القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة "رسالة إلى أبي"


الكاتبة: هُويدا عَاطف

مراجعة لغوية: إيمان طه


يسألوني لماذا تكرهين الرجال حسنًا، دعني ألقي على مسامعك قصتي مع أعظم رجل في حياتي أو من المفترض أن يكون كذلك المدعو "أبي"، أولًا يا صديقي عِدني أنك عندما تقرأ هذه القصة لا تشفق علىّ لأنني لا أحب أن أرى نظرة شفقة في عيون أحدهم علىّ الإطلاق، هيا بنا لأروي لك جزء من قصتي "أبي" ذاك الشخص الذي من المفترض أن يكون ضلعي الثابت الذي لا يميل، هو من تركني منذ ستة عشر عامًا أي بلغة الأرقام 5.840 يومًا لم أرى يومًا بل لم ألمح وجهه من الأساس مهلًا لا تنصدم أنا مازلت في البداية، أيضًا هو ذاك الشخص الذي كان يرفض الإعتراف بي، وليس هذا فقط بل كان ينوي قتلي؛ لأنني فقط جئت أنثى؛ لأنه في عقيدتهم المختلة أو بالأحري المتخلفة الإناث عار، وأيضًا نكرة ولا يصلحون لشيء سوى الإنجاب والتزاوج والمحافظة علي النسل، حقًا إنه لرجل غريب الأطوار لا يا صديقي، مازلت في بداية القصة هو أيضًا قام برفضي عدة مرات أتذكر منهم مرتين فقط، فأنا أروي إليك أحداث من عصر الطفولة وذاكرتي ليست قوية لتتذكر هذا الكَمْ من الذكريات، لا أريد الإطالة عليك دعني أخبرك بباقي القصة للمرة الأولى، كنت أحدثه في مكالمة هاتفية، وعمري كان يتراوح بين أربع إلى خمس سنوات كانت تلك أول مرة أسمع بها صوت أبي، أتذكر ذالك اليوم جيدًا هذا الصوت مازال يتردد صداه في أذني، قمت بقول إحدى كلمات السلام على الهواتف "مرحبًا" جائني صوته مجيبًا "إنتي لستي إبنتي إنتي نكره أنا لم يعد لدى أطفال لقد توفت إبنتي"، ثم قال لي كلمة بمعنى قبيح جدًا توقفت حواسي عن العمل برهة من الزمن، توقفت كل الأصوات من حولي أخذ الضوء يختفي من أمام عيناي تدريجًا شعرت بالهواء ينفذ من حولي سعمت دقات قلبي تزداد، وفجأة أخذت تقل تدريجًا، وألم يغزو جسدي تحديدًا من المنتصف ناحية الجهة اليسرى، كان ذاك ألم قلبي وفجأة اختفت الرؤية من أمامي لأستسلم لهذا الظلام الدامس، وأنا مازلت أسأل نفسي، أيعقل هذا أبي أيعقل هذا القلب القاسي، دمه يجري بين حنايا جسدي بعروقي أيعقل أنني فلذه كبده دقائق دامت علي بين وجعي وحزني، وأسئلة كبيرة علي عقل طفل في عمري وسمعت صوت أمي مجددًا تقول لي ماذا بك إبنتي، وجدتي حولي عينيها تفيضان بالدموع على حالي بعد مكالمتي لأبي، وتقول لي هو لا يستحقك أنتي نعمة كبيرة عليه، أنتي لست نكرة أنتي أجمل شيء، وأخذت تهدأ من روعي وهلعي هذا، وكان هذا أول موقف بيني أنا والمدعو "أبي"، مرت السنين والأيام على هذا الموقف وظن عقلي الصغير وقلبي البرئ أن أبي تغير، وعندما أحدثه مره أخرى سوف يأتي كي أراه ونجلس سويًا، وبالفعل تجرأت وطلبت من جدتي أن أحدثه هاتفيًا، ولكنها رفضت خوفًا على مشاعري مرة أخرى كي لا أتعب ثانيًا، وقالت لي أمك تقوم بمحادثة أحد أقاربه وتتوسط له؛ كي تجعل أباك يحدثك بطريقة رقيقة هذه المرة، وإن رفض لا تحزني بالفعل وافقت وقامت أمي بعمل تلك المحادثة الهاتفية وأتها الرد من الجهة الأخرى"مرحبًا" قالها الطرف الاخر لأمي وردت أمي عليه السلام قالت له "هويدا" تريد محادثة والدها رد الطرف الآخر نيابة عن لسان "أبي" محدثًا إياها بضع دقائق بكلام رفضت أمي ذِكره على ثم قال لها إن أبي يقول إنني غلطة في حياته إنني نكرة وإنه لا يريدني مرة أخرى ولا يرغب في محادثتي أو مقابلتي، بالاحري إنه يكرهني وإنه ليس لديه مولود يدعي"هويدا" أو ليس لديه أنثى ابنته، مهلًا هذه ليست المرة الأولى الذي يقول فيها ذاك الحديث نفسه هل قال مجددًا أنني نكرة، هل قال مجددًا أنني فاشلة وأنه رفض الإعتراف بي مرة أخرى، هذه المرة لم تتوقف حواسي أو اشعر بألم يغزو جسدي بل شعرت بالدماء تتدفق داخل عروقي، وأنني أكاد أن أحرق هذا الرجل الذي يحدث والدتي، وقمت بالرد عليه قائلة أتقوم بمراهنتي أنك بعد ست سنوات من هذا اليوم تقف أمام أكبر كاتبة ودكتورة علم نفس في الشرق الأوسط أتقبل يا "أبي"!! هذا الرهان أتى الرد من الجهة الأخرى إنه يقبل لأنني أنثى وبالاحرى سوف أكون فاشلة ولن أحقق أي نجاح وكان كلام "أبي" هذا ما يشجعني دائمًا على التفوق والنجاح؛ لاثبت أنني أنثى ولست نكرة وأنني لم أخلق لأكون أداة للحفاظ علي نسل البشرية فقط والتزاوج فيما بينهم، أن لي كيان وحقوق وإني نصف الحياة أيضًا، وبالفعل قمت بالعمل علي حلمي وأخذت أشيد سلم المجد لنفسي، ولاثبت للمدعو" أبي" أنني لست نكرة وأني أستطيع النجاح أيضًا، أظن أنكم عرفتم سبب مكرهتي لرجال وأنني دائمًا أقول عنهم بلا قلب وأنني لا أؤمن بالحب، وأنني دائمًا أشكك في كل العلاقات من حولي، حتى علاقة الأب بإبنته أصبحت بالنسبه لي في بعض الأوقات كذبة وليست حقيقة أيضّا أصبحت لا أثق في الجنس الآخر لا أصدقه أبدًا، وأعلم أنه ليس لديه نيه للوفاء بأي وعود يقوم بقطعها لشخص أمامه، فأمي أحببت أبي وتزوجته ووقفت امام الجميع وهو بدوره جرحها وجعلني وحيدة بدونها قام بوعدها أنهم سوف يكونان معًا بقية عمرهم وبعد الزواج الخاص بهم؛ نقض كل وعوده وقام بتعنيفها بأبشع الطرق التي تخطر على بالك والتي لم تخطر أيضًا، وتركني وتركها بين نزيف قلبها وحرمنها مني كي تكمل حياتها غصب عنها، فهي انفصلت عنه تحت عمر التاسعة عشرة أي كانت في ربيع عمرها، وكان عليها تركي كي تكمل طريقها وأنا لا ألقي عليها أي لوم بل أدعو ربي أن يصبرها على فراقي وأن يصبرني أيضًا، صدقني يا صديقي أنا لم أكن هكذا هو من فعل بي هذا، هو من جعلني لا أثق بالرجال جميعهم فهم جميعًا خونه أو ليس جيمعًا الفئة التي تنتمي إلى شخصية أبي هي الفئة المختلة بين فئات الرجال، أظن أن الرؤية وضحت لك الآن وعلمت أن معي حق؛ كي لا أثق في الحب والرجال أيضًا، كتب حديثي هذا من قصة حياتي الخاصة بي وارجو أن يقرأه يومًا ما الرجل المدعو "أبي"؛ كي يعلم أنني لست نكرة وأنني مازلت أتذكر ذاك الرهان وأعدك "أبي" إني سوف أثبت لك أنني أنثى سوف تفعل ما لم تستيطع أنت فعله، إبنتك المخلصة.


هُويدا عَاطف|همج لطيف

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع