القائمة الرئيسية

الصفحات

قصة "صدقةٌ بريئة"

مروة عثمان

حين كنتُ صغيرًا كان لديّ صديقٌ في عمري، كلما مررتُ بجانبه ابتسم لي، وكنتُ أردُّ له الابتسامةَ دومًا، لم يسبق لنا أن تحدثنا، حتى مررتُ بجانبه في إحدى المرات وكانت معي أمي، فقدم إلينا يهرول ويطلب منَّا نقودًا، ومن دونِ مقدماتٍ أو استئذان سحبتُ محفظةَ أمي وأخرجت منها نقودًا وأعطيتُها له، فلماذا يوجد الأصدقاء؟ رأيتُ صديقي في مأزقٍ فساعدته مسرعًا، شكرني كثيرًا؛ فسعدتُ لإسعاده ثم ابتسمت لي أمي قائلةً: بارك الله لكَ يا ولدي، وذهبنا، وبعد هذه اللحظة بدأتُ أفكر أننا صرنا أقرب، وعلاقتنا قَوَت؛ لذلك كنتُ كثيرًا ما أمرُّ على المكان الذي أراه فيه دومًا؛ لأطمئن على حاله، من بعيد، فقط أنظر إليه، وسرعان ما لاحظت أنه يطلب النقودَ من الآخرين أيضًا، فبدأتُ في التعجب لماذا يفعلُ هذا؟ لم يخطر ببالي ثانيةً أنه ربما يكونُ محتاج، بل ظننتُه لا يعتبرني صديقًا بما يكفي لذلك يطلب من الغير، أو ربما كان لديه الكثير من الأصدقاء غيري لذلك يطلبُ منهم، ألم أكن كافيًا؟ هل آذيته مرة؟ ربما لم أردَّ الابتسامة، هل جرحت مشاعره بعدم ابتسامي له؟

بدأتُ في تجاهله؛ لأني -على حسب تفكيري حينها- ظننته لم يراني كافيًا، وبعد القليل من السنوات لم أعد أراه، أين ذهب؟ الآن بعد أن فهمت أنه بالتأكيد كان مُحتاجًا -ولماذا عساه يلجأ للسؤال إن لم يكن كذلك؟- الآن بعدما كنتُ أريد الذهاب والتحدث معه، وأن أشرح لماذا كنتُ أنظر له بحقد، وأتجنب النظر في عينيه، كان يمكننا أن نكون فعلًا أصدقاء، ولكنه ذهب.

كل يومٍ وأنا عائد من المدرسة أنظر للمكان الذي كان يقف به؛ فلا أجده، فيؤنبني ضميري، ربما كان يتحمل الكثير، ربنا كنتُ أستطيع أن أخفف عنه لو كنتُ أصبحتُ صديقًا حقًا.

ومنذ ذلك اليوم وبلا سببٍ مقنع، أساعد كل من أراه يسأل حتى وإن كان يسأل عن الطريق لا النقود، أشعر بالرضا حين أفعل ذلك وكأني أردُّ لصديقي هذا بعضًا من حقه.

وسبحان الله كان يردُّ الله الصدقةَ أضعافًا، ربما لم ألحظ وأنا صغير وانشغلت بالسبب الذي جعل صديقي يطلب من غيري، ولكن الصدقةَ من أسباب الرزق التي تجعلك تتعجب من كرمِ الله.

ظللتُ أتصدق وحسب وإن كان معي جنيهان أتصدق بأحدهما، ويردُّه الله أضعافًا مضعفة، وكلما جاءني رزقٌ بسببِ صدقة؛ حمدتُ الله ودعوتُ لصديقي الصغير.

حتى عند الكروبِ والأزمات أتصدق وأدعو وأستودعها الله، ثم أتعجب من كيفية فكِّ الله لكروبي جميعها وكأنها في لحظةٍ لم تكن.

وبعد سنواتٍ وأنا عائدٌ من العمل، شعرتُ بأحدٍ يمسكُ ذراعي، وإذا بشابٍ أسمرِ الملامح، شعرتُ أنني أعرف هذا السمار، وسرعان ما أخبرني بأنه ساهر، صديقي الصغير الذي لم أنساه يومًا، لطالما تسائلتُ عن حاله، وإنه بخير، وفي أفضلِ حالٍ أيضًا، ابتسامته ظلَّت كحالِها، تحدثنا كثيرًا، واعتذرتُ له عن طريقتي، ولكنه -على غيرِ توقع- شكرني عليها وقال إنه كان محتاجًا لها؛ فكان يستطيع أن يعمل أي عمل شريف ولكنه فضَّل الطريق السهل -السؤال-، وكلما نظرتُ له باحتقار كان يخجل من نفسه، وأخذ يُفكر فيما كان يفعله، وبحث عن عمل، وعمل واجتهد وترقى أيضًا، لن أقول لكم أنه عملٌ لا مثيل له، ولكنه شريف ويُرضي الله وضميره أيضًا، والآن أصبحت علاقتنا أنا وساهر مثل التي تمنيتها ورسمتها في مخيلتي دومًا.

مروة عثمان|همج لطيف 

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع