القائمة الرئيسية

الصفحات

 مقال: النبي أيوب
الكاتب: عمر سعيد

تصميم: ريم صالح

سيدنا أيوب عليه السلام
أتركوا عنكم هموم هذه الدنيا فهناك من يُديرها، إن أصابكم يأسٌ فاسمعوا ما أصاب الصفوة من خلق الله، دونوا دواوينكم في أمجاد ما فعلوا وحصدوا، لن أُطيل ففي حضرت ما سأذكر اليوم لا صبر يعلو فوق صبره، وإن حاول أهل الباطل لن يزور التاريخ ما أعزه الله وحفظه فتبينوا، أصدقائي الأعزاء سأروى لكم قصة نبي من أنبياء الله ضُرب به المثل في إحدى أنبل الخُصل الإنسانية، نبيٌ ذاق الأمرين ولم يجحد، تسلط إبليس عليه ولم ينل منه المُراد، وزوجة نبي رافقت زوجها دون كلل وملل، ولكن هل حقًا قامت زوجته بما قِيل أنها قامت به؟ أم أنها مُجرد إدعاءات وتزوير لحقائق التاريخ لهدفٍ ما، الصابر نبي الله أيوب (ع)، لنبدأ:
يا صبر أيوب جملةٌ لطالما ترددت على مسامعنا من أجدادنا إلى آباءنا حتى رسخت في الأذهان، وأصبحنا نحن نرددها عند طلبنا الصبر على ما لا يُطاق، فمن هو أيوب؟ وما قصة صبره الذي أضحى مضربًا للمثل؟ والأهم ما قصة زوجته؟ وهل ظلمها التاريخ أو بالآحرى هل ظلمها أهل التزوير في التاريخ؟ هذا ما سنعرف في مقالنا البسيط.
أيوب (ع) هو نبي الله أيوب المذكور في الشرائع السماوية الثلاثة.
_ في الاسلام، هو: أيوب بن موص بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم السلام. وبالطبع كعادة علم الأنساب القديم سنجد إختلافًا طفيفًا في نسب الأجداد، إلا أن المُتفق عليه أن نسب أيوب ينتهي إلى إبراهيم (ع).
ذُكر النبي أيوب في القرآن الكريم في أكثر من موضع، في سورة الأنبياء، سورة ص، سورة النساء، سورة الأنعام.
_ أما في المسيحية، فهو قديس باسم: أيوب البار أو أيوب الصديق، وله سِفرٌ خاص به من أسفار العهد القديم يُدعى (سفر أيوب).
_ في اليهودية، نجدّه باسم: يوباب بن زراح بن رعوئيل. و ينتهي النسب أيضًا إلى إبراهيم الخليل (ع) وهو نبي وملك لمملكة "أدوم القديمة" وفي هذا الرأى يتفق المؤرخون المُسلمون حيث أنه من المُتعارف عليه، أن أيوب (ع) السلام أُرسل إلى "الادوميين".
دعونا في بدأ الأمر نستذكر قصة نبي الله أيوب (ع) والتي يعرفها أغلبنا، لن إلى الجزء الذي رُّبما نجهله، هل زور التاريخ قصته؟ ماذا أقصد! هذا ما سأبينه لاحقًا في المقال، لذلك تابعوا بتمعن.
أيوب (ع) كان من الأغنياء المالكين للمواشي بأنواعها، الأراضي الواسعة الخصبة، الخدم، الغلمان، كما أنه كان رجلٌ ذو أقارب وأصحاب كُثر، محبوبٌ بين أقارنه، مُطاعًا في قومه، كثير الأولاد الذكور منهم والآناث، إلا أنه رُغم كل ما تمتع به من المال والبنون لم يتكبر أو حتى يطغي، فكان دائم الحمد لله على النعم، كثير الشُكر والاستغفار، بالإضافة إلى كرمه ومساعدته لكل من لجأ إليه ما أكسبه مكانةً عالية عند رب العباد، وصلت حد أن الملائكة كانت تُسلم عليه وتُلقبه بـ "أيوب العبد الاواب" ومن هُنا أي من كلام الملائكة الحسن وسلامهم على أيوب بدأت الأحداث تتغير، فبحسب أغلب الروايات في كل الأديان سمع إبليس اللعين كلام الملائكة، فحضر بين يدي الله وطعن في حُسن نية أيوب (ع) وأدعى اللعين أن أيوب إنما يشكر؛ لأن الله أمده بالنعم وأن شُكره وحمده سيزول حتمًا مع زوال النِعم، بالطبع الله جل جلاله يعلم ما في الأنفس سرًا وعلنًا، ولكن بهدف إظهار الحق وأخذ العِبر، أذن لإبليس أن يتسلط على أيوب في ماله، أولاده، بدنه ماعدا قلبه ولسانه، وكان ذلك ليبدأ إبليس لخطته.
أول الأمر كان سحب مُمتلكات أيوب كلها، فسلط جنوده على الأراضي الزراعية فاحرقوها تمامًا وتركوها خرابًا لا تصلح لشيء، ومن ثمة أرسل جنوده فقضوا على أغنامه وأبقاره والأبل، وهنا دعوني أذكر من باب المعرفة والإطلاع بشكلٍ عام ما ورد في سِفر أيوب وفي التوراة عن كيفية القضاء على مواشي أيوب:
_ نبدأ مع الأبقار، جاء أحد غُلمان أيوب المُكلين برعاية الأبقار مُسرعًا يُخبر نبي الله أيوب بأن "السبئيين" أحد أعداء القوم الذي ينتم إليه أيوب (ع) أغاروا على البقر، فقتلوا رُعاينها وسرقوها ولم يبقِ إلا المُخبر بما حدث.
_ أما الغنم: فقيل أن نارًا من السماء نزلت فأحرقت الغنم ورُعاينها، وهنا إنقسمت الآراء بين مؤيد ومُعارض.
_ لنصل إلى الأبل: التي استولى عليها "الكلديون" وأيضًا قتلوا رُعاينها. هذا تقريبًا ما ورد في سِفر أيوب والتوراة في تفاصيل خسارة أيوب عليه السلام للمواشي.
 ويجدر الإشارة إلى أن هذه التفاصيل لم ترد بشكلٍ صريح في الدين الإسلامي، فبقيت محط خلاف وجدل، ولكن في كل الروايات أيووب لم يكفر أو يجزع، بل أجاب في كل مرة يأتيه الخبر بالتالي:
"إنّا لله وإنّا إليه راجعون، لله ما أعطى ولله ما أخذ، لا ينبغي أن نفرح حين يُعطينا الله من فضله عارية، ثم نجزع إن إستردّ منّا عاريته".
وهذا كان أيضًا قوله عند خسارته أولاده جميعًا، فكيف خسرهم؟
في الشرائع السماوية الثلاثة، نجد نفس طريقة مقتل أولاد أيوب، فبعد أن يأس الشيطان من الوصول بأيوب إلى الجحود، إثر خسارته لأملاكه وجده بوصلته إلى أولاد النبي.
فبحسب الروايات أن الأولاد كانوا مجتمعين كلهم في منزل أخٍ لهم فنزل بهم زلزال هدم المنزل فوق رؤوسهم وماتوا جميعًا، وبالطبع ارسل الشيطان اللعين أحد أتباعه يخبر أيوب بالمُصيبة ويحثه على الجزع والكُفر، إلا أنه أعاد الأمر لله تعالى وحده وشكره على كل ما يبتله به، كل هذا الإيمان والصبر آثار غضب الشيطان، فلم يبقِ أمامه إلا الصحة، وأيضًا بأذنّ من الله جل جلاله، ابتيلى نبيًا الصابر بمرضٍ في جسده، اقعده ولم يكن بإمكانه القيام أبدًا، وفي بعض الروايات أن اللحم تساقط عن جسد أيوب والدود كان يخرج من عظامه، ما جعل الناس ينفرون منه ويبتعدون عنه تمامًا، لتنذكر ذلك جيدًا فله تابعٌ مهم في مقالنا.
وبالطبع كان الشيطان يأتيه بهئيات مُختلفة ويسأله إن كان قد يأس من رحمة ربه، إلا أن جواب أيوب دائمًا: الحمد والثناء لله جل جلاله.
إذًا لم يبقِ مع أيوب سوى زوجته "ليا أو رحمة" بحسب ما ذكرت المصادر وكلها تنسب الزوجة إلى يعقوب (ع)، كانت الزوجة التي خسرت كما خسر زوجها الأملاك والأولاد صابرة، محتسبة، تقوم على خدمة زوجها بحنية وتحاول قدر المُستطاع تلبية طلباته، وبالطبع مع المرض الغريب الذي اقعد النبي، أصبح تأمين القوت لها ولزوجها أمرًا على عاتقها، وهنا يبدأ الجدل.
فبحسب ما قيل وورد، كانت زوجة أيوب (ع) تخدم في بيوت الناس بُغية تأمين المأكل، هذا الأمر لم يُرض إبليس، فوسوس للناس ألا تدعوها تقترب منكم، فقد يُصيبكم ما أصاب زوجها من بلاء، فكانوا يبتعدون كلما رآوها، وبعضهم كان يُلقي الطعام من بعيد ووصل الأمر للزوجة الصالحة إلى بيع ضفائر شعرها بحسب بعض الروايات، هل قامت بذلك حقًا؟ سنعرف لاحقًا، لنتابع.
مع كل هذا لم يجزع أيوب ولم ييأس، وكان لسانه وقلبه دائمي التسبيح لله وحمده، بل حتى عندما كانت زوجته تطلب منه أن يدعوا الله ليرفع البلاء عنه وهو العبد الصالح، كان يُجيبها بأنه يستحي أن يطلب الشفاء، وهو صحيح البدن مُعافى طوال السنوات الغامرة، فلم يعد لدى الشيطان أي بابٍ سوى الزوجة.
في احدى الروايات، وأثناء بحثي وجدت ما يلي:
أن الشيطان تنكر للزوجة بهيئة أحد الأطباء وأخبرها أن علاج أيوب لديه، وسيجعله يعود كما كان، ولكن بشرط أن يقول أيوب بعد الشفاء أنت شفيتني أي ينسب فضل الشفاء للطبيب _ الشيطان_، الزوجة الغافلة عن حقيقة الطبيب هرعت إلى زوجها المُقعد وأخبرته بما جرى، فغضب النبي ونهرها وأخبرها أن هذا الطبيب ما هو إلا ابليس اللعين وهو يحاول الوصول إليه عبرها.
بالطبع النبي طرد زوجته وأخذ عهدًا على نفسه أن يجلدها "100 جلدة" عن شفائه، أما الزوجة المُنحدرة من سُلالة الأنبياء، فقد ندمت واستغفرت ربها على ما بَدَرَ منها وعلى سماحها للشيطان بالوصول إليها والعبث بإيمانها، بعد تندمها وطلب الغفران عادت الزوجة إلى الموضع الذي تركت فيه زوجها العليل، فلم تجده، فخافت أن تكون الوحوش هاجمته، ووجدت هناك رجل صحيح البُنيان والجسد شبيها بما كان عليه أيوب (ع) قبل مرضه، إلا أنها سألته إن كان قد رأى رجلٌ مريضًا، فأجابها أيوب: بأنه هو الرجل المريض، وبأن الله أنزل شفائه عليه، فكيف تم الشفاء؟
في هذه النقطة نجد روايتين:
الأولى: هي المُتعارف عليها، أن أيوب طلب ودعى ربه بالدعاء المشهور: أنّي مسني الضر وأنت أرحم الراحمين.
بعد أن خاف يعود من أمن بدعوته عن إيمانهم بعد رؤيتهم لكل ما يُصيبه وأن يقنتوا من رحمة الله، فدعى الله بقلبٍ خالص وجاءه الجواب، وكان بأنَّ الله أوحى إليه أن يضرب الأرض بقدمه فإنفجرت منها عين ماء، فأمر الله نبيه أن يغتسل فيها ويشرب منها وهذا ما حدث، ليعود أيوب عليه السلام بإذن الله وحده فقط رجلٌ سليمًا مُعافى، وأعاد الله إليه أملاكه وأولاده، أما عن الأولاد: فالأمر يتعلق بالزوجة، كيف؟
الروايات تقول أن الله جاز الزوجة الصالحة بجزئين:
 الأول: يتعلق بالعهد الذي أخذه أيوب على نفسه بجلدها 100 جلدة، جزاء حجودها، فأتاه الأمر الآلهي بأن يجمع 100 قشة في رزمة ويضرب الزوجة ضربة لينة واحدة فقط، فيكون بذلك قد وفى عهده.
أما الثواب الثاني: فبحسب ما ذُكر في مختلف المصادر والتفاسير أن الله ردَّ على الزوجة شبابها وصحتها جزاءًا لصبرها ووفائها مع نبيه وبالتالى استطاعت إنجاب الأولاد من النبي أيوب (ع).
الرواية الثانية: ذُكرت في بعض مراجع المُسلمين ككتاب "ابن كثير" إلا أن عليها بعض الجدل، وهو ما سنعرفه لاحقًا.
تقول الرواية: أن النبي أيوب لبث في بلاءه 18 سنة، وكما ذكرنا لم يبق أحد بجانبه سوى زوجته، وبحسب الرواية رجلين من أتباعه، حدث ذات يوم أن رجلين كانا في طريقهما إلى أيوب (ع)، فقال أحدهما: والله لقد اذنب أيوب ذنبًا لم يذنبه أحدًا من العالمين، فسأله صاحبه عن الذنب، فأجاب الآخر: أنه لا يعرف ما هو الذنب إلا أن أيوب لم ينل رحمة ربه منذ 18 سنة، ولم يكشف الله عنه البلاء، فلما وصلا الرجلان إلى أيوب أخبر الرجل أيوب بما سمعه من صاحبه إلا أن أيوب أخبره: بأنه لا يعلم بأي ذنبٍ يستحق العقاب.
بعد ذهاب الرجلان ذهب أيوب لقضاء حاجته بمساعدة زوجته وقلبه مملوءً حزنًا من ظن الناس به وبإذابه بحق الله، فأتاه الوحى بالطريق بما سبق وذكرناه عن عين الماء وما تلاه.
في الروايات المسيحية واليهودية: الشفاء كان كذلك بأمر الله وحده بعد صبر النبي سنواتٍ طوال على بلاءه دون تحديد عين الماء أو ما شابه.
 أما بلاءه فمنهم من يقول: استمر لـ7 سنوات، ومنهم من قال لـ13 سنة كالعسقلاني، ومنهم من قال 18 سنة كما ورد عند ابن كثير، ليعيش بعدها النبي أيوب ويصل إلى سن الـ90 فيتوفى.
أما القبر فمكانه المُحدد غير مؤكد إلى اليوم، فنجد له ضريحًا في مدينة "صلالة" في سلطنة عمان، وآخر في "درعا" السورية، وضريح في "الحِلة" العراقية، وضريحًا في "نيحا الشوف" في جبال لبنان.

عمر سعيد|همج لطيف 

تعليقات

التنقل السريع