مقال: الشيخ حسن العطارالباحث: تغريد بومرعي، محمد فتحي
تصميم: ريم صالح
من أعلام الأزهر الشريف
الحلقة الثانية
الشيخ حسن العطار
عالم ديني سبق عصره إذ أيقن أنه مع ارتياد بساط العلوم الحديثة يستعيد الدين رونقه وتزول عنه الجهالات ويعود له دوره البناء في قيادة حضارة إسلامية مقبلة .إنه الشيخ حسن بن محمد بن محمود العطار والذي بدأ حياته معاونا لأبيه في دكان عطارة ..ثم ما لبث أن استشعر والده حبه للعلم وشغفه بالتعلم فشجعه على أن يقصد الأزهر الشريف محراب العلم الشرعي وقد كان .
واستطاع في زمن وجيز أن يحيط بتلابيب علوم الشرع ومنها انطلق في رحاب العلوم الأخرى كالطب والفلك والرياضيات ينهل منها ولكنها في ذاك الزمان لم تكن من التقدم بمكان لتخلف مصر في عهد المماليك والعثمانيين عن ركب الحضارة ومتابعة العلوم الحديثة لذا كان قدوم الحملة الفرنسية على مصر عام ١٧٩٨م ومعها علمائها فرصة ذهبية لحسن العطار ومن كانوا على شاكلته من المشايخ المغرمين بالعلوم الحديثة ولا يبلغون لها مآلها بسبب عقبة اللغة والبعد عن الوطن .
في البداية فر حسن العطار مع من فروا من المشايخ في أعقاب إنكسار المماليك وقضى في الصعيد ثمانية عشرة شهرا ثم عاد إلى القاهرة وبدأ يعاون بعض علماء الحملة الفرنسية في تعلم اللغة العربية وفي نفس ذات الوقت ينهل من معارفهم في الفلك والهندسة كما اشتغل بالتدريس في الأزهر ومع اندحار الحملة الفرنسية عام ١٨٠١ م وعودة العثمانيين مجددا لحكم مصر خشي من أن يناله الاتهام بموالاة الفرنسيين فبدأ في رحلات مكوكية بين بلاد الشام والحجاز والروم وتركيا منذ عام ١٨٠٢م إلى أن استقر به المقام في ألبانيا في بلد تسمى "اشكودره" من بلاد الأرناؤط وتزوج هناك وعمل بالتدريس لمدة خمس سنوات .
وفي عام ١٨١٥ م قرر العودة مجددا لمصر وكانت الأمور قد استقرت لصالح محمد علي باشا الكبير الذي أصبح مطلق اليد في شئون مصر بعد قضائه على المماليك ومشايخ الأزهر وكان طبيعيا أن تتلاقى أهداف الوالي محمد علي باشا الكبير مع تطلعات وأحلام الشيخ المستنير ..
فبدأ الشيخ يطبع العامة الرافضين للعلوم الحديثة بأن الرهان على المستقبل يستلزم وعيا وإلماما بالعلوم الحديثة والإصلاح الديني فتدخل لتسهيل مهمة كلوت بك الفرنسي في علوم التشريح بمدرسة الطب بأبي زعبل وقد كاد الطلاب يفتكون به ظنا أن في التشريح اعتداء على قدسية الجسد البشري وتمثيلا به فأصدار فتواه بإباحة ذلك في سبيل دفع المرض عن المسلمين مما كان له عظيم الأثر في طمأنة القلوب المتوجسة من العلوم الحديثة التي يضطلع بها الأجانب في مصر .
كما استغل قربه من محمد علي باشا في تأهيل المشايخ الواعدين ودعمهم مثل الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي الذي أوصى بسفره إماما للبعثة العلمية لباريس وأوصاه بتعلم اللغة الفرنسية وأن يكتب مشاهداته هناك والتي جمعها في كتابه "تخليص الإبريز في تلخيص باريز".
وكان لثقة محمد علي باشا به علاوة على روعة أسلوبه وامتلاكه لأدوات الإقناع الدافع الأكبر لجعله أول محرر بصحيفة الوقائع المصرية التي انشأها محمد علي باشا عام ١٨٢٨م لتكون الجريدة الرسمية بالبلاد ولسان حالها .
عين الشيخ حسن العطار شيخا للأزهر عام ١٨٣٠م وظل بهذا المنصب لمدة خمس سنوات حتى وفاته ١٨٣٥م وقد ترك عدة مؤلفات في ضروب شتى من المعارف كالشعر بأنواعه والنحو والإعراب والمنطق والطب والتشريح والصيدلة لازال بعضها مخطوطا للأسف ولم يعنى أحد بتحقيقها .
تعليقات
إرسال تعليق