القائمة الرئيسية

الصفحات

 مقال "الحبكة بين تعسير وتغيير"

من سلسلة شيفرة الرواية

محمود محمد

لكل كاتب روائي عدد من وسائل التعبير والنفاذ للقارئ، عدد من الدهاليز، والحرف التي يتمرس بها، واهمهم، الحبكة، فبها يتم مزج كل عمله، من أساليب ورسائل وغير ذلك الكثير، وطرحها في صورة روائية ذات طابع مهيب، ولنطلع لها اليوم عسى أن يأتينا من الأمر الكثير.


-الحبكة

"هي محاكاة الحدث وترتيب الحوادث"أرسطو


سياق الأحداث وشكلها وترابطها وما يؤدي إلى الخاتمه، وما بها من تصادم مشاعر واهواء، والأحداث الخارجية، وما يثير المشاهد والسماع واندماجه مع الشخصيات الواقعية أو الرمزية المتحركة، ويمكن الجزم بأن الحبكة هي سلسلة من الأحداث المسببة.

والحبكة اسلوب أدبي غير ملموس بكلمة بعينها، فلا يمكننا الوقوف على كلمة في الرواية تكون هي الحبكه، أو غير ذلك، بل هي البناء الكامل للرواية من سير أحداث ونزاعات وغير ذلك.

ولو أردنا التعرف على الرواية فهي أشبه بفرد أحداث وتساؤلات منذ البداية وتزداد في الوسط متعرفه على عدد من أسبابها وتمهيد الختام، ويأتي الختام مجيب على كل التساؤلات وإن كانت الإجابة غير موضوعه ضمنيًا.

ونعرف الحبكه كما قلنا بأنها أحداث مسببة لما بعدها، وذلك ما يضع فرقًا بينها وبين الحكاية، فلو وضع امتحان وذهب أحمد لحضور المدرسة تلك حكاية، أما لو وضع امتحان وذهب أحمد مستذكرًا دروسه لحضور الامتحان فهنا حبكة، وذلك يأتي إلى تكوين ثلاث احداث الأول فيهم سبب للثاني وكلاهما مسبب للثالث، ولو كان الترتيب غير مهم فمن الممكن أن يلعب بها كما تشاء، لكن مع ترك عناصر مشتبكة ذي أسباب ونتائج.

وتأتي الحبكة كبركه راكدة مياها، تنتظر هطول المطر، أو إتيان السيل، أو على الأقل إلقاء حجر بها، أي شيء يغير من حالتها الساكنة.

وتكون عن طريق الإضافة التدريجية، مما يعني أنها يمكن أن تبدأ بأي شيء، بشخص، أو مكان، أو كلمة أو تيمة، تتعاظم وتزداد ومن هنا تكتمل مكونه الحبكة.

والحبكة أيضًا هي سلسلة من الأحداث، المتداخلة، أو المتفرقة، لكن تقترب وتوجد بينهم رابط، بَيِن أو مبهم.

وأتى بول جودمان يقول: إن أية منظومة مكونة من أجزاء، تتصل وتستمر، وتتغير من البداية للنهاية فما هي إلا حبكة.

وتباينت التعريفات والاقاويل، لكن اتفقت فيما بينها على أن الحبكة هي تركيبة ذهنية للعلاقات الموجودة بأحداث الرواية، وتلاقيها، وهي إرشاد المؤلف، وسيطرة تنظيمية يلحظها القارئ، وبذلك تكون الحبكة هي التي تعطي للعمل الفني بنيته ووحدته.

التيمة:

ولو طرحت للحبكة بداية وأسّ لكانت التيمة وهو الموضوع المطروح الذي يخرج به القارئ على هيئة رسالة أو درس، وتتكشف عن طريق عدد من عقبات يلقاها الشخصيات، من أجل تحقيق الهدف.


وللحبكة عناصر تكونها، باختلاف المسميات، لكن تظل ثابته ومتعارف عليها ألا وهي

-العرض: وبه يطرح الفكرة الأساسية للرواية من فعل وحدث، وفكرة، وينطلق منه الصراع ويتطور، وقد يبين الصراع هنا أو يرجئ إلى بداية الصراع.

-حدث الصعود: تبدأ الأسباب تتمهد من العرض وتطرح لنفسها عقدة تتشكل ببطء.

-ذروة(الأزمة): هنا حيث أعلى درجات التكثيف والتأزم في الحبكة حيث تتصاعد حدة الأحداث معلنه عن حرب ستنشب، وهنا تصل حدة الصراع أعلاها، ويوجد عدد من أنواع الصراع (صراع مع الطبيعه، صراع مع البشر، صراع مع الذات، صراع مع القدر والتفكير في المصير)

-الحدث السقوط: تبدأ حدة الأحداث بالتلاشي تدريجيًا تمهيدًا لحل قريب، أو انتكاسة!

-الحل(النهاية): "نهاية رحلة البحث بالتتويج بثمر عظيم" 

يتم في عناصر الحبكة منذ بدايتها طرح خيوط.. متشابكة، أو مفككة، بأول كل خيط سؤال، ولجوابه تتقدم نحو النقطه القادمة، فمن العرض تأتي بخيط واحد، به موقف، وشخصية، وتمهيد منطقي لصراع، كقارئ لم لا أكمل لأري ماذا سألتقي في تصاعد الأحداث، فلا ألقى إلا ما تمنيته، من عقدة تنمو، وصراع يتزايد من كل مكان، فأتشوق أن أكمل، لأصل إلى ذورة الحدث، وذلك ما تحتدم به الرواية وما بها من أفكار، وتتشابك بها كل الخيوط، وما ألبس أن اصل إلى ما رجوته، إلا أنني انتظر الإجابة على السؤال الأول، وذلك يأتي في حدث السقوط، حيث تبدأ حدة الأحداث بالتراخي، وما بالخيوط من تشابك إلا أجدها قد تفككت، واتجهت تريد الإفصاح، وهنا طرح منطقي للنهاية، وأتي للنهاية فأجد بها من العبر الكثير.




وللحبكة أشكال: 

-حبكة بسيطة: 

وبها تثير الأحداث الأول سبب في الثاني وما سبق سبب للثالث ناحية النهاية وما بها من تكشف وحل لما سبق السؤال عنه في البداية والوسط.

-حبكة معقدة: وتأتي الأحداث بها متداخلة دون ترتيب محدد، أو اتصال محدد.


•التطبيق

بعد معرفة العتاد الذي يعينك على بناء الحبكة، فعليك معرفة كيفية استخدامة وتطبيقه بشكل هو الأمثل لك ككاتب سواء كان بإظهار الحبكة وجعل معالمها بارزة للتركيز على المضمون، أو طمسها لتتداخل مع بقية العناصر الأخرى ويكون هنالك مزيج محكم للإطار القصصي الموجود ويصعب على القارئ أن يقف على عناصر الحبكة الأساسية إلى بعد جهد.

-اخفاء الحبكة وإبراز الموضوع: 

ويأتي ذلك في إطار البداية حيث قد يأتي الراوي من سرد مجرد موقف واستغلالة استغلال أمثل في خلق انفعال ومنها إلى تكوين الحبكة بمجرياتها الكاملة.

ومنهم من يقوم باستخدام الغموض كمحرك أساسي للأحداث، حيث يتم البدء من نقطه هي أقرب للعدم، أو من مجرد كلمة تثير الأحداث دون ترتيب مسبق، وتأتي بهذا النسق بطرق عده واهمها آلية ثابته بعدد من الخطوات وهي: 

-أن تطرح في افتتاحية الرواية بعض التلميحات ويتم بروزتها كي تستثير انتباه القارئ، وتكون عن المغزى العام الذي سيأتي فيما بعد بفرد أحداث أكثر.

-ابتكار الفصول والمشاهد التي تعتمد على فرد الخيوط المترامية لهدف بعينه، دون أن يكون هنالك تركيز حقيقي على الحدث الكامل بل يكون التركيز على البؤرة المرادة للموقف، ويكون التركيز على الحدث، ويطرح معالمه، وتأتي النقلة مغايرة لتوقع القارئ على الأغلب، ويتم عن طريقها تجنب أن تصبح أحداث الحبكة من النوع الواسع المترامي.

-أختيار الكتابة بالتلميحات ليدع القارئ يعمل عقلة في استخلاص وربط وكشف وتوقع الآتي وما غير ذلك، ويعتمد بذلك الكاتب ويضع أحداث غير مذكورة، أو بناء غير مذكور يكتفى بذكر ملامح أساسية منه ترمي خيوط تترامى فعليًا بعد ذلك بشكل بين.

-عدم إعطاء الفرصة للحبكة بالنمو على منحنى هادئ نسبيًا بل تعتمد على التكشف الجزئي المحرك للعقل والذي يعمل على زيادة الإيقاع بشكل متزايد.

-وضع إيقاع متغير ذو نغمة تميزه، كتيمة محركة للأحداث، واضعه أثر ثابت الشكل متغير الدرجة.


ومنهم الآخر من يأخذ مشهد واحد مفتعل به رواية كامله.

كل ذلك متفقين على أن الحبكة ذات قيمة فعالة كأداة التعبير.


-الارتكاز على حدث واحد:

ويمكن أن يكون الارتكاز على حدث واحد هو محور الأحداث، سواء كان حدث، أو شعور، أو شيء يجتذب الأحداث ناحيته هو لا مفر منه.


-قصة بلا حبكة: 

وهنا حيث تتماثل هذه مع المادة القصصية أكثر، وتسمى بالقصة القصيرة المخططة، أي أنها تخلو من الحبكة، حيث يجهل القارئ مكانها، أو أبعادها فلا يجد بها أي صراع، سواء كان لأن القصة القصيرة المخططة ليست بحاجه لها، حيث يقوم المؤلف بخلق انفعال من موقف ويكون هذة هي مادته، ويعتمد كليًا على الإندماج التام للقارئ حتى يوصله إلى الشعور بابطالها دون أدنى إهتمام بالصراع حينها أو عناصر الحبكة الأخرى.

ويأتي البناء بنسقين جزء منهم بشكل واعيٍ تمامًا وقليل منه يأتي بشكل غير ادراكي بدرجته الكامله، قد تكون هنا الموهبة، أو قد تكون كحس يكتسب، فهنالك عدد من الأرقام ترابها ونصيغها بطريقتها المثلى، ويخرج مع الأول بعض من عجين، ومع الآخر كنز ثمين.. فالحبكة فكرة، والكاتب هو ما يناولها الموضوع ويعبث بها بين طيات وعيه، ويسويها إلى أن تنضج بداخلة، ثم تخرج أمامه كما هي داخلة بثرة ثم شجرة مثمرة.


ومن الناحية التطبيقية فالحبكة في بادئ الأمر هي عدد من الأحداث المسببة، فلو أتينا مثلا صبغت ليلى شعرها باللون الأحمر، في تلك الليلة تناولت عشائها وحدها.

فتلك مجموعه من الأحداث ليس بها أي سببية مما يلغي الحبكة بها ويصنفها كحكاية، أما عن قولنا لماذا بلغت ليلى من الجبن حدًا لا يسمح لها بأن تعلم أصدقائها بأنها قد صبغت شعرها فقد تناولت عشائها وحدها.

نفس السياق، باختلاف العلاقة، وأحدهم حكاية، والأخرى حبكة، أو بوادر حبكة على الأكثر، وتختفي العلاقة السببية تدريجيًا منغمسة بين العناصر الأخرى، ولا يعثر لها على كلمة تتلخص بها أو تطرح بها، لكن تستشف من القارئ في مطلع كل فصل، أو حين انتهائه.

وإن كانت الحبكة تلزم لاستمرارها السببية لضمان وحدتها فإن الحدث هو الوسيلة التي يستطيع بها المؤلف اخفاء التسلسل وسترة، فحين طرح تساؤلات في بداية الحدث، تبقى تسلسل الحبكة السببية في ثنايا إجابته للاسألة التي بادر بطرحها.

القرارات الانفعالية للشخصيات هي الدافع الأول للنهوض بالحدث والمضي به قدمًا، فهي الحافز به، والمحرك الأساسي (كما ذكرنا في مقال الشخصيات بين واقع وايهام) ويكون الدافع هو همزة الوصل، بين الشخصيات والحدث.


والحبكة هي وسيلة من وسائل التعبير، وهي أيضًا وسيلة لتوحيد الموضوع في القصة والرواية، وهي خيار المؤلف للتعبير عن طبيعة المصير الإنساني، وأهمية الإرادة في تحديد شكل الحدث.

ويأتي الإبداع في الحبكة امتداد لإحساس صاحبها، وثقل موهبته، وقدر انشغالها بها.


المصادر:

-الحكاية وما فيها.

-الرواية من الحبكة إلى الطباعه.


محمود محمد|همج لطيف

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع