القائمة الرئيسية

الصفحات

مقال "الحوار بين بوح وأسرار"

من سلسلة شيفرة الرواية

محمود محمد

من ادوات التعبير الأساسية لكل روائي الحوار، وهي من الثنائية الظاهرة من الشكل البنائي، فلا يظهر من البنية الروائية علنًا إلا السرد والحوار، ويطرح عن طريقهما البنية الروائية عامة.

•ما هو الحوار؟

لسان الرواية والشخصيات، فينقل الحوار بنوعيه، الحوار مع النفس والحوار مع الغير، مجريات الحياة ويضفي عليها واقعية ويضخ بها الدماء.

مهارات الحوار: 

-أن يخدم الرواية.
-أن يتلائم مع المستوى الفكري والثقافي للشخصيات.
-أن يبرز معالم الشخصيات وخصالها.
-أن يمتاز بالتشويق والجاذبية.
-أن يبرز هدف الرواية وقصتها.
-يبرز العقدة ويمهد للحل.
-أن يكون سلسًا متتابعًا.
-أن يوزع بين الشخصيات كلًا حسب حجمه في الرواية.
-أن يكون لكل شخصية منطقها الخاص ومنطوقها، وهيكلها الكامل.
-أن يتم المزج بين أنواع الحوار (مونولوج داخلي، ديالوج خارجي)
-أن يوزع في مستويات الحوار.
-أن يستخدم دون إسهاب.

•تقنيات الحوار: 

تأتي الطرق والمسميات وكل ذلك؛ لطرح الهدف المرجو منه، فبأي طريقة توصلها فهي صواب.

تعتمد تقنيات صياغة الحوار، على الشخصية المنوط إتيان الكلام منها، ونوع السرد المستخدم، فحينما يكون الراوي بطل القصة يأتي الحوار على لسان نفسه، وحين إتيان الراوي العليم يكون الحوار كله سجال بين جميع الأطراف.
يأتي الحوار مميز عن السرد بطريقة ما؛ لتنبيه القارئ وعدم تشتيته، ويراعى ذلك مهما تباينت الآليات.
-من الكُتاب من يضع الجمل الحوارية بين علامتيّ تنصيص.
فقالت «أنا لنفسي وما دون ذلك إلى زوال»
-ومنهم من يستغني عن القوسين ويضع الجملة الحوارية على سطر منفردة يسبقها شرطة صغيرة.
قال لها :– مهما طالت المسافات سنلتقي.

وقد تأتي بطرح الحوار ممزوجًا بالسرد مباشرة؛ لتخفيف الإطالة الغير مرغوب بها، ولنقل إحساس الراوي من وجدانه، ولتجنب الترهل الإيقاعي، فتأخذ الجمله الحوارية الأساسية وتضيف مفادها من السرد وتكمل بعد ذلك، وعدد من الأساليب الأخرى.

وثمة اعتبارات شكلية يجب عدم تجاهلها، فحين ورود جملة حوارية لشخصية جديدة فيجب أن نبدأ بها فقرة جديدة بدل أن نكمل على نفس السطر.
ومن الكتاب من يحرص على وضع فعل قول في كل جملة حوارية، من قبيل أجاب، قال، همهم قائلًا...، غير أن الإلزام فيها غير ضروري، فالقارئ يدرك تلقائيًا انتقال الحوار من الأول للثاني.
والبعض الآخر يرى المزج والابتكار في التنويع في فعل القول، على غرار هتف، صاح، أردف، أعلن، وغير ذلك الكثير، ألا وإن كل زيادة في أمر لا تأتي إلا بخسران، وقد تحول إلى مضايقة القارئ.

لا بأس من محاكاة الواقع في الحوار المصنوع، لكن الحوار الروائي ليس مطابق للحوار العادي، فيمكننا التعبير عن التأوه أو التلعثم أو غير ذلك من الأفعال الحياتية، لكن الإفراط فيها أو في أي شيء يأتي بنتاج عكسي.

-الحوار مرآة الشخصيات

نأتي من الحوار بعدد من المعلومات عن الشخصية الناطقة به، من طباع، ومجموعة المفردات المستخدمة، فلكل شخصية نكهتها الخاصة وقاموسها، وكيفية استخدامه، ويبين منها جوانب التكوين بالأخص التكوين النفسي والاجتماعي، وطريقة الاستخدام تضج بالأفكار والتفاصيل ولكل منها دوره، فقد يستخدم الجمل الحوارية القصيرة المندفعة، والجمل الاعتراضية لتؤدي دورًا ما، وقد يأخذ مسلك من جمل ثقيلة متوازنة بها من التؤدة ما تؤدي به دور.
ولكل وصف للحوار ومناسبته دلالة، وبلغة الجسد دلالة أخرى، ولجمع كل هذة العناصر دور فعال في البنية الروائية للعمل الروائي.

-قل رسالتك دون نطقها: 

في كثير من الأحيان نرسل رسائل مشفرة، سواء باعترافنا بالحب عن طريق التلميحات، أو كلمات ممزوجة بحركات انفاعلية إرادية تطلق في نفس ملتقيها معنى معين، ذلك في الحقيقة، وأيضًا في الرواية.
يمكننا ذلك في البناء الروائي بعدد من الطرق منها المباشرة ومنها الخفية، فبعضها بتخلص بتوظيف السرد كواصف للجسد يلحظ الإيماءات، ويحللها، وينتجها بشكله الجديد، أو سرد آخر يلحظها ويهيأ تحليلها للقارئ ليفسرها كما شاء.
أو يمكن اجتذاب الشخصية وإجبارها على البوح، أو إتيان لحظة مع نفسها، مع مذكراتها، وغير ذلك الكثير.

•لكن ما نفع الحوار؟ 

«القصة الجيدة هي الحياة نفسها، منزوع منها الأجزاء المملة» ألفريد هيتشكوك.
وكذلك الحوار، فكل موقف راسخ في ذاكرتك هو بناء لقصة جيدة، إن لم يكن قصة جيدة بحد ذاته، وحين نزعك منه الأجزاء المتكررة أو غير المضيفة يكون العمل في أمثل صورة له.

يلعب الحوار دور حيوي في العمل الفني، ليس فقط مجرد كلمات أظهر على لسان الشخصيات، بل هل مصداقية العمل الفني ورسالته.

•طبيعة الحوار: 

الحوار هو لسان الشخصيات، مفتاح معالمهم الشخصية، أسرارهم، انفعالاتهم، كل ذلك يعبر به عن طريق كلمات، فلا يصلح أن تكتب على لسان جماد.

يطرح الحوار أحد الحلول لتطوير الحبكة ويتطور إلى أن يكون هو محرك الأحداث، وما يحدد اتجاة السرد.
يأتي الحوار ليخفف من وطأة السرد الرتيب من وصف الحركات الجسدية، وتصفية الأجواء بقليل من الكلمات التي تدفع الدم داخل الشرايين، ويضيف أيضًا المصداقية فبعد تكوين الشكل البصري من السرد يضفي الحوار طبقة الصوت ويشكل الصورة لحياة بها من كل ما يقتات الشخصيات، فالسرد وحدة غير كافي، بل يلزم معه جمل حوارية حسنة الصياغة.

-مهمة الحوار: 

في الأساس يؤدي الحوار أدوارًا هامة في الرواية من كشف الشخصيات، وتطوير الحبكة، والصعود بالصراع، وإضفاء الحياة في الرواية، ومهدء جيد بين كتل السرد المرهقة، ويكون الحوار المصاغ بشكل سليم عظيم لا يمكن الاستغناء عنه، فحين وجود حوار مترهل نسبيًا يسمح بشرود القارئ أو غياب ذهنه، فذلك لا يضفي على الرواية أو يزيد من الحبكة، أما عند وجود حوار لا يمكن الاستغناء عنه، بكل كلمة منه رسالة تضيف للحبكة، ولكل مشهد منه ملامح وتطوير، بلا أي إطالة، فذلك يضفي على الحوار وكل كلمة به ثقلها وأهميتها.

المصادر: 

-الحكاية وما فيها.
-الكتابة الوظيفية والإبداعية.

محمود محمد|همج لطيف

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع