القائمة الرئيسية

الصفحات

البصيرة البشرية والمعجزات الربانيّة

 مقال: البصيرة البشرية والمعجزات الربانيّة
الكاتبة: يمنى شحاته 

تصميم: مريم جبر

مراجعة لغوية: مِنَّة اللّٰه إيهاب


ليس كلما استحال شيء على العقل البشريّ استيعابه، أنكره. 


سمعت مسبقًا أحد مدعي المشيخة المبتدعين ينكر نزول اللّٰه في الثلث الآخير من الليل، وحجته أن التوقيت يختلف من بلد لآخر


وقد ثَبت في الصحيحين: عن أبي هريرة رضي اللّٰه عنه قال: قال رسول اللّٰه ﷺ: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلةٍ إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير، فيقول: من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له. 


وقد جاء الرد من شيخ فاضل على ذلك المبتدع بأن اللّٰه هو خالق الوقت والمكان وينزل متى يشاء كيفما يشاء. 

وهي بتدابير اللّٰه ليست بتدابير البشر على كل حال.

لكم مثال مبسط، قال اللّٰه تبارك وتعالى: 


لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ

(الآية ٢٢ - ق)

فأنت اليوم نافذ البصر، عالم بما كنت عنه في الدنيا في غفلة، يعني بصرك وبصيرتك في الدنيا تختلف عن الآخرة، العبد في الدنيا محدود البصيرة والبصر والفكر، مهما كنت تعتقد أنك واسع الخيال فمحدودية فكرك ضئيلة مقارنة بخلق اللّٰه، فمثلًا، لن تستطيع تخيل شكل اللّٰه بصفاته التي وصف بها ذاته، هل لأنك لا تستطيع تصوير اللّٰه في مخيتلك المحدودة، تنكر ؟ 


يعني عقلك البشري المحدود الفكر وبصيرتك الضيقة كما خلقهم اللّٰه مناسبان لك كعبد للّٰه في الدنيا، ما لا يمكنهم إدراكه الآن يُدرَكون في الآخرة، 

لو قضى عبدٌ عقود من حياته يصف ويرسم شكل الجنة والنار كما وصفهم اللّٰه في كتابه العزيز، لما استطاع الإتيان بحقيقتهم ولا حتى جزء ضئيل منها، 

هل لأننا لا نستطيع تخيل شكل الجنة والنار أنكرنا وجودهم؟ هل كوننا لا نستطيع استيعاب كيف ينزل اللّٰه في الثلث الآخير من الليل وهو يختلف من بلد لبد ننكره كليًا؟ هل اختلاف التوقيت شيء يعجز اللّٰه؟ خبتم، هاذا التوقيت من مخلوقات اللّٰه كيف تعتقد أن مخلوق يعجز خالقه عن القيام بشيء ما!

 ولأنك غير مدرك لتلك الحقيقة المدركة بشيء من الصدق في نفسك، تنكرها! 

كيف تنكر صفات اللّٰه التي أثبتها هو لنفسه لأن بصيرتك لا تستوعب ذلك؟ عقلك خلق هكذا لا يستوعب كل ذلك، لذلك قال سبحانه وتعالى :

"فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد"


اليوم أنت ترىٰ ما عجزت عن رؤيته في الحياة الدنيا، يعني إن كان بإمكاننا تخيل وتمييز شكل خالقنا تبارك وتعالى جل جلاله، ماذا يكون الفرق بين الخالق والمخلوق؟ 


أنت بشيء من العسر يمكنك تخيل شكل شخص ما من بعض الوصف له، وقد يكون تخيلك مطابقًا لحقيقة الشخص بنسبة 90% مثلًا، أنت تريد التعامل مع اللّٰه بنفس المنطق، وقد نسيت أنه الخالق هو ليس كمثله شيء منفرد بكل صفاته كما أثبتها لذاته وكما تليق بجلاله


 لا يرضيكم كون أن اللّٰه ليس كمثله شيء تريدون كل شيء بِيُسر لإرضاء بصيرتكم المحدودة، تريدون التعامل مع الخالق كالمخلوقات، وإن عجزتم أنكرتم! 

لماذا قال وبصرك اليوم حديد؟ 

لأن بصرك الذي خُلقت به المناسب للدنيا لن يستوعب الأشياء التي تعجز بصيرتك عن استحضارها، الأشياء التي لا تقدر على تصورها، تحتاج بصر حديد.


كتبتُ ذلك لاستحضاري حديث بيني وبين شخص في السعودية وقلت في نفسي عندما يحين الثلث الآخير من الليل عندي لن يكون نفس الوقت هو الثلث عنده، هل اللّٰه ينزل في كل بلد حسب توقيتها في الثلث الآخير من الليل؟ فاستغفرت واستوعبت أن من نتحدث عنه هو الخالق وليس مخلوق، وهو خالق الوقت وهو من سواه بمشيئته هو وعلمه هو، إذًا الوقت مخلوق من المخلوقات والخالق كما قلنا لن يعجزه مخلوق.


استقيموا عباد اللّٰه وتوبوا يرحمكم اللّٰه.


يمنى شحاته|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع