طيب يلا نطلع فوق بَدل وقفتك دِ.
_ طيب يلا.
بقلق_ زين هو في حاجة؟
_لا.. تعالي نطلع بس وهقولك.
صعِدا سويًا لشقة داليدا ووالدتها وقام بسرد لها مقتطفات عن قضيته وخطورتها وتردده وما كان جوابها إلا:
_ زين انتَ علمتني حاجة واحدة مُهمة لازم تبقى عند كُل محامي، متعة إرجاع الحقوق لأصحابها ملهاش مَثيل، وطول ما أنا ماشية في طريق نهايته حق هيرجع لصاحبه، أو دَّفع أذى أو مكروه عن حد فأنا صح ولازم أكمل في طريقي، ومن رأيي إنك تكمل لأنك لو وقفت دلوقتي في شاب هيقضي عُمره في السجن وهيكون دَ بسببك انتَ؛ فكمل.
بإبتسامة_ عندك حق أنا لازم أكمل.
_ تلميذتك بردو.
بضحك_ أنا حاسس إنّ أنا اللي بتعلم منك دلوقتي، يلا سلا دلوقتي اشوفك الأسبوع الجاي في المحكمة.
تركَّها وذهب بعد أن قرر ترك كل شيء وراءه، وإكمال طريقه دونَّ وقوف، تبقى على جلسة المُحاكمة أيام، جلس يُعد لمرافعته بشغف وحماس، مرت الأيام وجاء اليوم المنتظر، يوم ينتظرهُ هو بالأخص لسماع كلمة"براءة" كما اعتادت أُذنيه، ولكن قبل الجلسة بساعات قليلة، أعلن هاتفه بوصول رسالة مِن مجهول، فتحها ليرى صورة داليدا وهيَ مقتربة من المحكمة، ورسالة تحوي كلام يُرعب قلبه" مبقاش في كلام تاني المرة دي فعل، هتخسر أهلك و الحلوة في قضية زي دِ، وانتُ عارف إنّ الحاجات دِ عندنا سهلة ومبنهزرش فيها، ها يا ترى هتختار القضية ولا..الحلوة؟!"
، انتفض قلبه بشدة، ولم يتركه شتات عقله، كان يقف بين الناس في الضوء، ولكن في الأصل لم يرىٰ سوىٰ أنه يقف على بقعة سوداء مُسلط عليه الضوء وأمامه أسرته وحبيبة قلبه، وفي الجهة الأخرى الفتى المظلوم، سالت من عينيه الدموع؛ لأنه ولأول مرة يختار نفسه على حِساب براءة شخص، ترك المكان بأكمله وذهب لبيته أعدَّ أغراضه وستفر لمكانٍ بعيد.
Back:
_ أنا عملت كدَ علشان مخسركيش.. ولا أخسر أهلي، انتِ عارفة إنّ لو عليا هضحي بنفسي، لكن انتِ أسيبك تمشي من الكون بسببي ازاي؟!
بدموع_ مكنتش اعرف انك جبان يا زين..
قاطع كلامي بصدمة:
_ جبان علشان كنت خايف عليكِ، جبان علشان عايز احمي أهلي واحميكِ؟!
بدموع_ ايوه جبان، انتَ اللي علمتني ازاي اقف في المحكمة كأنها ساحة معركة، وأنا الجندي اللي بيحارب جيش ومبيستسلمش، ازاي علمتني القوة فإني أكون سبب في إرجاع الحقوق لأصحابها، وانتَ تضعف!
تسللت الدموع من عينيَّ وسارت في طريقها المنحوت علىٰ خديَّ، حينها لمعت بعينيه الدموع، ولكنه كان يقاوم ألا يبكِ أمامي، ساد الصمت برهة، فقطعته بسؤالي:
_ ايه الفرق بينك وبين المُحامي اللي كِسب القضية وطلع الشاب براءة وطلع فؤاد وابنه في أبشع صورة، ايه الفرق بينكم؟!
لم أُعطهِ فُرصة للإجابة وقلت في ضيق:
_ أنا اقولك الفرق، الفرق انه عنده مبدأ مغيرهوش علشان حد، عنده أهل وزوجة وأولاد، وأكيد حصل تهديدات ليه لكنَّه فضل يمشي ورا الصح والمبدأ.
بعصبية_ يا داليدا افهمي، كُل دَ كان خوفًا على اني اخسركوا...
قاطعته بسخرية_ وكدَ مخسرتناش، انتَ خِسرت كُل شيء، نفسك، وأنا، ومبدأك، وشغلك، خِسرت كل حاجة، مهونتش عليك لما سافرت وسيبتني مش فاهمة حاجة وِسط الناس، وأنا بسمع عنك كلام قلبي رافض يسمعه، مهونتش عليك وأنا بكدِّب كُل اللي شيفاه على أمل انك ترجع وتفهمني اللي حصل ويطلع كُل اللي بسمعه غلط!
بصوتٍ مُرتجف_ طيب اديني فُرصة، خلينا في دلوقتي مش هقدر اسيبك.
بدموع_ أنا آسفة مش قادرة اتكلم دلوقتي، علشان خاطري امشي.
قال بصوتٍ ارتجف له قلبي_ داليدا متعمليش في قلبي كدَ أنا..
قاطعته دونَّ النظر إليه وبصوتٍ امتزج بالبُكاء: 
_ امشي يا زين من فضلك!
"رَحل وتركَ قلبي يعتصر، زاد بُكائي وخوفي، شعرت ببرودة تتسل لِقلبي برحيله، أنا لا أكرَّه وجوده، أنا لم ولن أُحب سواه، لكن القلب يعشق كما يريد والعقل يحكم في النهاية، ولكن قد ترك مبادئه لأجلي، ألا يَستحق فُرصة؟!
لم يفعل كل هذا إلا لأجلي، كَيف لي الحق بالقسوة عليه بتلك الطريقة، مرت سنوات عدَّة ولم يتركني رُغم الخِصام، كيف لي أنّ أجرح قلبه بقسوتي؟!
مرَّ شهران دونَّ سماع خبر عن أدهم الرِفاعي، ودونَّ العثور علىٰ دَليل يُدينه، كانت الحِراسة تتبعني بكُل مكان، بدأت بالمشي أخيرًا دونَّ مُساندة أحد بفضل الجلسات، لم أرىٰ زين مُنذ أخر لقاء بيننا؛ فقررت الذهاب إليه بمكتبه القديم، وَسط برودة الأجواء وظلام السماء في عَدم وجود القمر كان يقف في الشُرفة مُندمج في الغناء، بات هزيلًا للغاية، شاردًا لم يلحظ حتى وجودي، المكان بأكمله مُظلم ويسود الصمت والسكون، لا يعلوا سوى صوته:
_ بتوحشيني، بندَه عليكِ وبفتكرحاجات ساعات، بضحك مع إني بتقتل، تِسبقني روحي في المكان اللي احنا كُنَّا بنقصده، لونت لون الكون غَميق والقلب لسه بيرفضه، عيني فاكرة مش بتنسى، مش بتقبل حد غيرك يملى عقلي عارف ان ممكن يبقى يوم حاسس بضعف..
"صمت وانهمرت عينيه ثُم التفت ليدخل لمكتبه، نظرت إليه بأسىٰ على حالته التي أصبحت سبب فيها، التقت عيوننا جرىٰ عِتابًا حادًا بواسطة أعيننا، سارعتُ بالقول:
_ أنا آسفة.
بدموع_ مسامحك من غير ما تعتذري، كنت عارف انك هتفهميني.
امتلئت عيناي بالدموع حُزنًا عليه_ ممكن متعيطش، مينفعش مصدر قوتي يبقى بيعيط.
بِضعف_ قلبي اللي بيعيط، انتِ عارفة ان عُمري ما عيطت أبدًا...
_ حقك على قلبي.
_ مسامحك والله مسامحك يا داليدا، فرحت بإنك رجعتي تقفي على رجلك تاني وتستعيدي قوتك.
بدموع_ متزعلش مني انا بس قولت كلامي بعصبية وقتها.
" مَسح دموعه بكفيه ونظر إليّ بابتسامة وتسلل البريق لعينيه فجأة وقال:
_ مش زعلان، ها هنتجوز امتى مش كفاية لحد هِنا، مش آن الأوان نبقى سوىٰ.
"ابتسمت وسط دموعي، تركنا المكتب سويًا وذهبنا لبيتي، طرق على الباب بفرحة شديدة خرجت أمي بصوتها المرتفع قائلة:
_ اييه في اييه القيامة قاامت بتخبطوا كدَ ليه؟!
ابتسم زين وقال بمرح_ اعذريني انتِ كمان لو عرفتي اللي حصل هتفرحي زيي كدَ.
بابتسامة_ ايه حصل طيب؟
_ داليدا وافقت نتجوز.
نظرت أمي بدهشة لي وقد عَّلت علامات الصدمة والفركة على وجهها، قالت بصوتٍ يمتزج بالحنان:
_ بجد يا داليدا أخيرًا .
بإبتسامة_ ايوه يا ماما دَ بجد.
دخل زين الشقة وبصوتٍ عالي:
_ أنا بقول نكتبوا الكِتااب قبل ما تغير رأيها.
ضحكت أمي قائلة_ على رأيك يا بني خلينا نفرح قبل ما يحصل انفصام كل مرة وتقول لا مش هتجوز.
نظرت لها بصدمة_ يا ماما انا بنتك في اييه مش كدَ يعني، انتِ معايا ولا معاه؟
بجدية مُصطنعة_ هي دِ محتاجة كلام طبعًا مع زين يا داليدا.
_ انا ماشية علشان انتوا الاتنين مش هتسيبوني في حالي انهاردة هاا.
" وها قد جاء اليوم المُنتظر وهو خبر القبض على أدهم الرفاعي والحُكم عليه بالإعدام لما ارتكبه من جرائم قتل، كانت الفرحة اثنتين بكتب كتابنا، تألقت بفستانٍ وردي مُزين بالورود وخِمار بنفس اللون، وطَّل هو بحلته السوداء، اجتمع الأحبة والأصدقاء ومع أخر جملة قالها المأذون:
_ بارك الله لكما وبارك عليكما وجمع بينكما في خير.
"انهل علينا الأصدقاء بالمُباركة"
_ ألف مبارك يا داليدا.
بابتسامة_ الله يبارك فيكِ يا مريم.
بدموع_ انا فرحانة اوي بجد انهاردة، ومش مصدقة ان خلاص هتتجوزي.
بضحك_ يا بنتي بتعيطي ليه بس أمي مش شايفة واقفة مع زين ازاي ومش بتعيط علشاني، بتعيطي انتِ ليه بس؟
_ شكلك حلو اوي اللهم بارك انتِ وزين ربنا يديمكوا لبعض.
جاء زين فحأة وأمسك يداي مُستأذنًا من مريم:
_ عن اذنك يا مريم بس شوية.
_ في ايه يا زين بتشدني كدَ ليه؟
بضحك_ هنتخانق ولا ايه، عاوز اقولك حاجة.
ابتسمت_ ها يا سيدي عاوز ايه؟
بابتسامة_ بحبك!
_ اصلًا عارفة.
بضحك_ فعلًا!
_ آه والله، يا بني انتَ صعبت عليا انك بتحبني كدَ؛ فأشفقت عليك بس ووافقت.
بضحك_ لا يا شيخة اومال ايه د؟
" اخرج مذكراتي وبدأ بالتنقل بين صفحاتها"
_ انتَ جبتها منين ها؟
_ عيب عليكِ أنا ليا عيون في كُل حته.
_ ماما صح؟!
_ طبعًا.
بدأ بقراءة أول جملة:
_ إنّ بطل الروايات والأفلام ليس خيال؛ فقد وجدت بطلي في الواقع أفضل من أبطال الحكايات، انه زين، بطل قلبي وبطل حكايتي.
_ يادشي الفضيحة سيبني الله يسترك.
بضحك_ هفكر!
_ يا زين علشان خاطري سيب النوت بقى انا مبحبش حد يقرأ اسراري.
ابتسم_ طاايب أنا بحبك أوي.
ابتسمت_ وأنا كمان بحبك أوي، سيب ايدي بقى خليني اقعد مع صاحبتي.
بضحك_ اممم بقولك هو بطل حكايتك دَ حلو.
بابتسامة_ مفيش زيه اصلًا.
_ داليدا عاوز اقولك حاحة طيب وهسيبك.
نظر لي وبريق عينيه لم ينطفأ وقال بابتسامة:
_ وعد أفضل هِنا دايمًا، ونفضل سوىٰ، مش هبعد تاني ولا هكرر أخطاء زمان، هفضل معاكِ ولو مالت الدنيا وكل حاجة اتغيرت؛ فأنا مش هتغير هفضل احبك دايمًا وابدًا.
بإبتسامة_ وعد أفضل معاك حتىٰ المشيب.
_ حتى المشيب!
_ ايوه حتى المشيب.
" يبدو أنّ أحد أبطال الحكايات قد خرج للواقع بصفاته الخيالية؛ ليُزين واقعي بحبه لي"

سلمى هاني|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع