القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة: كبير القرية
الكاتب: عمر سعيد

تصميم: ريم صالح 

مراجعة لغوية: منى رجب


كبير القرية:

اليوم هو يوم عيد ميلادي العشرين, أنا اسمى محمد من احدى قرى الصعيد وعائلتي هي أكبر عائلة في القرية. منذ شهر وعائلتي في شجار مع احدى عائلات القرية الصغيرة، كانت أيامًا مشئومة فكل يوم نتبادل الشجار وإطلاق النار، لم تنم القرية خلال ذلك الشهر وذاع خبر هذا الصراع في كل المحافظة وتدخلت الشرطة ولكنها لم تفلح في فض النزاع ولأن عائلتي ذات نفوذ وبها مناصب وسلطة لم تستطع الشرطة أن توقفها ولم تخاطر في دخول صراع معنا فقامت بمنازعة العائلة الآخرى وهذا أمر ضايقني كثيرًا لأنى أرى هذا غير عادل وأنا أكره الظلم. لم أشترك مع عائلتي في هذا الصراع وهذا ما جعلني مكروه في عائلتي ولكنى كسبت احترام الكثير من أهل قريتي وأنكرت ما تفعله عائلتي واسميته افتراء على العائلة الآخرى ووصلني أن العائلة

الآخرى قد احترمتني كثيرًا لموقفي العادل. مرَّ شهر أسود على القرية وأنا أدعو الله أن ينتهى هذا الصراع ويعود الهدوء والسلام إلى القرية. كان هذا الصراع بسبب فدان

أرض في موقع متميز وكل القرية تعلم أنه من حق العائلة الآخرى وأنا أيضًا أقر بذلك. أجلس الآن مع عائلتي في ديوانها ليتناقشوا في جلسة الحق التي ستقام الليلة بيننا بعد مفاوضات مع الشرطة بقبول الجلوس والتحكيم بيننا. أجلس رغمًا عنى لأن والدي أجبرني على ذلك، الكل يجلس صامتًا يستمع إلى الحاج رفاعي كبير عائلتنا بل وكبير القرية كلمته مسموعة في قريتنا والقرى المجاورة رجل ذو مال وسلطة وله نفوذ ومعارف في كل مكان والكل يتودد إليه ويتمنى رضاه لا أعرف ماذا يقول فقد كان عقلي يفكر في شيء آخر كنت أفكر في عصام صديقي فهو من العائلة الآخرى لا أُريده أن يراني وأنا هنا لا أتحمل أن تقع عيني في عينه فأنا أحبه وأحترمه كثيرًا فهو في قمة التواضع بالرغم من ثقافته فهو أكبر منى بست سنوات ولكنى لا أشعر بفارق السن معه. تذكرت المرة الأولى التي جلست فيها معه عندما كنت جالس مع أصحابي في حقل أحدهم ومر عصام من أمامنا وألقى السلام وهو يبتسم بوجهه البشوش فأقسم عليه أصحابي بأن يجلس معنا وجلس بجانبي وتعرفت عليه وأخذ يتحدث معنا وابتسامته لا تفارق وجهه أضاف إلى مجلسنا البهجة والمرح وكنا نسأله في أمور مختلفة وكان لا يبخل علينا بما يعرفه استفدت كثيرًا منه وكنت أمر من إمام حقله بعد العصر

أجده دائمًا جالسًا يقرأ يراني فيدعوني للجلوس معه وتناول الشاي لا أمانع فأنا في الأساس أقصد المرور من أمامه للجلوس معه كنت استفيد كثيرًا منه وكان يقص علىّ ما يقرأه أصبحنا أصدقاء وتوالت الزيارات بيننا كنت أشعر أنه يحبني مثلما أحبه لم يجعلني أشعر قط بفارق السن بيننا ولكن انقطعت الزيارات بيننا منذ نشوب تلك الحرب بين العائلتين كنت استنكر أفعال عائلتي وأخبر أصدقائي بذلك راجيًا أن يصله كلامي وتظل صداقتنا قائمة فأنا لا أود مطلقًا أن أخسره لفت انتباهي أن الحاج رفاعي قد على صوته بعصبيه وأخذ يوبخ الجالسين الذين لا يجرؤون على مجادلته تشعر كأنه فرعون يأمر وما على الناس إلا التنفيذ دون نقاش أرجو من الله أن يهديه إلى الصواب ويقبل الصلح فبالطبع لن يتم الصلح إلا بكلمة هذا الرجل وبرضائه فلا رأى لأحد في العائلة إلا هو ولكنى استنتج مما أراه أنه لا يريد الصلح وأنه يريد أخذ قطعة الأرض كنت أجلس لا انظر في وجه أحد لأنى أعرف أنى غير مرغوب فيه في هذا المكان ابتسمت بسخرية عندما تذكرت أن اليوم هو يوم ميلادي وحزنت عندما تذكرت عصام في آخر جلسه بيننا عندما أخبرته أن يوم ميلادي اقترب أذكر تلك الفرحة في عينيه وتهنئته ووعده لي بأنه سيهديني بهدية لن أتوقعها. أفتقدك كثيرًا يا صديقي لا أريد هدايا أريد أن أراك لأطمئن عليك ولكن ليس هنا ولا أريدك أن تراني هنا سامح الله من كان السبب في تلك المشاكل والنزاعات والحمد لله أنه لم يمت أحد وإلا دخلنا في كهف الثأر الذي لا ينتهي أدعو الله أن تنتهي المشكلة الليلة وتنام القرية مطمئنة مثل الماضي أنظر إلى الحاج رفاعي لا استبشر خيرًا فتعابير وجهه توحى أنه لن يتصالح وسوف تستمر المشكلة فهو مريض بداء الكبر ولن يتنازل اضطرب المجلس عند دخول ضباط من قسم الشرطة وبضع عساكر يقفون بالخارج، جلس الضباط بجانب الحاج رفاعي وأخذوا يتحدثون بصوت غير مسموع وارتفعت همسات الجالسين مع بعضهم مرت نصف ساعة من المناقشات إلى إن وقف الحاج رفاعي وأمر الجميع بالإنصات إليه وأخبرنا أن العائلة الآخرى سوف تدخل الأن ولا يريد أحد أن يتكلم وأنه هو من سيتحدث فقط وبالطبع وافق الجميع فمن يجرؤ على معارضته؟اسمع السباب والشتائم من رجال عائلتي للعائلة الآخرى وخاصه عصام فهو من تصدى وثار ضد عائلتنا فلوله لكانت عائلته سلمت أمرها ولم تدخل في نزاعات معنا ولكنه لم يستسلم وجعل عائلته تثور ضدنا أعجبني شجاعته ووقوفه ضد الظلم كانت عائلتي تتمنى موته فهو الرأس المدبر وذكي وعائلته تستمع له، دخلت عائلته وكانوا فقط خمس رجال وكان هو معهم يا الله لماذا جاء؟ لا أريده أن يراني لا أريد أن يأخذ عنى انطباع خاطئ ركزت نظري عليه أدهشني ثباته عند دخوله وأكثر ما أدهشني أنه كان مبتسمًا وفجأة ألتفت ناحيتي وابتسم لي نعم كانت نظرته لي لقد رأني ولم يندهش ولم يغضب فقط كان مبتسمًا شعرت بتسارع دقات قلبي ونقاش داخل رأسي وتساؤلات كثيره:

ماذا سيحدث الآن؟ ولماذا حضر عصام؟ ولماذا أتوا خمسه منهم فقط؟ وأكثر سؤال كان يدور في رأسي هو لماذا يبتسم عصام؟ إن ابتسامته تلك ابتسامة رجل منتصر وواثق جدًا من انتصاره ترى ماذا سيحدث الآن؟ جلست أتابع بإهتمام وتركيز وكان كل المجلس صامتًا كأن على رؤوسهم الطير، قام مأمور مركز الشرطة بالوقوف وقال سيتحدث واحد فقط من كل عائله ويقول حجته ونرجو من الله أن ينتهى هذا المجلس بلا عداوة وبلا مشاكل. كنا جميعًا نعلم من سيتحدث من عائلتنا أنه بالطبع الحاج رفاعي ولكن لا أحد يعلم من سيتحدث من عندهم قام الحاج رفاعي وقال سأتحدث أنا عن عائلتى, نظر المأمور إلى رجال العائلة الآخرى فقاموا بالنظر إلى بعضهم ثم نظروا جميعًا إلى عصام الذى كان ينظر إلى الارض ولكنه ما زال مبتسمًا رفع عصام رأسه ووقف دون أن ينظر إلى أحد وقال وأنا سأتحدث عن عائلتي بعد أذنهم طبعا، اضطرب المجلس وعلت همهمات الجالسين تعجبًا مما يحدث ولا أخفى عليكم لقد تملكني الذهول كيف لشاب مثل عصام أن يقف في وجه رجل مثل الحاج رفاعي الذى اشتاط غضبًا وهو ينظر إلى عصام، قال المأمور أرجو الهدوء من الجميع هل أنت واثق أنك من سيتحدث عن عائلتك؟

نظر إليه عصام في ثقه وهو ما زال مبتسمًا وقال نعم يا حضرة المأمور ونحن متفقين على ذلك.

ماذا يدور في رأسك يا عصام؟ وما سر ابتسامتك تلك؟ قال المأمور بعد نظر إلى الحاج رفاعي ووجد أنه غير معارض: إذن سنبدأ الآن هنا رفع عصام يده وقال بصوت عالي بعد إن اختفت ابتسامته من على وجهه وركز عينيه على الحاج رفاعي، قبل أن نبدأ من فضلكم وبعد إذنكم أريد ان اتحدث الى الحاج رفاعي على انفراد وبعدها نبدأ الجلسة

ذهلت من طلبه وذهل الجميع أيضًا وهنا وقف الحاج رفاعي وقال في ثقه. "لماذا تريد التحدث معي يا فتى؟" 

_أريد أن أخبرك بشيء. 

_ما تريد أن تخبرني به فأخبرني أمام الناس فأنا لا اخفى شيء عن عائلتي. 

_لن أخذ من وقتك الكثير يا حاج رفاعي فأكرمني بوقت قليل وأكون شاكرًا لك فأنا في بيتك وأنت معروف بكرم الضيافة.

لم يجد الحاج رفاعي مفر من قبول طلبه فلباقته واسلوبه أجبره على القبول فاستأذن الحاج رفاعي مأمور القسم وأخذ عصام في غرفة في أخر الديوان وأغلق الباب وهنا تعالت اصوات الجالسين والتساؤلات عما يدور بينهما الآن وكنت أنا مثلهم في حيره مما يحدث أنظر إلى رجال العائلة الآخرى أجدهم مضطربين وتعابير وجوههم توحى بضعف موقفهم وعدم اقتناعهم بعصام وما سيفعله ولكني كنت فخورًا بصديقي الذي وقف في وجه رجل لا يستطيع أحد الوقوف في وجهه كل الدلائل تشير إلى أننا من سنفوز بالنهاية ولكن حتى ان حدث ذلك ستظل يا صديقي كبير في نظري لقد اذهلتني الليلة بجرأته كنت أتمنى أن أكون مثله لا أخشى في الحق شيئًا مرت نصف ساعة حتى وجدتهم خارجين من الغرفة وهدأ الجميع ونظروا إليهم أرى الحاج رفاعي في صوره متغيره هل شحب وجهه وتغير لونه أم تهيأ لي؟

لقد كان قبل دخوله شامخًا وواثقًا من نفسه أما الآن خطواته ثقيلة وذهب شموخه تشعر أنه مكسورًا ومهزومًا وانطفأ بريق عينيه كمن تلقى صدمة ثقيلة جلس الحاج رفاعي مكانه وهو منكس الرأس ناظرًا للأرض وجلس عصام مكانه وقد اختفت ابتسامته وأصبح وجهه صارم وقف المأمور وقال بصوت عالي فلنبدأ الآن: تكلم يا عصام وقل ما عندك

-لا يصح أن أبدأ أنا قبل كبيرنا وكبير قريتنا الحاج رفاعي.

نظر الحاج رفاعي إلى عصام نظره لم أفهمها ثم وقف ونظر إلى الجالسين ثم نظر إلى المأمور وقال لا يوجد ما يستدعى الآحتكام لقد حان الأوان ليعود السلام إلى القرية إن هذه الأرض حقهم وأنا أقر بذلك أمام الجميع ولن أخالف ضميري وأغضب الله ولا أهتم برأي أحد أنا أرى أن هذا هو العدل.

وقف معظم الجالسين من ذهولهم غير مصدقين ما يسمعوه من كبيرهم لا يعقل أن يكون هذا كلامه ماذا حدث له؟ هل فقد عقله؟ أم أنه استرد عقله وضميره؟ كان كل من في الديوان مذهولًا حتى العائلة الأخرى كانت غير مصدقة، عصام كان الوحيد الذى ثابتًا محافظًا على هدوئه لا يظهر عليه أي تغير مما سمعه وقف المأمور بعد أن تحدث قليلًا مع الحاج رفاعي وقال بصوت عالي للحاضرين أذن قد انتهت الجلسة وسوف يتم تنفيذ كلام الحاج رفاعي بتسليم الأرض للعائلة الآخرى وسوف يتم محاسبه من يتعرض للأخر. ثم أقترب من العائلة الآخرى وتحدث معهم قليلًا فقاموا معه مستعدين لمغادرة الديوان عندها نظرت إلى عصام وهو خارج فنظر إلى مبتسمًا وبمجرد خروجهم التف الجميع حول الحاج رفاعي غاضبين وغير راضين عن فعلته واخذوا يتحدثون انتهزت فرصة انشغالهم وغادرت الديوان ومشيت ناحية حقل عصام أشعر أنه ينتظرني ولا أعلم لماذا شعرت بذلك، اقتربت من حقله فوجدته بالفعل واقفًا بجانب شجرته الذي دائمًا نجلس عندها ذهبت إليه في خجل ولكنه بادرني بفتح ذراعيه واحتضنني مما أذهب عنى حرجي وخجلي سلم على بحراره وجلسنا كما كنا نجلس سويًا كان القمر بدرًا ويضيف إضاءه وسحر للمكان جلسنا نتحدث وكأن شيء لم يحدث إلى ان سكت قليلًا ثم سالته:

-عصام ما الذى حدث بينك وبين الحاج رفاعي؟

_حدث ما كان يجب أن يحدث وإسترد الرجل عقله وحكم بالعدل ومنع مشاكل لا حصر لها

-أنت تعلم أنى لن أصدق هذا الكلام هناك شيئًا غريبا حدث جعله يغير موقفه وهذه أول مرة أراه في موقف ضعف ماذا فعلت له؟

_يا صديقي لكل منا نقاط ضعف والأذكي هو من يعرف نقاط ضعف خصمه ولكن لا يستغلها إلا وقت الحاجة.

_وما هي نقطه ضعف الحاج رفاعي الذى جعلته يخاف منك؟

_إذا أردت أن تتفادي عضه السبع فأطبق يدك على فمه. 

_لا تتحدث بالألغاز يا عصام لن أجبرك على أن تخبرني الحقيقة. سوف أخبرك بالحقيقة يا محمد لأنى أعرفك جيدًا وأعلم أنك ستحفظ السر أعطانى عصام هاتفه دون أن يتكلم أخذت هاتفه فوجدت فيديو لم أسأله وقمت بتشغيله كان الفيديو للحاج رفاعي يجلس مع رجل في غرفة يتحدثوا وذهلت مما سمعته ان الحاج رفاعي يجلس مع الشيخ طلبه المشهور بالدجل وأذى الناس بالسحر وما فهمته من حديثهم إن الحاج رفاعي يحميه في القرية مقابل رشاوي جنسية بأن يقدم له النساء الذى تأتي إليه أو من يعجبوا الحاج رفاعي ثم انتهى الفيديو وبدأ فيديو آخر وكان ألعن مما سبق فقد كان الفيديو للحاج رفاعي وهو يزنى بأحد النساء في نفس الغرفة لم اتبين وجه المرأة ولم اهتم فما رأيته كان يكفى لأن أفقد عقلي وضعت الهاتف جانبي وأنا صامت غير مصدق هل هذا هو الرجل الذى تحترمه كل القرية؟ هل هذا هو كبير القرية؟

هل هذا من نحتكم إليه في مشاكلنا؟ هل هذا من نستشيره في أمورنا؟ هذا يدل على غبائنا وسذاجتنا انجدني عصام أني .......؟

-هل صدمت؟ لقد صدمت مثلك ولكنى أيقنت أن الله أراد لي ذلك حتى أتمكن من إسترجاع حقوقنا عندما علمت أنهم أخذوا منا شيء ملكنا بل وقاموا بالهجوم علينا وطردنا من القرية أيقنت أننا ضعاف ولا نستطيع التصدي لهم أخذت أفكر ماذا افعل، فجعلت تفكيري في الحاج رفاعي أنه كبيرهم لا بد أن أعرف نقطة ضعفه وطوال أسبوعين كنت أراقبه طوال الليل مر الأسبوع الأول ولا أجد شيء مختلف أو خاطئ كدت أن أصاب بالملل واليأس ولكني صمدت فلا يوجد شيء يمكنني فعله حتى في يوم وأنا أراقبه وجدته يدخل عند الدجال وبيت الدجال في أطراف القرية منعزل إختبأت لكي أسمع ولكن حالفني الحظ ووجدت النافذة مفتوحة قليلًا فقمت بتصويرهم وتسجيل حديثهم وعرفت أن هناك لقاء بينهم بعد عدة أيام فإنتظرت وقمت بتصويره في هذا الوضع ويعلم الله أنى ليس في نيتي أن أفضحه، وإن أستغله ولكني سأسترجع به حقنا ونسترجع كرامتنا أعلم أنه انكسر أمامي ولكن لا يوجد حل غير ذلك

ولكني وعدته بأن هذا سيظل سر بيننا إذا حكم بالعدل

_ولماذا أخبرتني بهذا السر؟

_لأني وعدتك بمفاجأة يوم عيد ميلادك لن تنساها.



عمر سعيد|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع