القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة "الوشاح الأزرق"

الكاتبة: رشا منير

تصميم غلاف: سارا محمد


-كيف لي بفراقك، وحدك من علمني معنى الحب يا إلياس..

=أحيانًا تُرغمنا الحياة على ترك الطريق الذي نُريده لنسلك أخر نجهله ولا نعلم خفاياه..

-سوف أنتظر رجوعك، ستعود من أجلي أليس كذلك!

=الشيء الوحيد الذي سيمدني بالقوة والمثابرة لتخطي كُل شيء ولأعود من جديد هو أنتِ، وحدك أنتِ..

-هل لي بطلبٍ من وحيدتي؟ 

=كُل شيء مُجاب لك

-الوشاح الذي يُلازم عنقك دائمًا أُريد أن أخذه لحين أعود إليكِ

=وأنا أيضًا أُريد ذلك الوشاح أزرق اللون ليُذكرني بعيناك دائمًا

-سأعود من أجلك، ثقي بي

=بدموع: يا ليتني قادرة على الذهاب معك 

-أنتِ معي دائمًا بالفعل 

=أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه، سوف أتي إلى هنا كُل ليلة حتى ألقاك 

                     "بعد مرور ثلاثون عامًا"

-بدار شُيّد باسم الحبّ، هناك امرأة عجوز تجلس بغرفتها، رغم ملامح العجز التي ظهرت على وجهها؛ مازال مُشرق ويُبث منه الأمل من جديد، تلتقي عيناها مع السماء الصافية بخلوٍ لمدة دقائق ثم تعتدل في جلستها وتتحسس دفترها ثم تقوم بفتحه وتكتب"عزيزي إلياس، أخفقت في العد من جديد، زال من ذاكرتي تمامًا كم الدفاتر التي كُتبت بها من أجلك، اشتقتُ إليك، كم أُريد بشدة أن أتي إليك حتى لا نفترق مرةٍ أُخرى، لكن ما يوحي إلي بالصبر على تلك الأيام أني ألقاك بأحلامي وتلك الفتايات الذي أرى بهم شبابي؛

أساعدهن على قدر استطاعتي، أحاول جمعهن مع أحبتهم رغم الكثير من المصاعب، أحاول أن أحتويهم وأن أوفر لهم كل الأشياء التي لم يحصلوا عليها؛ هكذا أفنيت عُمري بعد مفارقتك."

=تغلق الدفتر ثم تحتضنه وتودعه بقبلةٍ وتذهب أمام المرآة لتضع ذاك الوشاح أزرق اللون الذي لم يُفارقها ليومٍ قط، تذهب عند الفتايات فهذا ميعاد تجمعهم كل يوم، ثم قالت مُتسائلة: كيف حالكم اليوم يا فتاياتِ الجميلات؟

-نحن بخير يا جدتي، لكن هناك أمرًا ما

=وما هو ذلك الأمر؟

كُلنا هُنا نُريد أن نعلم ما أمر هذا الوشاح الذي يُلازمك دائمًا ولا تجعلي أحدٍ أن يقترب منه!

_باقي الفتيات في جملة واحدة: هيا يا جدتي أخبرينا ما أمره!

=حسنًا سأخبركم بكُل شيء

= إنه وشاح إلياسي، وحيد قلبي؛ أطلقت ذاك اللقب لأن قلبي لم يُنبض سوى لقلبه فقط، وفي ليلةٍ وضحاها أخذتهُ مني الحروب قبل ثلاثون عامًا، تعاهدت بأن أنتظره وهو أيضًا تعاهد بأن يعود من أجلي، مُنذ رحيله وأنا كل ليلةٍ أذهب لمكان فُراقنا على أملٍ بإنه قد عاد، تارة تصل لي مراسيله ويقوم باطمئناني أنا وقلبي، وتارة أُخرى لا يصلني منهُ شيء ليتركني مع ليالٍ سوداء خالية من عيناه الزرقاوان لأتشتت، 

فقط وشاحهُ وحده الذي كان يُعيدُني لصوابي من جديد، كلما أشتاق إليه أقوم باحتضانه ثم أبكي حتى أخلد للنوم دون وعيٍ مني، هكذا ظلّت الليالي تمر حتى أصبح أعوام دون أن أدري، كيف للوقت أن يمضي هكذا دون إلياسي! دون وحيد قلبي! كم هذا ليس عدلٍ له ولي ولقلبينا معًا، 

وأخيرًا قد جاء اليوم الموعود، قام بإرسال مرسالي المُفضل الذي كُنت أنتظره مُنذ أعوام،

كُتب بداخله: قد انتصرنا يا وحيدتي، قد هزمنا العدو وذهب فرارًا وأخيرًا، ذهب الخراب والتعمير أتِ من كُل النواحي، فقط أنتظريني لثلاث ليالٍ أُخرى، وتجهزي لتصبحين عروستي، لن أنتظر أكثر من ذلك، أخذت الحروب من عُمرنا وحُبنا أعوامًا، وكفى ذلك؛ انتفض قلبي، بل عقلي وجسدي كُله، قد أنتفض كياني، فقط الفاصل بيني وبين إلياسي ثلاث ليالٍ فقط، الحمدلله لك يا ربي قد وضعته أمانة عندك وها أنت تردهُ لي مُسالم من كُل شيء، ثم حمدت الله كثيرًا وكثيرًا، وها أنا سأتجهز لأكون عروسة تَليق به.

جاء اليوم الموعود، بداخلي صراعات كثيرة لن تهدأ إلا عندما تراه عيني أمامُها، بعد مرور الوقت رأيت أصواتٍ تقترب، همهمات لا أُدرك عنها شيء، يقتربون مني كي يواسوني، هل هؤلاء حمقا!! إلياسي عائد لماذا هذه السخافات إذًا!!! 

بدأ قلبي يرتجف، بدأتُ أتبيّن كُل شيء، حاولت تكذيبهم جميعهم، حاولت إنكار الأمر لكن، لكن إلياس أمامي ولكن أتى إلى محبوبته على نعشه، حينها أتتني غصة لن تفارقني مُنذ ذلك اليوم، وكأن الدنيا تأمرت علينا ولا تُريد إلينا اللقاء أبدًا، وكأن الله يُريد اختبار قلبي وإيماني من جديد، لم يكن في الحُسبان أن أقوم باحتضانه وهو ملطخ بالدماء هكذا، يا إلهي كم هذا شعورٍ لا يوصف مهما كتبت عنه، عاد إلى وطنه حتى يُدفن به وعاد إلي ليقوم بلهيب بداخلي، وحيدي أصبح مُفارقي وللأبد، صرخةُ صرخةً شعرت بأن أضلعي قُبضت بعضها البعض من قوتها، 

تمنيت لو هذا كان كابوسًا مُزعجًا ليس إلا، لكن بعض الأمنيات لا تتحقق سوى بالروايات التي نكتُبها، 

أصبحت عروس مُلطخة بدماء حبيبها، 

مُنذ ذلك اليوم وأنا أُحافظ على عهدنا، أنتظر حتى ألقاه بالجنة، فعلى علمي بأن الله يقوم بجمع الأحبّة الذين لم يجتمعوا بالدنيا ويجعلهم يجتمعون بالجنة. 


رشا مُنير|همج لطيف

author-img
للكِتَابةِ فِي فُؤادِي مَسكَّنٌ، كمَا الرّوحُ فِي اَلجَسَد تَسْكُنُ.

تعليقات

تعليق واحد
إرسال تعليق

إرسال تعليق

التنقل السريع