قصة "نقي قلبك
سلمى هاني
" مَع قُرب زوال الشمس، واقتراب موعد الإفطار لأول يوم في رمضان، تجلس الجدة داليدا مُمسكة مصحفها تقرأ منه وتتدبر كُل آية، علامات الكِبر في السن قد اعتلت وجهها، ولكن ملامحها اللطيفة لم تبهت حتى الآن، ولا زالت عيناها تلمع ولم تنطفيء، علىٰ يمينها يجلس"عُمر" حفيدها يتذمر حتى قاطع تلاوتها"
_ هو فاضل قد ايه على المغرب؟
" ابتسمت وهي تخطط في بالها كيف تُهدأ من ذاك الطفل المشاكس، ثم قالت دونَّ النظر إليه:
_ لسه فاضل ساعة ونص يا عُمر.
بغضب_ يااه يا تيتا دول كتير أوي أنا عطشان هستنى كل دَ!
" أغلقت مصحفها ووضعته إلى جانبها ثم ابتسمت له وقالت:
_ طيب أنا عندي فكرة حلوة جدًا.
_ هي ايه؟
بإبتسامة_ ايه رأيك نتكلم شوية ونحكِ شوية حواديت، لحد ما ماما تجهز الفطار والمغرب يأذن!
_ بس أنا هعطش اكتر لو اتكلمت.
ضحكت_ لا متقلقش أنا اللِ هتكلم يا سيدي، روح بقى نادي اختك وابن خالتك عشان نحكي كلنا سوا مع بعض ونتكلم.
" ذهب بغير اقتناع لِكلام جدته، وهو يتذمر لينادي اخته وابن خالته كما طلبت جدتُه منه، ثمَّ عادوا سويًا ليجلسوا أمام جدتهم منتظرين أنّ تقص عليهم قصة كما اعتادوا"
_ عارفين ليه احنا بنصوم في رمضان يا حبايبي!
" قامت حفيدتها مَليكة أخت"عُمر" ذات السِت أعوام وجلست لجانبها، وبصوتٍ رقيق يُشبه لُطفها، لو سمعت صوتها لشعرت بأنَّ قطعة من السكر تتحدث إليك، قالت:
_ ماما قالتلي يا تيتا بنصوم ليه.
ابتسمت_ ها يا مليكة ليه!
_ عشان نِحس بالفقراء.
_براڤوا يا مَليكة شطورة.
"ابتسمت بفرحة؛ فقام ابن خالتها أحمد ذو الثمانِ سنوات وقال:
_ أنا كمان عارف ليه.
_ ها يا أحمد قول.
_علشان في رمضان بنصلي كتير ونقرأ قرآن كتير فربنا بيدينا حسنات عشان بنقرب منه، صح يا تيتا!
ابتسمت_ صح يا عيون تيتا، شاطر.
" نظر إليهم عُمر وصمت لم يتكلم فابتسمت جدته له وبدأت بالتحدث:
_ كلكوا شاطرين يا حبايبي، وانتَ يا عُمر بردو شاطر عشان بتسمع اللِ بنقوله، بس انتَ تفتكر بنصوم ليه فكر معايا كدَ.
_ مش عارف، بس بابا كان بيقول إننا بنصوم عشان نكون بصحة كبيرة.
_ انتَ كمان صح وشطور زيهم، احنا فعلًا بنصوم عشان نحس بالأخرين، وعشان نقرب من ربنا أكتر وناخد حسنات كتير، وكمان عشان نكون في أفضل صحة، بس أنا عاوزة اسئلكوا سؤال تاني، بتحلموا تكونوا ايه وتعملوا ايه؟
" قالت مليكة برقة:
_ أنا عاوزة ابقى دكتورة ويكون عندي محل لعب في عرايس كتير خالص.
"ضحك أحمد وعُمر على كلامها؛ فنظرت الجدة لهم وقالت:
_ دَ حلمها، وهيكون حقيقة في يوم يا لولو، وانتوا أحلامكم ايه؟
" قال أحمد بحماس:
_ عاوز أكون ظابط.
"ثم هتف عُمر"
_ وأنا كمان عاوز أكون ظابط.
ضحكت_ أحلامكم حلوة وبإذن الله تتحقق، بس عارفين ازاي بتتحقق أحلامنا، أنا هقولكم أحلامنا بتتحقق بالدعاء والقُرب من ربنا، ومفيش أنسب من رمضان عشان دَ الشهر اللِ ربنا فيه بيستجيب للدعوات، لما بنصلي وندعي وندعي كل شوية ربنا بيحققلنا أحلامنا، فعشان كدَ رمضان دَ شهر مفروض كلنا نحبه مِش كدَ.
" نظر لها عُمر وقال:
_ أنا بحب رمضان عشان بابا بيجيبلي فانوس وبنجيب زينة وبروح اصلي مع بابا، بش بكون عطشان أوي ومش عاوز أصوم.
" أمسكت يده وقربته منها ثم قالت بإبتسام:
_ لا يا عُمر الصيام دَ حاجة كويسة جدًا، وبعدين انتَ بتحس بعطش عشان بتلعب كتير، إنما لو مثلًا قاعد هادي وبتتكلم معانا زي دلوقتي مش هتعطش خالص، صح ولا مش صح!
بعدم اقتناع_ صح يا تيتا.
_ طيب اللِ هيصوم رمضان السنة دِ كله ويصلي هيبقى ليه هدية كبيرة أوي مني.
" هتفوا جميعًا:
_ بجد يا تيتا.
_ بجد، بس بشرط تصوموا وتصلوا كل يوم.
" نظرت لها مليكة وقالت برقة:
_ وانتِ تحكيلنا حواديت كل يوم يا تيتا.
_ خلاص اتفقنا، ها يا عُمر هتصوم.
" ابتسم عُمر وقال:
_ أيوه يا تيتا هصوم.
_ يبقى اتفقنا، وكل يوم تيجوا احكيلكم حدوتة جديدة ونتكلم سوا.
" بدأت أصوات التكبيرات تنطلق من جميع المساجد معلنة وقت الإفطار"
_ شوفت يا عُمر الوقت عدى بسرعة ازاي ومكنتش عطشان.
_ عندك حق يا تيتا، هصوم بعد كدَ وأنا عارف اني هاخد ثواب كبير وربنا هيحققلي أحلامي، وكمان عشان الهدية.
" ذهبوا جميعًا للإفطار، بعد أن اقنعته بفضل الصوم، واقتنع بشكل تام، كَّم من المذهل أنّ تكون الجدة هينة الطبع هكذا؛ لتمسك بيد أحفادها للطريق الصحيح"
تعليقات
إرسال تعليق