القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصه قصيرة :ابتسامة ألم
الكاتبة :ماريا مختار 

تصميم: ريم صالح 

مراجعة لغوية: مِنَّة اللّٰه إيهاب



لقد تحدثت مرارًا وتكرارًا، لكن لم يكن هنالك أحدًا يسمعني، لقد كنت وحيدة جدا ، وحيدة إلى الحد الذي يجعلني أفكر في طريقة واحدة للنجاة وهي الرحيل .

في الواقع لم يكن هنالك أي أحد يمنعني من هذا التفكير فقررت الذهاب إلى مكان منعزل والقيام بما يجب عليّ فعله هناك.


ذهبتُ إلى بناية ضخمه لم يكن يسكنها أحد فهي قيد الإنشاء وصعدت إلى الطابق العشرين ونظرت إلى الأسفل.. كان هنالك الكثير من الاشخاص الذين لا يمكنني عدهم ، فراودني سؤال في تلك اللحظة: لماذا يوجد كل هولاء الأشخاص ولكن لا يوجد أحد بجانبي؟ 


لم أجد في وقتها إجابة عن سؤالي فتقدمت خطوتين لأحقق مبتغاي وأرحل العى مكان ربما يكون أجمل .

عندما كنت على وشك الرحيل سمعت صوتًا يأتي من خلفي قائلًا: ماذا ستفعلين؟

كان يتحدث بهدوء وكأنه لا يحاول منعي وإنما يريد السؤال فقط .

أجبته :سأرحل من هنا .

تبسم وهو يتقدم إليّ: حقا لم تكن هذه الفكرة تخطر في بالي 

سكت قليلًا ثم صعد إلى جانبي وقال :حسنا هيا لنرحل معا 

نظرت لعينيه للحظات وقلت :ولماذا تذهب انت؟ سأذهب أنا فقط. ارجع فربما هنالك من ينتظرك لكن أنا لا يوجد أحد خلفي ليبكي عليّ.

تراجع إلى الخلف وابتسم وهو يشير إلى الهاوية قائلًا: تفضلي سيدتي يمكنكِ الرحيل .

نظرت إلى الأسفل وأنا أفكر :هل هذا الشخص مجنون أم عديم المشاعر؟

عم الصمت لبضع دقائق فصاح قائلا: يا إلهي يبدو أنك لن تفعليها ، هل ستفعلينها؟

سكتُّ ولم أنطق بحرف، فأكمل قائلًا: حسنا فهمتك الآن، لا يوجد أحد في حياتك وأنتي وحيدة جدا، وتظنين أنك بالرحيل ستلقني كل من تركك وحيدة درسا .

لكن دعيني أقول لك هذا، أنتِ جبانة وتفضلين الهروب على البقاء ومحاربة اليأس . أنتِ ضعيفة جدا وتظنين أنك ستعاقبين الجميع لكن في الواقع ستعاقبين نفسك لا أكثر.. هل جربت الوقوف على قدميك والمضي في هذه الحياة وتكوين علاقات جديدة ؟ أم أنك تركت كل شي وقررتي الذهاب بمجرد سقوط واحد ؟


كلماته كانت كسهم انطلق من قوس شخص يجيد الرماية أصابت قلبي ومضت تاركة خلفها قطع ممزقة ودمٌ ممزوج بألم .

أردت الحديث فقلت: لكن أنا ..

قاطع كلامي بسؤال لم أعرف ماذا أجيب عنه، وقد كان(هل تعلمين ما يدعى بابتسامة ألم؟ ).

شردت قليلا وكأنني أفكر كيف يكون هناك ابتسامة وألم في نفس اللحظه ؟


رمقني بنظرة كان تفسيرها(لقد توقعت هذا فأنت لا تعلمين عنها شيء)

فقال لي كلمات لن أنساها أبدا ..كلمات كانت كفيلة بخياطة الأجزاء الممزقة في قلبي وكانت:

ابتسامة الألم هي نوع من الابتسامات التي لا يجيدها الكثير ،فقط من هم أقوياء يتمتعون بها ، أن تبتسمي ابتسامة ألم وربما يمكنك تسميتها ابتسامة أمل، يعني أن تغرقي في المشاكل والصعوبات والوحدة والهجر والفقدان والاكتئاب ومع كل هذا لازلتِ تنظرين إلى نفسك في المرآة وترسمين البسمة على شفتيك وكأن شيء لم يكن ..هذه الابتسامة لا يستطيع الجميع تفسيرها؛ فهم يظنون أنك سعيدة بحياتك ولا يعلمون ما هو وراء تلك الابتسامة، لكنها كفيلة بجذب الذين حولك إليك. 

يجب عليكِ أن تبتسمي وتحاربي لأجل البقاء وليس الهروب والرحيل .. لأنه لا شخص سيفقد شيء برحيلك؛ فأنتِ فقط ستفقدين كل شيء.. وأجل نسيت أن أخبرك بشيء مهم، ألم تقولي أنه لا يوجد أحد خلفك ولا أحد يمسك بيدك ؟

انظري إليّ، إنني خلفك وسأمسك بيديك مادمت صامدة وقوية والأهم ما دمت تبتسمين ابتسامة ألم وتسعين لتحويلها إلى ابتسامة نابعة من قلبك دون ألم.


أمسكت بيده وتراجعت إلى الخلف وعلمت حينها أنه لا يجب على الإنسان اللجوء إلى الهروب وإنما عليه المواجهة والمضي قُدمًا.


ماريا مختار|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع