مقال: وهل القضاء إلا هكذا
الباحثة:الاء محمد
غلاف: مي خيري
شريح بن الحارث بن قيس بن الجهم الكندي(نحو 32 ق هـ - 78 هـ / 590م- 697 م)، أبو أمية: قال ابن حجر: " مختلف في صحبته" ، قيل صحابي ، و المشهور أنه تابعي كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره ولم يسمع عنه ، أصله من اليمن. وفي رواية وفوده على النبي ﷺ، قال شريح: «أتيتُ النبي ﷺ فقلت: يا رسول الله، إن لي أهل بيت ذوي عددٍ باليمن. قال: "جئ بِهِمْ"».وكان مأمونا في القضاء، له باع في الأدب والشعر، قال عنه علي بن أبي طالب: «شريح أقضى العرب» في عمر الرابعة أو الخامسة، اصطحبه أبوه في سفر. وفي طريقهم مع القافلة، رفض الأطفال المرافقين لهم اللعب معه. فأعرض عنهم ليلعب وحيداً، فرآه أبوه بعيداً عن القافلة فخاف أن يخطتفه قطّاع الطريق، فنهره. فسمعه الغلمان المرافقين له فضحكوا عليه ثمّ قالوا له «لنلعب معك، قف حيثما كنت، وسنختبئ ثمّ نأتيك»، ثمّ ذهبوا إلى أبيه يخبرونه أنّه عصاه. فضربه أبوه، ولم يقدر على أن يدافع عن نفسه، يقسم لأبيه أنّه مظلوم ولا يجد الدليل الثّابت فيستمرّ في ضربه. فأثّر فيه أنّ المظلوم يحتاج إلى الإنصاف عندما لا يجد شاهداً ولا دليلاً، وتأثّر فيما بعد بقوله تعالى ﴿فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [البقرة:113] دخل في الإسلام في حياة النبي محمد بن عبد الله ﷺ وكان بحضرموت فيعد من التابعين وانتقل من حضرموت زمن الصديق وحدث عن كبار الصحابة.
في الثلاثين من عمره، بعث رسولُ الله محمد ﷺ عليا إلى أهل حضرموت فأسلموا، فسأله شريح: بماذا يأمر دينك؟ فأجابه بقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ٩٠﴾ [النحل:90] فبرقت عينا شريحٍ. فسأله: بماذا يدعو دينك أيضاً؟ فأجابه وقد أحسّ بتأثّره بمقولة العدل - بقوله تعالى ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ٥٨﴾ [النساء:58]. فسأل ثالثةً إلام يدعو دينك أيضاً؟ فأجابه بقوله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ٨﴾ [المائدة:8]. فسأله وماذا يقول نبيّك؟ فأجابه «سبعة يظلّهم الله في ظلّه يوم لا ظلّ إلا ظلّه أوّلهم إمام عادل». فاستبشر شريحٌ قائلاً «دين يدعو للعدل» ودخل في الإسلام. فطلب من عليّ أن يعلمّه سورة من القرآن، فاختار له عليّ - وكان قد سمع قصّته وما حدث بأمّه - سورة النّساء، التي تتحدّث عن العدل مع ضعفاء القوم.كان إسلامه قبل وفاة النبي بخمسة سنوات، لكن كلّما عزم أن يزوره انشغل، حتّى فاتت الخمس سنوات فبدأ الرحلة، فجاءه خبر وفاة رسول الله ، وقد فاتته رؤيته. فقرّر أن يجمع آيات القرآن المتعلّقة بالعدل اشترى عمر بن الخطاب فرس ودفع ثمنه. وجد فيه بعدها بقليل عيب أنه يعرج. قال البائع الأعرابي أنه كان سليماً، فردّ أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب أن اختر من شئت ليحكم في الأمر. فاختار الأعرابيّ شريحاً. ولم يعرفه عمر، فدعاه إلى بيته ليحكم فرفض شريح. فقال شريح لعمر «خذ ما ابتعت أو ردّ ما اشتريت» فردّ عمر «والله هكذا القضاء - قول فصل وحكم عدل.»
دار القضاء
عدل
فسأله عمر «من أين تعلّمت العدل» فأجابه «من سورة ص» فسأله «وماذا فيها» فأجابه بقوله تعالى ﴿وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ ٢١ إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ٢٢ إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ ٢٣ قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ٢٤ فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ٢٥﴾
فشرح أنّهما لمّا تسوّرا المحراب لم يكن داوود مستعدّاً للقضاء ففزع منهما فلم يأت بالحكم الصحيح. فطلب من عمر أنه لابدّ من دار متخصّصة مستقلة للقضاء - وكان قبلها القاضي يحكم من داره. وهنالك ولّاه عمر قضاء الكوفة قائلاً «اذهب فقد ولّيتك قضاء الكوفة». فوافق شرط أن يجعل في الكوفة دار مستقلة للقضاء - فجعل عمر ذلك في الكوفة وفي كلّ الأمصار والبلاد التي تحت حكمه.
وصية عمر بن الخطاب له في القضاء
عدل
أوصاه في رسالة جاء فيها (إذا أتاك أمر في كتاب الله، فأقض بهِ، فإن لم يكن في كتاب الله وكان في سنة رسول الله—فاقض به فإن لم يكن فيهما فاقض بما قضى به أئمة الهدى فإن لم يكن فأنت بالخيار إن شئت تجتهد رأيك وإن شئت تؤامرني ولا أرى مؤامرتك إياي إلا أسلمُ لك).
ولاه عمر بن الخطاب قضاء الكوفة على مائة درهم وظل قاضيها ستين سنة ووفد زمن معاوية بن أبي سفيان إلى دمشق ولما عزله عبد الله بن الزبير عن القضاء أعاده الحجاج بن يوسف الثقفي بعدها وتولى قضاء البصرة عام واحد.
تعليقات
إرسال تعليق