القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة قصيره "المتضادان" 

بشائر حميد محمد

يسترعي إنتباهي غرورهما وعنادهما الدائمين متناسيين كوني أسحق تحت وطأة قراراتهم المتناقضة . أحاول الفرار ولكنهما يتبعانني ليزيدا علي إضطرابي ووجعي . وما جعلهما كذلك معرفتهما المسبقة لرضوخي الكامل لهما لأنهما صديقي المقربين . وفي أحد ألايام قررت أن أسافر لبعض الوقت لأعيد ترتيب مشاعري التي أهدرتها جزافا على أشخاص لم يقدروها أبدا في أحدى محاولاتي للبحث عن نصفي ألمتمم .. لم أحزم الكثير من الأمتعة لأخذها معي ، فقط هويتي وبعض ألنقود ، لم أخبر أحدا برحلتي هذه وقررت أن أذهب بمفردي ولكن وبغفلة مني عرف صديقاي بالأمر وصمما على الذهاب معي ، ولم يكن تركهما خيار وارد في تلك اللحظات التي أستعجل فيها الهرب ، خرجت مع أنبلاج أول خيوط الشمس وكانت نسائم الصباح الربيعي عذبة ومنعشة ، تأكدت من أقفال كل شيء واطفاء اجهزتي الكهربائيه كما أني تركت الكثير من البذور لعصفوري ( نادر ) وفتحت له باب القفص ووهبته حرية اختيار مصيرة ، لملمت شتاتي وخرجت وما أن وطأت قدماي عتبة الباب الخارجي قال لي أحد صديقي مؤكدا : هل اطفأت كل شيء ؟ وهل قمت بأقفال النوافذ والأبواب جيدا ؟

فأجبته : نعم . 

فكرر الأمر ثانية وألح بذلك فأجابه صديقي الثاني وكان يكبرنا ببعض ألسنين : يكفي قلقا وهيا بنا لنمضي . 

وبعد نظرات تنم عن خلاف دفين في الأولويات والخيارات بين صديقي أستقلينا ألسيارة وأنطلقنا بتلك الرحلة . أثناء المسير سألني صديقي الصغير : هل أخبرت أحدا بذهابنا .؟ 

فأجبته بالنفي فأمتعض وحنق جدا وبدأ يلومني على ذلك معللا حاجتنا لمعرفة الأخرين بخوفه علينا في حال حدث لنا شيء ما لا سامح الله .. 

- وهنا قاطعه ألكبير قائلا : أنت غريب جدا . منطقك يجعلك كحبل ألمشنقة ألذي يضيق الخناق على البؤساء. 

فأجابه : وهل خوفي علينا أمر خاطأ ؟

فأجابه : مبادءك العجيبه هي ما يخيفني فلولا ذلك لكنا في النعيم ألان .

- فقال الصغير بأهتياج : وكيف ذلك أيها المجنون ، الأحمق ؟ 

- الكبير : خوفك وقلقك يحرماننا من روعة الحياة وما طاب فيها . 

- فقال الصغير وهو يحتكم إلي : أنا فعلت ذلك ؟ 

لم أعرف كيف أجيبهم مع أحتدام آلخلاف والنقاش بينهما .

طلبت منهما أن يهدءا ولكن بدون جدوى ، وأكمل الكبير موجها حديثه للصغير ألذي يشعرك وقاره أنه يسبقنا بقرون : لن نسامحك على تفردك بالقرارات ، ولن ننسى إنك سبب شقاءنا . 

- فأجابة صديقي ألاخر وهو يشمر عن ساعدية : بل أنت سبب شقاءنا بتمردك على الحياة وواقعها ، أنت من يأخذنا دائما إلى شفير الوجع ، أنت هو الذي يقود معصوب العينين ، أخبرني ما هو السبب وراء رحلتنا الغامضة هذه ، ألست أنت سببها ؟!!. 

ثم أشار إلي وأكمل قائلا : ألست من أشار على هذا المسكين ان يخوض غمار الحب من جديد رغم كل الطعنات ألتي مزقت فؤاده ؟! 

فقال الكبير : أنا فعلت ذلك .. وهل مجاراتي لاحاسيس امر سيء .. وما ذنبي إن كان البشر أوغاد وحمقى . ؟!  

صراخهما أصابني بألم في رأسي فأوقفت السيارة على جانب الطريق وطلبت منهما أن يترجلا ، ففعلا ذلك بعد تردد ، نزلت ووقفت بينهما وطلبت منهما أن يعتذرا لبعضهما ، فنظر كليهما ألى ألاخر وأستحكم الكبرياء على الصغير ، بينما العناد الطفولي لجم لسان الكبير ، فأخبرتهما بأني لن أتحرك خطوة واحدة إن لم يعتذرا لبعضهما وفعلا أعتذرا على مضض وأكملنا الرحلة . 

كنت أسير بطريق خارج المدينة ولم يكن أمامي سوى الثرى والثريا وصادفتنا سيدة خمسينية تسير لوحدها في الطريق فتجاوزناها وأكملنا.. وبعد هدوء نسبي مر طويل الوقع علينا سألني صديقي الكبير : لماذا لم تقل تلك السيدة العجوز ألتي أشارت لك ؟ 

فأخبرته بإنها ستؤخرنا . 

فقال له الصغير : وماذا تفعل سيدة عجوز في مكان كهذا برأيك ؟ .

فأجابه : أنت عديم الرحمة والشفقه ..

وقبل ان يتقد فتيل الحرب مجددا اقسمت عليهما ان يهدءا لأني تعبت حقا . وفعلا صمتا وعم الهدوء .. وما هي إلا سويعات قليلة حتى أقبلت علينا عاصفة سوداء حجبت عنا رؤية نهاية ذلك ألطريق ألذي نسلكه ، سألني الصغير أن كنت اعرف وجهة هذه الرحلة فأخبرته بأني لم أخطط لشيء ، وبأني أحاول الفرار فقط . فأحمرت حدقات عينيه من ألغضب ثم طلب مني أن أعود أدراجي وقد صك أسنانه غضبا وكان يجلس في الكرسي ألمجاور لي . فقال لي الكبير وهو ينظر من النافذة إلى ألغبار والتراب الذي حاوطنا من كل جانب : لا تستمع له أنه هادم الملذات . أمضي بنا . 

- فقال له الصغير : أنه يقود بنا إلى ألمجهول يا أبله . 

- فقال الكبير : وما روعة الحياة أن لم نرفع ألستار عن غوامض ألامور وما نجهل . 

- فأجابه : حتى إن كان ألثمن حياتنا . 

- فقال وهو يبتسم بسخرية : لم تقرأ النهايات بسيئات الأقدار . أبتهج . 

- فقال الصغير وهو يشير لي بركن السيارة على جانب الطريق : دعاني هنا وأمضيا إذا فأنا لا أريد أن أشارك في هذا الجنون . 

ترجيته ألبقاء ولكنه أبى ذلك وأقسم على تركنا وكاد ان يقفز من السيارة لولا اني وقفت باللحظة الاخيرة . غادر وأختفى خلف تلك العاصفة . ومنذ ذلك الحين وأنا أعيش في دوامة لا نهاية لها. 

بشائر حميد محمد|همج لطيف 

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع