قصة "كنت على وشك السقوط"
شروق أبوالحسن
"أوقات كتير بنتجبر علي حاجات فى حياتنا علشان الدنيا تمشي، بس الغريب معايا أنى أتجبرت علي كل شئ فى حياتى، أنسانة مالهاش حق الأختيار فى أى شئ"
أنا اسماء، عندى22 سنة، طالبة فى أخر سنة فى كلية أداب قسم تاريخ، حياتى بدأت تتلغبط بعد وفاة والدتى، كان عندي 12 سنة ومن بعدها حياتى بقت جحيم، أنا وحيدة أهلى ماليش أخوات، وبحكم الظروف اللي حصلت جدتي جت وعاشت معانا أنا وبابا، علشان قال أى تأخد بالها منى، وهي فى الحقيقة ماكنتش بتعمل شئ غير أنها بتلغي شخصيتي.
دايمًا كل ماحلم بشئ كان بيتهد قبل حتي مافكر أسعي لتنفيذه، أنا فاكرة كويس أوي في يوم لما قولت لبابا أنى بحلم أنى أشتغل وأبني نفسى بنفسى، وأنى أعمل شئ مختلف ومميز ويكون خاص بيا ويمثلني، وجدتى سمعتنا فادخلت وقالت:
- البت مالهاش غير بيت جوزها، بدل ماتتعلميلك طبخة ولا حاجة تنفعك، عايزة تضيعي صحتك ومجهودك فى أي، مافيش حاجة هاتنفع البنت غير جوازها، غير كدا يبقي بنكدب علي بعض.
دخلت أوضتي وبدأت أفكر معقول أنا غلط؟!...هو كل أحلامي غلط!؟
عدت سنين وخلصت الثانوية العامة وكان نفسى أدخل كلية ألسن، ومجموعى كان يدخلني ألسن فعلًا، بس للأسف بابا ماوافقش بسبب السفر، واتفرض عليا كلية أداب، تقريبًا كل قرارات حياتى بتتفرض عليا ماعنديش حرية أختيار أى شئ، سواء كان لبس أو جامعتى أو حتي أصحابى.
دخلت الجامعة وماكنتش حباها، ماكنتش شايفة نفسى فيها، بس كنت بعدى علشان أخلص من زن تيتة وزن اللى حواليا.
بدأت أهرب من حياتى دي كلها بطرق مختلفة، وكانت أقربهم لقلبى هى النوم، كنت بهرب بالنوم، بنام فوق ال16 ساعة ويمكن أكتر، كنت بحس النوم دنيا تانية، بتسحبني للحلم اللى بتمناه ومش عارفة أوصله، كنت بشوف ماما وقبل مانام كنت بتخيل أنى بكلمها وبكمل كلامى معاها فى الحلم، كنت بحب الأحساس دا أوى وكأن هو اللى بيديني طاقة أنى أكمل.
جدتى كانت كل شوية تجيبلى عرسان بمبدأ أن البنت مالهاش غير بيت جوزها، وبتقنع بابا بدا فعلًا، ولما برفض كانت بتقول:
- دى هبلة ماتعرفش مصلحتها فين، أنت مش هاتعيشلها على طول يامحسن، وهى برضو بنت ولوحدها والطمع فيها كتير، سترها وجوزها وسيبك من كلامها.
وكالعادة دخلت أوضتي وهربت من كلامهم بدأت أكلم نفسى وأقول:
- ماحدش فاهمنى، ماحدش فاهم أنا عايزة أى، أنا مش جاهزة أكون بيت دلوقتي واشيل مسؤلية زي دي، أنا حاسة أنى هاقع فى نص الطريق، لى مش فاهمين أنى لسة مالقيتش اللى يقدر يقومنى لو وقعت فعلًا.
وروحت لتانى وسيلة بهرب بيها من الدنيا دي، وهى النت، دخلت علي الأكونت بتاعى وبدأت أكتب خواطر ومقالات، كلمت اصحابي ولقيت مسدج مبعوته من شخص ماعرفوش، فاطنشت، بس لقيت عنده ألحاح غريب أنى أرد عليه، وفعلًا رديت عليه وقولت:
- أفندم؟...مين؟
قالى:
- أولًا أنا أسف انى دخلت وكلمتك، بس أنا عايز أقولك أنى حلمت بيكي، وفيه رسالة بتقولك، خلى بالك من اللى حواليكي، لأن فيه كتير حواليكي عايزين يأذوكي وأنتى مش حاسة بدا، بالعكس أنتى مكملة معاهم ومش شايفة اصلا وشهم الحقيقي يا أسماء.
أستغربت كلامه، بس طنشته وعملت سين وماردتش، ولما بعت تاني عملتله بلوك، حاول يوصلي كذا مرة وفى كل مرة كنت بصده، لغاية ما صاحبتي فى يوم وأحنا فى الجامعة قالتلى:
- سمسم فيه واحد كلمنى عليكي، وقالى أنه معجب بيكي ومحتاج يتعرف عليكي، هو أخو صاحبتى وعايز يتكلم معاكي ولو فيه نصيب هايتقدملك يعنى وكدا.
رديت عليها وأنا متعصبة وقولتلها:
- يابنتى مانتى عارفة رأى ف العك دا، بالله عليكى قفلي على الحوار دا ياعُلا علشان الواحد مش ناقص عك.
ردت عليا وقالتلى:
- طيب خلاص اهدى، هو القصة أنه كلمنى أكلمك بس مش أكتر لأنه عارف أنك صاحبتى، هابلغه ردك وخلاص.
قولتلها تمام وخلاص، طلعنا المحاضرة وبعد ما خلصنا لقيت بابا بيرن عليا، أستغربت لأنه ماتعودتش يكلمنى أو يسأل عنى دايمًا مشغول، رديت عليه وقالى:
- أسماء تعالى البيت بسرعة جدتك تعبانة أوى.
قفلت معاه وجريت روحت وأنا مش فاهمة حاجة، أنا سيباها الصبح كويسة أى حصل؟.
لقيت تيته فى أوضتها وحواليها بابا والدكتور وعمتى، للحظة جت فى بالى يوم موت أمى وقلبى أتقبض، أنا مش حمل أنى أعيش الكابوس دا تانى، أطمنت عليها ودخلت أوضتى فى سكوت تام.
بعد تعب جدتى بقيت أنا مسؤلة عن البيت، أكل وشرب وتنضيف وغيره، وطبعا زايد على دا اهتمامى بجدتى، اللي بالمناسبة قربت منها اوى الفترة دي، واتكلمنا كتير جدا، وكان من ضمن كلامنا فى مرة، لما سألتها لى بتتعامل معايا كدا، لى دايما بتجبرني علي اللي مش عايزاه ومنعانى حتى أحلم، ردت عليا وقالت:
- أوعى تفتكرى أنى بكرهك، دا أعز الولد ولد الولد، أنا بس خايفة عليكي دا أولًا، ثانيا كنت خايفة يابنتي تطلعى زي أمك، أمك ماكنتش حنينة عليا، كانت دايما بتبص لمصلحتكم وماشية بمبدأ عيالى وبس، مافتكرش أنها ودتنى، خوفت تبقي وارثة قساوتها، بس صدقيني عمرى ماكرهتك، ودايما بحاول أحافظ عليكي، بس يمكن انا اللى طريقتى غلط، دقة قديمة بقا تقولى اي؟.
أترميت فى حضنها لأول مرة، يااااه أد أى كنت محتاجة الحضن دا حكيتلها كتير جدا وقولتلها أنى بحبها، مانا فعلا بحبها.
عدت الأيام والظروف أتحسنت لحد ما، وبدأت اخرج من أحلامى وأعيش فى الواقع وأواجهه، بقيت بقدر أقف قدام أى حد وأخد قراراتى بنفسى، مابقتش مُجبرة.
عدت السنين وأتخرجت وأتخطبت، أتخطبت لواحد أتحمل تقلباتى وخنقتى وخوفى وكل حاجة، كان معايا فى المرة قبل الحلوة، وأتجوزنا، وقدرنا وقتها نكون أسرة لطيفة سوية قدرت فيها أتخطى أى شئ حصل ليا، اديت جودى وآدم الحرية بس بحرص، علمتهم يثقوا فى نفسهم.
ودلوقتى أنا قدام قبر ماما وجدتى، وفخورة باللى وصلتله، وبشكرهم علي كل اللى عملوه معايا، الوحش قبل الحلو.
شروق أبوالحسن|همج لطيف
تعليقات
إرسال تعليق