مقال: لمحة عن "نيتشه، ماركيز دوساد، ديوجين"الكاتب: عمر سعيد
تصميم: مريم جبر
مراجعة لغوية: مِنَّة اللّٰه إيهاب
= "لقد مات الإله ونَحنُ مَن قتلناه" قالها "نيتشه" على لِسان مجنون في كتابه "العلم المرح", جُملة مُرعبة وصادمة، لكن ماذا كان يقصد نيتشه؟ ربّما كان يقصد بأننا قد قتلنا كُل ما يوحي بأننا بشر، تجاهلنا أوامر الخالق وعصيناه، أنكرنا الحُب والسلام والتسامُح، تخلّينا عَن الفضيلة والقينا بِها في غيابة الجُبّ وارتدينا ثوب الوحشية والرذيلة.. هذا ما فهمته أنا وقد يكون فهمي خاطئ ورؤيتي قصيرة النظر.
نيتشه، الفيلسوف الألماني المُتمرّد، صاحب الشارب الكبير والنظرة الحادّة، الرجل الذي ستظل حياته وأفكاره مسارًا مُثيرًا للجدل والنقاش وأيضًا الحيرة.
لقد قرأت كتابه الأشهر "هكذا تكلم زارادشت"، أعجبني كثيرًا واستمتعت بسيلٍ من قذائف التساؤلات المُرعبة حول جُنون ومُجون العقل البشري وتقلّباته المُحيّرة.
يقولون عَن "نيتشه" بأن إلحاده كان أقرب للإيمان، أن كراهيته للبشر ناتجة عن حب وشفقة وأسى على ما وصل إليه اختلال وتصرّفات العقل البشري. إن الشّك إذا تغلّف بالحِكمة والتدبُّر فإنه يقودك إلىَ الإيمان. هل كان "نيتشه" مُلحدًا أم مؤمنًا؟ حقيقةً لا أعلم.
في مرحلة ما مِن مراحل العُمر نفقد الإيمان بِكُل شيء ونفقد الثقة في كل من حولنا.. التعمُّق والتأمّل والتدبّر في الفلسفة طريق شائك وخطِر ولكن في نهايته يقين وإيمان.
= "الشهوة فَوق الأخلاق والقوانين, فوق الأعراف والتقاليد وحتى الدين"
فيلسوف الخلاعة والساديّة. دوناتيه الفونس فرانسوا- أو ماركيز دو ساد، أكثر الكتّاب الملعونين في التاريخ وأكثرهم انحرافًا وشُذوذًا، مُنتهك للفضيلة ومُحرّر شيطان اللذّة.
كان دو ساد ارستقراطيًا مُلحدًا, مُختلًّاومُسرفًا في شهوته وعربدته حد الجُنون,وقد قضىَ معظم حياته ما بين السجون و المصحّات النفسيّة, هو أول من مارس طقس تسبُّب الآلم في العلاقة الجنسية لذلك ارتبط ذلك الطقس او تلك المُمارسة به- الساديّة.
هو كاتب بارع ولا يُمكن إنكار ذلك، فيلسوف وروائي ومسرحي مُبدع، حياته وحدها رواية مُثيرة وعجيبة، النبيل الخليع الذي كان يتردد على بيوت الدعارة وتعذيب العاهرات.
كان "الماركيز" يُعذّب أبطال قِصصه بوحشيّة مُفرطة وهذا ما ظهر في رائعته الشهيرة "جوستين"، الرواية التي مُنعت من الطبع لأكثر من قرنين، تِلك الفتاة التي اغتُصبت عشرات المرّات وتلقّت الكثير مِن التعذيب والجلد ولكنها ظلّت مُتمسّكة بالفضيلة إلى أن احترقت في النهاية وقد كتب لها "الماركيز" اعتذار في الصفحة الآخيرة إيمانًا مِنه بأنها على حق وأن البشر يكرهون مَن مِثلها و يُفضّلون طريق الرذيلة. لقد أظهرت الرواية الجانب المُرعب مِن النفس البشرية، ولكنها ليست أفظع من مخطوطته الأشد قذارة والأكثر فسقًا وعربدة "120 يوم في سدوم" أبشع ما كُتِبَ في الأدب، ليالي الإنحلال والعربدة، حفلات المجون المُقزّز، رواية تُفجّر براكين من الحيرة والتساؤل، تفتح دُروبًا لا ترغب أبدًا أن تسلكها، قد تُصيبك بالإكتئاب وتُزيد كراهيتك للإنسان.
= قال الأسكندر الأكبر "لو لم أكن الأسكندر لتمنيت ان أكون ديوجين"
ديوجين الحكيم وفيلسوف الوقاحة، حامل القنديل والمُلقب بـ ديوجين الكلب. هذا الرجل الذي اختار أن يعيش حياة غريبة، اتّخذ من برميل خشبي مسكنًا له، تجرّد من كل مادة وآمن بأن السعادة في التقشّف والتخلّي عن كل شيء، أن سعادة الإنسان تكمن في الحب والتسامح والاستغناء، أن الفضيلة هي سر الحياة.
كان ديوجين دائمًا يحمل مصباحًا ويتجوّل بين الناس، وعندما سأله أحدهم: لماذا تحمل مصباحًا والشمس تنير الكون؟ فأجاب: إنني أبحث عن إنسان.
ديوجين الذي لا يعترف بالقوانين والعادات، يفعل ما يُريد في أي مكان وأي وقت، بسيط جدًا في مأكله وملبسه، يعيش كالمُتشرّدين، مُحبًا للعلم والمعرفة والحكمة، فلسفته باتت تيارًا فلسفيًا يُسمى المدرسة الكلبية التي تحث على الزهد والتقشف ورفض الترف والإسراف وتطبيق الفضيلة.
سأله أحدهم: مَن أنت وما هو وطنك؟ فأجاب: أنا ديوجين ووطني الأرض وجنسيتي الإنسان.
لماذ يدعونك بالكلب؟ فأجاب: لأنني أُلاطف وأشكر من يكرمني وأعوي في وجه من يحتقرني وأعضّ الأشرار.
لماذا تأكل في الشارع؟ فأجاب: إنني آكل في الزمان والمكان الذي أجوع فيه.
علمني، كيف أنتقم من عدوّي؟ فأجاب: كُن فاضلًا وكفىَ.
حياة ديوجين مليئة بالقصص العجيبة والمواقف الغريبة مع الناس، وأيضًا طرائف مع الأسكندر وأفلاطون، تصرفاته الوقحة والمختلة جعلت حوله هالة من الدهشة والغموض.
تعليقات
إرسال تعليق