القائمة الرئيسية

الصفحات

"الصحابي الذي هزم الفُرس بـ 600 محارب، ولم يُقتل منهم أحدًا"

مقال "الصحابي الذي هزم الفُرس بـ 600 محارب، ولم يُقتل منهم أحدًا"

الكاتب: علي محمد حبيب

تصميم غلاف: سارا محمد


قام بالاستعانة بطريقته التي عُرف بها وهي التعويض عن قلّة الجند بقوة القائد، فلما فكر عمر قال: وجدته إنه مجاهد عرفته بدر وأحد والخندق، وشهدت له اليمامة ومواقفها فما أخطأت له رمية، وهاجر الهجرتين، وكان سابع سبعة أسلموا على ظهر الأرض. ولما أصبح الصبح قال عمر بن الخطاب: أحضروا لي عُتبة بن غزوان. وعقد له الراية على 300 رجل ووعده أن يمدّه بعد ذلك بما يتوافر له من الرجال.

 

(كلام الفاروق عمر لعتبة بن غزوان)

لمّا عزم الجيش الصغير على الرحيل وقف الفاروق عمر رضي الله عنه يودّع قائده عُتبة ويوصيه، قال له: يا عُتبة إني قد وجّهتك إلى أرض الأُبُلّة وهي حصن من حصون الأعداء، فأرجو من الله -تعالى- أن يعينك عليها، فإذا نزلت بها فادعوا قومها إلى الله، فمن أجابك فاقبل منه، ومن أبى فخُذ منه الجزية، وإلا فضع في رقابهم السيف في غير هوادة، واتقي الله يا عُتبة فيما وُلّيت عليه، وإياك أن تنازعك نفسك في كبر يفسد عليك آخرتك، واعلم أنك صحبت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأعزّك الله -تعالى- به بعد الذّلة، وقوّاك به بعد الضعف حتى صرت أميرًا مُسلّطًا، وقائدًا مطاعًا تقول فيُسمع منك وتأمر فيطاع أمرك، فيا لها من نعمة إذا هي لم تبترك وتخدعك وتهوي بك إلى جهنم أعاذك الله وأعاذني منها.


(حوادث الطريق والبحث عن الطعام)

ومضى عتبة بن غزوان -رضي الله عنه- برجاله ومعه زوجته وخمس نسوة أخريات من زوجات الجُند وأخواتهم؛ حتى نزلوا في أرض قصباء لا تبعد كثيرًا عن مدينة الأُبُلّة، ولم يكن معه طعام يأكلونه، فلما اشتد عليهم الجوع قال عتبة لأحدهم: التمسوا لنا في هذه الأرض طعامًا.


فقاموا يبحثون عما يسدّ جوعتهم، وكانت لهم من الطعام قصة رواها أحدهم وقال:

بينما كنّا نبحث عن شيئًا نأكله دخلنا أدمة فإذا فيها فإذا بها (قُفّتان) في إحداهما تمر وفي الأخرى حب أبيض صغير مُغطّى بقشر أصفر، فجذبناهما حتى وصلنا للعسكر، فنظر أحدهم وقال على الحب الأصفر: هذا سُمّ أعدّه لكم العدو فلا تقربون منه. فملنا للتمر وجعلنا نأكل منه وإذا بنحو كذلك؛ فإذا بفرس قد قطع قياده وأقبل على الحب وجعل يأكل منه وهممنا أن نذبحه قبل أن يموت حتى ننتفع بلحمه، فقام صاحبه وقال: دعوه وسوف أحرسه الليلة فإن أحسست بموته ذبحته. فلمّا أصبحوا وجدوا الفرس معافًا، فقالت أخته: يا أخي إني سمعت أبي يقول: إن السم لا يضر إن وُضع على النار، وأخذت شيئًا من الحب ووضعته في القدر وأوقدت تحته، وقالت: تعالوا انظروا كيف أحمرّ لونه وجعل يتشقق عنه قشره وتخرج منه الحبوب البيض، فألقيناه في الجفنة لكي نأكله فقال عتبة: اذكروا اسم الله عليه وكلوه. فأكلناه فإذا هو غاية في الطيب وعرفنا بعد ذلك أنه الأرز.


(فتح الأُبُلّة)

كانت الأُبُلّة مدينة حصينة قائمة على شاطئ دجلة، وكان الفُرس قد اتخذوها مخازن لأسلحتهم، وجعلوا من أبراج حصونها مراصد لمراقبة أعدائهم، وهذا لم يمنع عُتبة من غزوها على الرغم من قلّة رجاله، فلم يجتمع له من الرجال غير 600 مقاتل تصطحبهم طائفة قليلة من النساء، ولم يكن عنده من السلاح غير السيوف والرماح فكان لابد له من استعمال ذكائه.

أعدّ عُتبة للنسوة رايات رفعنها على أعواد الرماح، وأمرهن أن يمشين بها خلف الجيش وقال لهن: إذا نحن اقتربنا من المدينة فأثرن التراب حتى تملأن به الجو. فلما دنو إلى الأُبُلّة خرج إليهم جُند الفُرس فرأوا إقدام المسلمين عليهم، ونظروا إلى الرايات التي تخفق ورائهم، ووجدوا الغبار يملأ الجو خلفهم، فقال بعضهم لبعض: إنها طليعة العسكر وإن ورائهم جيشًا جرارًا يُثير الغبار. ودبّ في قلوبهم الذُّعر، وسيطر عليهم الجزع فطفقوا يحملون ما خفّ وزنه وغلا ثمنه، ويتسابقون لركوب السفن الرّاسية في دجلة، ويولون الأدبار، فدخل الأُبُلّة دون أن يفقد أحدًا من رجاله، وفتح ما حولها من المدن والقرى، وغنم غنائم عزّت على الحصر وفاقت كل تقدير.


حتى أن بعض رجاله عاد للمدينة فسأله المسلمون عن الرجال في الأُبُلّة فقال: عما تسألون؟ فوالله قد تركتهم يكتالون الذهب والفضة. فأخذ الناس يشدُّون إلى الأُبُلّة الرحال، وعند ذلك رأى عُتبة أن إقامة جنوده في المُدن المفتوحة سوف تعوّدهم على لين العيش وتخلّقهم بأخلاق أهل تلك البلاد، وتفلّ من عزائمهم على مواصلة القتال؛ فكتب إلى أمير المؤمنين عمر يستأذنه في بناء البصرة، ووصف له المكان ووصفه المكان الذي اختاره لها فأذن له.


 المصادر:

- الطبقات الكبري لابن سعد.

- تاريخ الطبري.

- تاريخ الإسلام للذهبي.

- أُسد الغابة فى معرفة الصحابة.

- صور من حياة الصحابة.

- البداية والنهاية لابن كثير.


علي محمد حبيب|فلسطيني|همج لطيف

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

التنقل السريع