قصة "صائمون"
بشائر حميد محمد
لم تكن لمى تعي إن الصوم هو ليس إمتناعا عن الطعام فقط ، وإنما صوم الجوارح والحواس . كانت تجلس في أخر سويعات النهار لتجد والدتها الحبيبه قد أعدت كل شيء ، تنهض من فراشها وتقوم بأخذ حمام بارد ثم تجلس بانتظار أذان المغرب لتتناول طعامها ، تعود بعدها الى سريرها لتقضي الليل بأكمله في التواصل مع زميلاتها وبعض المقربات منها . لم تكن والدتها تتذمر فهي ( أخر العنقود ) والمدللة ، ولكنها تحزن كثيرا عند رؤيتها غير مبالية بإداء صلاتها ، ناهيك عن الوقت الذي تقضية في إغتياب كل من خطر او تجرأ على الحضور ببالها . كم من مرة نبهتها الى ذلك . واحيانا أخرى عنفتها طالبة منها عدم التكاسل بأداء عباداتها ولكنها تتنهد وتبتعد بكل برود ولا مبالاة .
وفي أحد الايام أشتكتها والدتها إلى جدتها وكانت لمى تحبها كثيرا وتسعى لرضاها دائما . فأخبرتها الجدة بأن تترك ألامر لها ، وبانها ستزورهم قريبا وستبقى حتى نهاية شهر رمضان .
وفعلا وبعد يومين حضرت الجدة الى منزلهم وكانت إمرأة مسنة جدا ، إتخذت من عكازها قدما ثالثة تسند اليها جسدها الممتلىء ، رحب الجميع بها في المنزل ولمى بدورها كانت مسرورة جدا بقدومها .
مساءا وبعد الفطور طلبت الجدة من لمى أن تسندها حتى تتوضئ لاداء الصلاة ، اسرعت الاخيرة وفعلت ذلك .
- وبينما الجدة تتوضأ قالت لمى: وضوءي مختلف تماما عن وضوءك جدتي .
-فسألتها الجدة: وكيف ذلك ؟
-فقالت لمى وهي ترفع كميها الى الاعلى: دعيني أتوضأ وسترين ماذا أعني.
وفعلا توضأت لمى بينما كانت الجدة تبتسم في سرها ، أثنت على حفيدتها وطلبت منها أن تصلي بما إنها أدت الوضوء وفعلا قامت بذلك .
مع أذان الفجر نادت الجدة على لمى التي تناولت سحورها والتجأت الى فراشها على عجل وأخبرتها بأن ساقها تؤلمها وإنها ترجو منها إحضار القليل من الماء وإناء أخر فارغ لتتوضأ في مكانها ، أسرعت لمى تحث الخطى وجلبت الماء وسكبته لجدتها حتى أتمت وضوئها ثم أخذت الجدة إبريق الماء وأومئت لحفيدتها بأن تتوضا هي الاخرى ففعلت ذلك رغم بعض الترد ومن ثم قامت مصلية مع جدتها.
إستمر الحال على ما هو عليه حتى اليوم ال٢٦ من رمضان وصارت لمى لا تفوت فريضه واحدة بل بالعكس أخذت تحث جدتها على الصلاة . وحين سألتها الجدة عن تغيرها ذاك قالت لمى: منذ بدأت بالصلاة صرت أشعر بأروع أحساس ، سكينة ، أمان ، روحي مطمئنة بشكل جميل يا جدتي .
- فقالت الجدة: الم تشعري بهذه الاحاسيس حين كنت تصلين سابقا ؟
- لا أعرف ولكن أشعر برضا أكبر من ذي قبل .
فطلبت منها جدتها أن تبدأ بقراءة ما تيسر لها من الايات القرانيه ، فلم تتردد بجلب القران وقراءته على مسمع جدتها التي اشادت بها وبصوتها العذب .
مساءا سالت والدة لمى الجدة عما رأته في بنيتها من تغيير ، وهي تشبه ما حدث معها بالمعجزة.
- فقالت الجدة: إن الليالي العشرة من رمضان تجعل من قلوب الصائمين المعتكفين متعلقة بربها وتتوق اليه . لذا ترينها مواضبة على اداء عباداتها .
-فقال والدة لمى: لا أعرف كيف أشكرك أمي ، أزحت عن كاهلي حملا ثقيلا .
-فقالت الجدة: إن لمى فتاة طيبة وكل ما تحتاج إليه القليل من التوجيه .
وبينما هما تتحدثان جائت اليهما لمى وقد أدت صلاتها وطلبت من والدتها أن تبقى مرتاحة لانها ستقوم بالتنضيف عنها هذا المساء.
كانت فرحة والدتها لا تصدق فبغضون أيام قليلة ودعاء صادق من جدتها ومنها عادت لمى الى طريق الصواب.
تعليقات
إرسال تعليق