مقال: حبر هذه الأمه
الباحثة: الاء محمد
غلاف: مي خيري
ضرب أصحاب الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم- أروع الأمثلة في الجهاد، ونصرة الإسلام، والهجرة، والإيمان، حيث إنّ المهاجرين تركوا أهلهم، وأموالهم، وأرضهم، وهاجروا إلى المدينة، ثمّ جاهدوا أعداء الإسلام، وضحّوا بكلّ غالٍ وثمينٍ في سبيل ذلك، وأمّا الأنصار فقد استقبلوا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- والمهاجرين وآووهم، وقدّموا كلّ ما يستطيعون لنصرة الرسول صلّى الله عليه وسلّم، ورفعة الإسلام، وآثروا إخوانهم المهاجرين على أنفسهم رغم ما هم فيه من ضيق العيش، فكانوا مثالاً لا يتكرّر عبر التاريخ بالتلاحم والوحدة، كما قال الله تعالى:(إِنَّ الَّذينَ آمَنوا وَهاجَروا وَجاهَدوا بِأَموالِهِم وَأَنفُسِهِم في سَبيلِ اللَّهِ وَالَّذينَ آوَوا وَنَصَروا أُولئِكَ بَعضُهُم أَولِياءُ بَعضٍ)،[١] ومن الجدير بالذكر أنّ الصحابة كلّهم من أهل الخير والصلاح، وكلّهم ثِقات وعدول؛ فقد كانوا أُمناء في إبلاغ الرسالة للأمّة بعد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، كما قال في الحديث النبوي: (النُّجومُ أَمَنَةُ السَّماءِ فإذا ذهَبَتِ النُّجومُ أتى السَّماءَ ما تُوعَدُ وأنا أَمَنَةٌ لِأصحابي فإذا أنا ذهَبْتُ أتى أصحابي ما يُوعَدونَ وأصحابي أَمَنَةٌ لِأُمَّتي فإذا ذهَب أصحابي أتى أُمَّتي ما يُوعَدونَ)،[٢] فقد كانوا أعلام هدىً، وكانوا من أشدّ النّاس اتّباعاً للرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأعظمهم إيماناً بالله تعالى، ومن هؤلاء الصحابة حبر الأمة، فمن هو حبر الأمة؟
هو ابن عم الرّسول محمّد صلّى الله عليه وسلّم، واسمه عبد الله بن عبّاس بن عبد المطّلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصيّ، وأمّه أمّ الفضل لبابة بنت الحارث الهلاليّة، وُلد في شعب بني هاشم، قبل الهجرة بثلاث سنين، وكان أصغر إخوانه العشرة سناً، وكان من نسله الخلفاء العباسيون، ومن أهمّ ما كان يُميّز عبد الله بن عباس رضي الله عنه؛ شدّة الذكاء، والفهم الثاقب، والبلاغة، والفصاحة، والجمال، والبيان، ومن صفاته أنّه كان طويل القامة، وسيم الملامح، صاحب هيبة، زكيّ النفس، كامل العقل، وقد لحق هو وأبوه بالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قبل فتح مكّة بوقتٍ قليلٍ، فلقي رسول الله في الجحفة بعد أن كان من المستضعفين في مكّة، وكان يبلغ من العمر في ذلك الوقت تسع سنين، ثمّ شهد فتح مكّة، ومعركة حُنين، والطائف، وحجّة الوداع وهو ابن عشر سنوات، ثمّ لزم صُحبة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- حتى توفي رسول الله وهو ابن ثلاثة عشر سنة، تعلّم خلالها منه، وحَفِظ من أقواله وأفعاله الشيء العظيم، وفي أحد الأيام وضع رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يده على كتف عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ثمّ قال: (اللَّهمَّ فقِّهْهُ في الدِّينِ، وعلِّمْه التَّأويلَ)،[٤] ففتح الله عليه من العلم الكثير، والفهم الدقيق للقرآن الكريم، وسرعة الحفظ، فعلى الرغم من أنّه رافق رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ما يقارب ثلاثين شهراً فقط، إلّا أنّه روى عنه الكثير من الأحاديث، واجتهد ابن عباس -رضي الله عنه- بطلب العلم، حتى إنّه كان يسأل عن المسألة الواحدة نحو ثلاثين من الصحابة، وكان عمر بن الخطاب يُقرّبه ويُشركه في مجالس الشيوخ البدريين من الصحابة منذ صغره، وعندما قال له المهاجرون ألّا تدعو أبناءنا كما تدعو ابن عباس قال: (ذَاكُم فَتَى الكُهُولِ؛ إِنَّ لَهُ لِسَاناً سَؤُولاً، وَقَلْباً عَقُوْلاً)، حتى أصبح يُلقّب بحبر الأمة، وترجمان القرآن، وأصبح مرجعاً للناس يجتمعون إليه ويسألونه، ويتعلّمون منه تفسير القرآن الكريم، والأحاديث النبوية.
تعليقات
إرسال تعليق