انقطع التيار الكهربى؛ ليفسح المجال بين الأرجاء للظلام،
وتعالت الأنفاس زفيرًا يسبقه شهيق طويل
وجد الطفل الصغير نفسه محمولًا على كتف أبيه، ويركض به خارج المنزل؛ هربًا وطمعًا في البقاء على قيد الحياة،
كان الظلام ينقشع كل هنيه والأخرى بنيران الإنفجارات، والعرق ينبعث منه رائحة الخوف، العيارات النارية تلتهم الأجساد
تشبث الطفل بوالده جيدًا، وعلى يقين أن بين ذراعيه الأمان جمًا، والأب يركض حافيًا لاهثًا، أين يهرب؟ فالموت يحاصره
كانت الأرواح تتسابق مع الأدخنة، أيهما سيصل لعنان السماء أولًا!
وأخيرًا، اختبئ الأب خلف جدار لمنزل مهدوم واضعًا طفله على قلبه؛ لكي يُشعره بالسلام، بعد دقائق اقتربت منهما خطوات، وتعالت أصوات لرجال غاضبين، انكمش الطفل داخل صدر أبيه قلقًا، انتزع إبنه من صدره، وسحبه خلف كومه ردم، وأخبره أن ينتظره هنا ولا يتحرك واحتضنه عميقًا، وركض نحو الرجال؛ فأفضل وسيلة للدفاع هى المباغتة بالهجوم
اختبئ الطفل وهو يبكي بصوت مكتوم خائف، وفي الصباح اختفت الشمس خلف الغبار، لا يوجد سوى أشعة خفيفة تكشف حقيقة ما حدث بالأمس
الجثث مُلقاه على جانبى الطريق، والأطلال تملئ الضواحي، وتمت محاصرة البلدة بالدروع العسكرية من العدوان، وذلك الطفل يركض باحثًا عن والده، حتى وجده مُلقى، مخضب بالدماء، هامد
ظل يهزه يتوسل أن يستقيظ، أن يعود معه للمنزل، أن يحتضنه، لا يعلم ذلك الصغير أن والده كان قربانًا للموت المجاني، أزاح ذراعه وتكوّم بحضنه، ولم يسمع لقلبه دقات، ولم يرى ابتسامته بين كل تلك الدماء على ملامحه
و مع ذلك، فهو يثق أن بين ذراعى أبيه الأمان جمًا، وخارجهما من غزو لن يصيبه أبدًا.
تعليقات
إرسال تعليق