القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة " حُطَام رَجُل"


سماء محمد الطنطاوي

في بداية يوم في فصل الشتاء، في الساعة السادسة صباحًا، استيقظ "معتز" على أكثر صوت يبغضه وهو المنبه الخاص بِهِ، ذهب إلى المرحاض توضأ وأدى فرضه وارتدى ملابسه؛ ليذهب إلى المدرسة، خرج من غرفته ليجد والدته قد أعدت الفطار.. 

معتز: صباح الخير. 

عمرو، منة: صباح النور. 

صبحي بِضيق: عم "فتحي" صاحب الدكان اللي بتشتغل فيه اشتكالي منك، وإنك مش مهتم بالدكان وبتعمل مشاكل. 

"وبنبرة صوت أعلى" يعني ولا بتذاكر ولا بتشتغل أُمال بتهبب إيه في يومك!! 

معتز محاولًا ضبط نبرة صوته: يا بابا أنا معظم وقتي في الدروس، معنديش وقت كتير للشغل و.. 

صبحي مقاطعًا له بحدة: طالما مش قد الشغل مكنتش تعمل نفسك راجل وتروح تشتغل. 

معتز: طول السنة كنت واخد بالي ومنظم يومي، بس الفترة دي أنا.. 

-تردد قليلًا ثُم قال: أنا بجد مش كويس، في ضغوطات كتير و.. 

قاطعه صبحي بتهكم: عيل لسة مكملش 18 سنة مش كويس ليه؟ بلاش لعب عيال، أكل وبتاكل، شُرب وبتشرب، نوم وبتنام، فلوس ودروس وبتاخد، مش فاهم إيه اللي مخليك مش كويس!! 

معتز: حاجات كتير تانية، زي.. 

قاطعه صبحي: ششش، مش عايز دوشة، كُل علشان تروح مدرستك، وبعدين تجيلي الورشة تساعدني في كام حاجة وبعدين تروح الدُكان لحد المغرب. 

معتز: عندي 4 دروس إنهاردة، بعتذر يا بابا مش هقدر أجي الورشة ولا أروح الدكان، لو حاجة مهمة في الورشة خلي "عمرو" يساعدك.

صبحي: عمرو عنده محاضرات، دة غير إن في واحد صاحبه تعبان هيروح يزوره، متروحش الدروس واعمل اللي قولتلك عليه، هتفيدك إيه الدراسة يعني؟ أهو قاعدين ندفع فلوس لحد مَا معدش معانا جنية، وابقى قابلني لو فَلحت ولا جيبت كُلية أصلًا. 

"أنهى "صبحي" حديثه، وبدأ في تناول الفطور، كان يدور هذا الحديث تحت نظرات "عمرو، منة ومنى" الشفقة والشماتة". 

"أما "مُعتز" حاول بكل جهده ألا يذرف الدموع أمامهم؛ لأنه يعلم جيدًا أنهم يشمتون فيه، لم يكمل طعامه وذهب إلى مدرسته". 

.. 

"في الفصل" 

أشرف "مُعلم الكيمياء": ابقوا قابلوني لو فلحتوا، محدش فيكم هيعرف يحل حرف في الامتحان، رغم إنه أكيد هيجي سهل، بس مش هتعرفوا تحلوا علشان إنتم بتتمرقعوا طول السنة ومش بتفتحوا كتاب، ابقوا قابلوني لو عديتم السنة دي أصلًا

"شَعر "مُعتز" بالحزن الشديد، والوحدة أيضًا، ينظر حوله ليجد كل مجموعة من الأصدقاء يجلسون سويًا، يتحدثون، يضحكون ويذاكرون سويًا، وما زاد الأمر سوءًا بالنسبة لقلبه؛ أنه سمع حديث صديقين بدون قصد". 

طالب 1: إنتَ متضايق ليه دلوقتي؟ إوعىٰ تكون إتأثرت بكلام المستر ولا حسيت إنك فعلًا مش هتقدر!! أنا واثق فيك وواثق إننا هنجيب مجموع إن شاء الله وندخل الكلية اللي نفسنا فيها، طالما إحنا مع بعض متقلقش، وبعدين سيبك مني، مش باباك ومامتك كل شوية يقولولك إنهم واثقين فيك؟ وإن إنتَ وصحتك ونفسيتك أهم من أي كُلية؟ متقلقش، واللي ربنا كاتبه هيكون بإذن الله. 

"ابتسم "معتز" ودعىٰ لهم، وبداخله قلب مُتهَشِم من الحزن والوحدة، تذكر معاملة عائلته له و.."

Flash Back. "لثلاثة أشهر"

"كان يجلس "معتز" في غرفته يذاكر، ظل يذاكر أكثر من خمسة ساعات، وللأسف لم يستطع فهم ولا حفظ أي شيء، شعر بالصداع والتعب، كاد أن يبكي، لكنه وقف وخرج، ليجد أسرته تجلس معًا يشاهدون التلفاز ويضحكون معًا، شعر بالسعادة؛ لرؤيتهم سعداء، لكن فجأة تلاشت الابتسامة حينما شعر بالدوار وكاد أن يسقط إلا أنه جلس على الكرسي الذي كان بجواره، نادى لِوالدته بوهن و.."

معتز بخفوت: ماما..

منى بخوف: مالك يا معتز؟ إنتَ كويس؟ 

معتز: لأ، مصدع وحاسس إن دماغي هتنفجر. 

منى: خليك هنا على ما أعملك ليمون يفوقك شوية. 

صبحي: فكك منه، هتلاقيه بيتمرقع علشان ميذاكرش. 

معتز: أنا بذاكر بقالي 5 ساعات يا بابا، هاجي دلوقتي وأتمرقع. 

"نظر له صبحي بتهكم ولم يردف". 

منى: هروح أعمله حاجة يشربها برده، لو بيتمرقع فَربنا يسامحه على الخضة دي، أما لو مش بيتمرقع فَعلشان ميُقعش ولا يحصله حاجة.

"شعر "معتز" بالحزن لِمَ حدث، وتذكر عندما شعر أخيه بصداع خفيف فَركضوا في كل مكان لكي يعالجوه، جاءت والدته بالليمون فَأخذه وعاد لغرفته حزين". 

"في اليوم التالي".

منى: روحت تصلي الجمعة في أنهي جامع؟

معتز: الجامع اللي على الشارع، بروحه دايمًا.

منى: باباك وأخوك كانوا هناك، ازاي جيت قبلهم؟ أنا هكلم باباك أخليه يسأل الناس هناك لو كنت روحت ولا هربت.

معتز بصدمة: يا ماما أنا ههرب من الصلاة ليه؟ هو أنا عُمري عملت كدة؟ وبعدين أنا خلصت وجيت على طول، مشوفتش بابا وعمرو فَجيت، أكيد راحوا مشوار ولا وقفوا مع حد ولا حاجة، أنا مالي؟

منى بصرامة: مسمعش صوتك إنتَ فاهم!! يلا على درسك، كلمت المدرسين بتوعك علشان أعرف مواعيدك، علشان متغيبش من درس كدة ولا كدة من ورايا.

معتز: أنا عمري ما غيبت من درس إلا وكان بعلمك وكان لأسباب مهمة و..

قاطعته منى: مش عايزة رغي كتير، يلا روح هات كتبك وروح، عليك 5 دروس، المفروض هتخلصهم بعد العِشا بإذن الله، تصلي في الجامع وتيجي.

معتز بنبرة مخنوقة: حاضر.

(دخل وأخذ كتبه وكان على وشك الرحيل و..) 

منى: استنى، خد الفلوس والورقة دول، وانزل هات من البقالة الحاجات اللي في الورقة دي.

معتز: حاضر.

"نَزل واشترى ما كان في الورقة وصعد مرة أخرى و.."

معتز: اتفضلي يا ماما، هروح أنا علشان لسة ربع ساعة على الدرس.

منى وهي تتفحص الأشياء: لأ استنى، فين الباقي؟

معتز: مفيش باقي الفلوس جت بالظبط.

منى: لأ المفروض يتبقى 10 جنيه.

معتز: والله اللي خدته منك دفعته تحت، مخدتش حاجة.

منى: والله؟

معتز: والله العظيم، أنا هسرق وهحلف كذب كمان! 

منى: مش مصدقاك، هلبس وانزل اشوف الموضوع دة.

معتز: طيب ممكن أمشي أنا؟ هتأخر كدة.

منى: لأ، مش هتمشي غير لما أعرف فين الباقي، مش على أخر الزمن ابني يسرق مني.

"ذهبت لتبدل ملابسها، تاركة خلفها ابنها المصدوم وقلبه الذي تهشم للمرة المليون.

نزلوا وذهبوا إلى البقالة و.."

منى: سلام عليكم.

مالِك البقالة: عليكم السلام.

منى وهي تعطيه الورقة: ابني "معتز" اشترى الحاجات دي من شوية، والمفروض يتبقى 10 جنيه صح؟

مالِك البقالة بعدما تفحص الورقة وما فيها: لأ، كدة تمام، هو عطاني 70 جنية ودة سعر الطلبات دي فعلًا، بس الأسعار غِلَت.

منى: طيب تمام، شكرًا.

مالِك البقالة: العفو على إيه

"بعدما خرجوا"

معتز: إنتِ مش بتثقي فيا يا ماما؟ لدرجة إنك تحرجيني بالشكل دة! أنا مش حرامي علشان أسرق، وبعدين يوم ما أجي أسرق، أسرق أُمي!

منى ببرود: مين يعرف؟ ياما في حرامية وأهلهم ميعرفوش.

معتز بصدمة: ما..

قاطعته منى: يلا روح على درسك، مش عايزة كلام.

(تركته وعادت إلى المنزل، تاركة خلفها فتى بِقلب مُتهَشِم مرة أُخرىٰ.) 

..

"في اليوم التالي".

خرج معتز من غرفته فوجد والداه، "عمرو" و "منة".

معتز: صباح الخير.

صبحي ومنى: صباح النور.

كرر معتز مرة أُخرى موجهًا حديثه لـ "عمرو" و "منة": صباح الخير.

(نظرا له ولم يردا، شعر بالغضب فَـ..) 

معتز بنبرة صوت عالية موجهًا حديثه لـ "عمرو" و "منة": إنتم مش سامعيني يعني!! 

صبحي: وطي صوتك، احنا مش ماليين عينيك ولا إيه!!

معتز: يا بابا وجهت ليهم الكلام أكتر من مرة ومردوش عليا و..

صبحي: ولو متعليش صوتك عليهم أبدًا إنتَ فاهم!!

معتز بخنقة: حاضر.

..

(بعد مرور شهور.) 

منى: العيد كمان 3 أسابيع يا صُبحي، محتاجين كام حاجة بس.

صبحي: اكتبي كل حاجة في ورقة واحسبيهم وهاتيها.

منى: أنا كاتباهم وحاسباهم فعلًا.

(أخذ منها الورقة ووجد أن المصاريف تفوق قدرته فـ..) 

صبحي: مش هقدر أدفع كل دة، شوفي إيه اللي مش مهم وقلليه.

(أخذت "منى" منه الورقة وقامت بوضع علامة على الأشياء المهمة.) 

منى:اتفضل.

صبحي: كويس كدة.

منى: بس "معتز" مش هيزعل لما يلاقي "عمرو" و "منة" ليهم هدوم جديدة وهو لأ؟

صبحي بلا مُبالاة: لأ، فكك، بصي كدة.

(في نفس الوقت كان "معتز" ذاهب لِوالده ليخبره أنه يوجد أحدًا ما يريده على الهاتف، فَسِمع بدون قصد هذا الحوار القاسي، فَتَهشّم قلبه مرة أُخرى.) 


(عودة للوقت الحالي.) 

معتز: الحمدلله على كل شيء، يارب إنتَ عارف أنا تعبت قد إيه، معدتش قادر أستحمل، أنا لوحدي، معنديش صحاب وحتى أهلي مش بيدعموني، دايمًا شايفني فاشل ومش بذاكر حتى لو لسة قايم من على الكتاب مش بيثقوا إني كنت بذاكر، عمرهم ما وثقوا فيا أبدًا، ولا وثقوا إني أقدر أجيب مجموع وأجيب طب، يارب وفقني وساعدني، أنا مليش غيرك. 

.. 

(بعد انتهاء اليوم الدراسي عاد لمنزله بَدّل ملابسه ثُم ذهب ليساعد والده في الورشة ليجد مَا يخطف أنظاره وقلبه.) 

معتز: بسم الله ماشاءالله، مين دي يا بابا؟ 

صبحي: غض بصرك يا ولد إنتَ! 

معتز: أستغفر الله، حاضر، قولي بس هي مين وعندها كام سنة وكدة. 

صبحي بملل: "رهف آل كمال" 16 سنة، بنت صاحب الورشة، ومتفكرش تتكلم معاها؛ لإنها أكيد مش هتبص لواحد زيك. 

معتز بضيق: مش هتبصلي ليه يعني؟ 

صبحي: مش عايز كلام كتير، كمل شغلك علشان تلحق تروح الدُكان. 

معتز: حاضر. 

(أكمل عمله وغَض بصره عنها، أنهى عمله ثُم..) 

معتز بتعب: بابا أنا همشي، خلصت كل اللي مطلوب مني. 

صبحي: كويس، روح على الدُكان ومتتأخرش.

معتز بتعب: حاضر.

(كان الدُكان في منتصف الشارع، فَوصل سريعًا، كان يعمل ويذاكر في نفس الوقت، وعندما كان يذاكر ليرى ما يصدمه..) 

رهف: سلام عليكم. 

معتز بفرحة: عليكم السلام. 

رهف: لو سمحت كُنت عايزة إزازة مايه بس. 

معتز: حاضر ثواني. 

(جلب لها الماء و..) 

معتز وهو يعطيها الزجاجة: اتفضلي، عايزة حاجة تانية؟ 

رهف وهي تعطيه المال: لأ، شكرًا لحضرتك. 

معتز: حضرتك؟ 

(ذهبت "رهف" تاركة خلفها نبتة لطيفة زُرِعَت بِلُطف في قَلب "معتز".) 

.. 

بعد مرور شهر.

(وفي خلال هذا الشهر تطورت علاقة "رهف" و "معتز"، أصبحوا أصدقاء بُحُكم عمله في نفس الشارع الذي يعمل فيه والدها، وأحيانًا يعمل في ورشة والدها أيضًا، لم يعترض والد "رهف" أو والد "معتز" على هذه الصداقة قَط، لذلك تطورت الصداقة سريعًا وبسهولة، خاصةً أن التعامل معهما كان لين، لم يَكُن بِهُ تعقيدات أبدًا، تردد "معتز" كَثيرًا أن يعترف بهذا الشيء لنفسه لكنه فعلها "لقد وقع "معتز" في حُب "رهف" بالفعل."

وفي يوم..) 


(الدُكان.) 

رهف: سلام عليكم. 

معتز: عليكم السلام. 

"أخذت "رهف" ما تُريده ودفعت المال و.."

معتز بتوتر: رهف، ممكن طلب؟ 

رهف: طبعًا، اتفضل

معتز: ممكن نخرج أنا وإنتِ بكرة إن شاء الله؟ بما إن بكرة الجمعة وكدة كدة أنا وإنتِ مش علينا دروس أخيرًا، فَممكن نستأذن أهلنا ولو وافقوا نخرج؟ 

رهف: أنا معنديش مانع، بس مش عارفة بابا هيوافق ولا لأ. 

معتز: اسأليه وأنا هسأل بابا ونشوف كدة، تمام؟ 

رهف: تمام، لو خرجنا هنخرج على الساعة كام مثلًا؟ 

معتز: ممكن 4 العصر؟ لإني حابب نقضي اليوم كله مع بعض وكدة. 

رهف: وأنا موافقة جدًا. 

معتز: خلاص اتفقنا، اسألي باباكِ وأنا هسأل بابا ونشوف. 

رهف: تمام، سلام. 

معتز: سلام. 

(في منزل "معتز" بعد انتهاء فترة العمل.) 

معتز: بابا، ممكن طلب؟ 

صبحي: خير؟ 

معتز بتوتر: أنا حابب أخرج مع رهف بكرة؟ ممكن؟ 

صبحي: مينفعش طبعًا! 

معتز: ليه؟ دة هي مرة واحدة، وبعدين احنا مش بنتقابل كتير و.. 

صبحي: مينفعش يكون بينكم علاقة حتى لو صداقة واحنا عارفيين، أنا موافق على الموضوع علشان..مش عارف علشان إيه والله. 

معتز: ط.. 

صبحي: الموضوع منتهي، طلبك مرفوض. 

معتز: طيب. 

(ذهب لغرفته وأخذ هاتفه وقام بإرسال رسالة نصية إلى رهف: بابا رفض، أنا أسف، كان لازم أسأله قبل ما أقولك. 

ترك هاتفه بضيق وبعد قليل وصلت له رسالة من "رهف"..) 

رهف: عادي ولا يهمك متتأسفش، بابا كمان رفض. 

معتز: حصل خير، طمنيني عنك؟  

رهف: الحمدلله، هروح بكرة إن شاء الله علشان أكشف زي ما قولتلك. 

معتز: ابقي طمنيني عليكِ بالله، وبإذن الله خير.

رهف: بإذن الله، حاضر. 

معتز: هقفل وأروح أذاكر شوية. 

رهف: تمام، سلام. 

معتز: سلام. 

(ترك الهاتف وبدأ في المذاكرة، وبعد انتهائه من بعض الدروس، خلد إلى النوم.) 

"في اليوم التالي". 

(استيقظ "معتز" ودلف إلى المرحاض، توضأ وصلى فرضه وخرج ليتناول الفطار، ثُم ذهب مع والده و "عمرو" لصلاة الجمعة. 

بعد انتهاء الصلاة، ذهب إلى الدُكان، وكان يتفقد هاتفه كُل 5 ثوانٍ تقريبًا. 

عاد إلى المنزل في تمام الساعة الـ "7"، حاول الإتصال بـ"رهف" كثيرًا لكن لم ترد. 

وفي يوم "الجمعة التالي" كان "معتز" في الدُكان و..) 

رهف: سلام عليكم. 

معتز بفرحة: عليكم السلام، إنتِ كويسة؟ مكنتيش بتردي الإسبوع اللي فاتت ليه؟ كله تمام؟ 

رهف بابتسامة لطيفة: أنا أسفة، حصل ظروف كتير معرفتش أمسك الموبايل ولا أعمل أي حاجة. 

معتز: حصل خير، المهم طمنيني عنك؟ عملتِ إيه في الكشف؟ 

رهف بتوتر: مش حابة أتكلم هنا ممكن تيجي نقعد في جنينة عامة؟ بحب الجو هناك أوي.

معتز: مش عارف، ثواني كدة. 

(اتصل بِمالِك الدُكان، وأخبره أنه لن يستطيع أن يظل هذا اليوم في الدُكان، وبعد قليل وافق على مغادرته هذا اليوم مُبكرًا، أغلق الدُكان، وذهبا معًا إلى حديقة عامة.) 

" في الحديقة". 

رهف: أنا بحب الجنينة دي أوي، بحس إن الناس هنا جميلة أوي وطيبة وهادية "أكملت بضحكة خفيفة" رغم إني متعاملتش معاهم. 

معتز: معاكِ حق، قولي عملتِ إيه في الكشف؟ إيه الأخبار؟ 

رهف محاولة تغيير مجرى الحديث: بقولك إيه تيجي ناكل درة؟ أنا وإنتَ بنحبه، وفي راجل هناك بيبيعه أهو. 

معتز ناظرًا لموقع الرجل: حاضر، ثواني.

(ذهب "معتز" واشترى الذرة المشوي وعاد إليها). 

معتز: اتفضلي. 

رهف: شكرًا جدًا. 

معتز: العفو على إيه؟ 

(جلسوا 3 ساعات في هذه الحديقة، ثُم أخبرت" رهف" "معتز" برغبتها في الذهاب إلى "Dream Park"، وافق وذهبا إلى هُناك، قاما بالدخول إلى الكثير من الألعاب، قضا وقتًا لطيفًا جدًا معًا، بعد أن خرجا..) 

رهف: أنا فرحانة أوي أوي بجد. 

معتز: وأنا كمان والله، بس جعان أوي. 

رهف: وأنا كمان، عايز تاكل حاجة معينة؟ 

معتز: لأ، وإنتِ؟ 

رهف: نفسي في فول وطعمية. 

معتز: عظيم، تعالي نروح على أجمد مطعم فول وطعمية في مصر علشان خاطر عيونك.

رهف بخجل: شكرًا ليك. 

(ذهبا وتناولا الطعام، وعصير القصب أيضًا، والتقطوا الكثير من الصور سويًا، كان أجمل يوم قد مَر عليهما. 

كان أول يوم لـ"معتز" وهو بعيد عن الدراسة، مشاكل العائلة وعدم ثقتهم فيه، وتفضيل "عمرو" و"منة" عليه، وإرهاق العمل.) 

معتز: هسألك مرة أخيرة ومتغيريش الموضوع فضلًا، عملتِ إيه في الكشف؟ طمنيني. 

رهف بابتسامة حزينة: كشفت وعملت فحوصات وحاجات كتير أوي، واكتشفت إني..إني عندي كانسر. 

(وقع الخبر على "معتز" كَالصاعقة، ظَل لدقائق ليستوعب الأمر و.. 

رهف: معتز؟ إنتَ كويس؟ 

معتز: ها؟ نعم؟ هو اللي أنا سمعته من شوية دة كان حقيقة؟ 

رهف بحزن حاولت إخفائه بابتسامة لطيفة: أيوة. 

معتز: بإذن الله هتتعالجي وهتبقي بخير، أنا واثق من دة، إنتِ قدها صدقيني وأنا بجد واثق في ربنا وفيكِ. 

رهف: شكرًا ليك،وإنك دايمًا معايا وفي ضهري، بقينا اصحاب من شهر واحد بس، لكن بجد فَرَق في حياتي كتير بجد، شكرًا ليك ولوجودك. 

معتز: رهف أنا لو قولتلك حاجة دلوقتي هتلطشيني قلم؟ 

رهف بضحكة: أكيد لأ. 

معتز بدون تفكير: رهف أنا بحبك. 

(أصبح المكان صامت فجأة، لا نسمع فيه إلا دقات قلوبهما، قلوب صغيرة وبريئة نَمَت فيها بِذرة حُبهما النقي.) 

معتز: رهف..

رهف وقد احمرت وجنتيها: أنا..أنا لازم أروح، مينفعش أتأخر أكتر من كدة. 

معتز: طيب يلا. 


(بعد مرور ستة أشهر.) 

(في هذه الفترة، بدأت "رهف" رحلة علاجها، وبالطبع لم يتركها "معتز" حتى في فترة امتحاناته، دعمته في هذه الفترة، وهو كذلك، دعمها في امتحاناتها وعلاجها أيضًا، نجحت "رهف" وانتقلت للصف الثالث الثانوي، و"معتز" أنهى امتحاناته بالفعل، وبعدما أنهى امتحاناته بيومين فقط اعترفت له بحبها.) 


(مرضت "رهف" اليوم فجأة فَقاموا بنقلها إلى المستشفى، مَر هذا اليوم على والداها و"معتز" ببطئ، وما أقلق "معتز" أيضًا أن إعلان نتيجته ستكون في اليوم التالي.) 

(في اليوم التالي.) 

(استيقظت "رهف" وبحثت بعينيها عن "معتز" حتى وجدته، ركض وأخبر الطبيب وبعد دخول الطبيب غرفة "رهف" لكي يفحصها، وجد "معتز" "عمرو" يتصل بِهِ و..) 

معتز: س..

عمرو: تعالى بسرعة. 

(أصاب "معتز" القلق، فَركض حتى وصل إلى المنزل، وجد أن نتيجة امتحاناته ظهرت بالفعل، كُل شيء كان يسير معه بسلاسة، وفجأة ظهرت نتيجته، لتكون صادمة للجميع.) 

معتز بصدمة: مستحيل. 

لأ بجد! أنا تعبت، تعبت كتير علشان أجيب طِب، يارب

(بدأ في البكاء فعانقته والدته، فبعدها عنه بسرعة..) 

معتز: ابعدوا عني، مش عايز حد معايا. 

(دلف يبكي في غرفته، وبعد وقت ليس قصير، قرر الذهاب للمستشفى التي توجد بها "رهف"؛ لأنه كان يعلم جيدًا أنها هي فقط من تستطيع جعله بخير وأن تجعل قلبه يهدأ قليلًا.) 

وصل إلى المستشفى وإلى غرفة "رهف" ليجد جسدها كله مُغطى بشيء أبيض وبجانبها والداها يغرق وجههما الدموع، تحرك ببطئ و.."

معتز: إيه اللي حصل؟ فين "رهف"؟ 

الطبيب: البقاء لله. 

(وقع الخبر عليه كالصاعقة، ركض ناحية فراشها و..) 

معتز ببكاء شديد: ليه سيبتيني لوحدي ومشيتِ؟ إنتِ عارفة إني مليش غيرك، معنديش صحاب ولا حد بيحبني في الدنيا كلها قدك، محدش بيدعمني غيرك، ولا بفرق مع حد غيرك، ليه سيبتيني لوحدي في العالم دة!! دايمًا كنتِ بتقوليلي إنك مش هتبعدي عني، وإننا دايمًا هنبقى مع بعض، كُنتِ واثقة فيا وإني هجيب طب وإني هحقق كل الي نفسي فيه، خذلتك ومجيبتش طب أنا أسف، أسف إني سيبتك ياريتني ما روحت أجيب النتيجة ولا مشيت من جنبك، أنا أسف بجد، إنتِ وحشتيني، وحشتيني أوي والله، أنا عارف إنك بتهزري معايا وإنك هتقومي دلوقتي وهيكون مقلب، قومي ووالله مش هزعل منك، طيب أقولك على ذكرياتنا يمكن تخلصي المقلب دة وتقومي؟ فاكرة أول مرة خرجنا لما روحنا الجنينة اللي بتحبيها؟ فاكرة اليوم دة كان جميل إزاي؟ كانت أول مرة في حياتي أفرح كدة، إنتِ كُنتِ ضوء الأمل اللي في حياتي اللي نورها من جديد، قومي بالله عليكِ، قومي أنا مش هقدر أكمل من غيرك، أنا اتهزمت، كُل حاجة هزمتني، حُبنا هو اللي كان مقويني، أرجوكِ قومي، علشان خاطري قومي متسيبنيش لوحدي.

أنا حياتي من غيرك جحيم يا "رهف"، أرجوكِ قومي، "رهف" أنا بحبك.


(مَر سنة على ما حدث، في خلال هذه السنة انعزل "معتز" عن العالم بِأكمله، لم يعلم أي أحد عنه شيء، حتى أسرته، لم يعطي لِأحد الفرصة ليتحدث معه، لم يذهب إلى أي مكان، طعامه كان قليل، أحيانًا كانت تمر أيم ولا يأكل، تَحوّل 180 درجة، من إنسان جميل يحب الحياة في وجود "رهف" لإنسان يبغض هذه الحياة وما فيها وينتظر وفاته بفارغ الصبر.) 


رَحلَت رهف عن عالِم "معتز" وتركته حُطام رَجُل. 

سماء محمد الطنطاوي|همج لطيف

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع