القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة "المرآة" 

الكاتب: عبدالرحمن حجاب

تصميم غلاف: فاطمة المصري

كم من فتاةٍ تنتصب أمام المرآة بالساعات، تتزين وتتبرج، تتأمل نفسها بدقة، مفتخرةً بجسدها، مطمئنة من خلو الغرفة من البشر، وأنه لن يراها أحد بداخل غرفتها، وفي زاوية من زوايا الغرفة يجلس متأملًا جسدها بولع، منتظرًا اللحظة المناسبة لامتلاك ذاك الجسد، اللحظة التي ستصبح تلك الفتاة ملكه للأبد، لن يمنعه أحد فلا أحد يراه أو يسمعه، وما إن يتهيء له الدخل لا يتردد ولو للحظة في الدخول، وهم من يفتحون له الباب عندما يطرقه، نعم البشر... بجهلهم السائد فإنهم لا يعلمون أن الجن يدخل لعالمنا من ذاك الباب الخفي {المرآة} وما إن يقفوا فإنهم أصبحوا فريسةً سهلة لسُكان العالم الأخر، 
تلك القصة ليست من وحي خيالي كعادتي، لا إنها حقيقية حدثت بالفعل، وأنا لا أقصها إلا لهدف التحذير ليس أكثر، 
أحذر مجددًا... القصة حقيقية تمامًا...


أهلًا أنا أدعى سارة أبلغ من العمر ما أبلغ فالعمر والمعلومات الشخصية لن تُفيد شيئًا في تلك القصة الصغيرة، إنها ليست قصتي بالمعنى ولكنِّ سأقص ما رأيته، سمعتُ الكثير والكثير ولكن لم أتوقع أن أرى شيئًا عن ما أسمعه، إنها قصة صديقتي لا ليست صديقتي ولكنه منزل صديقتي، أعتذر إن عجزتُ عن الوصف بشكلٍ دقيق فأنا مُتَوتِّرة قليلًا، بالإضافة إلى ذلك أنِّ لا أبرع في السرد، كنتُ ذاهبة لمنزل صديقتي التي لم أزرها منذ مدةٍ طويلة، دائمًا ما نجلس نتبادل الحديث ونلهو ونفعل أشياءً أخر، طرقتُ الباب وفتحت صديقتي، ولكن لم ندخل غرفتها ولكن توجهت صديقتي لغرفة الضيوف لنجلس بها، وهذه كان أول مرة لا نجلس بالغرفة، منذ جلستُ وأنا أرنو صديقتي بتمعن وهذا بسبب توترها الملحوظ، مللتُ المراقبة يجب أن أتحدث إليها فأنا منزعجة 
_ حبيبتي ماذا بكِ _ سارة_
لاحظتُ توترها الذي ازداد عند سؤالي وبدأت في الكلام بتلعثم وقالت 
_ لا شيء، لا شيء اطلاقًا، أنا بخير _ مي_
_ أنا لم أعهدكِ هكذا أبدًا، لماذا لم نجلس بغرفتكِ اليوم _ سارة_
يبدو أني قد القيتُ شباكِ وأنها أدركت أنها لن تُفلت مني أبدًا 
_ حسنًا يا سارة سأحكِ لكِ ولكن أرجوكِ لا تخبري أحدًا إبدًا _ مي_
_ لن أخبر أحدًا أبدًا 
_ منذ أسبوعان كنتُ بالخارج وكانت أختِ تقف أمام المرآة، وبينما هي مندمجة بالنظر في المرآة إذ بيدٍ سوداء خرجت من المرآة وقامت بلطمها على خدها وتسللت لداخلها مجددًا، وأختِ أخذت تزوم وتزوم ثم فقدت الوعي، وعندما ذهبنا بها إلى المشفى قال الطبيب أنها ماتت إيكلانيكيًا، وبعد اسبوعان تقريبًا افاقت مجددًا، واستردت صحتها، لم تسترد صحتها الكاملة ولكنه جزءٌ منها، تهشمت أسنانها وقال الطبيب بأن سبب تهشم الأسنان وهو الخوف، لأنها كانت تزوم، عاد كل شيء لطبيعته، ولكن لبعض الوقت فقط، وفي يومٍ من الأيام ذهبتُ لصديقتي وكنا نجلس بغرفتها، وطلبتُ أن أذهب إلى الخلاء، فذهبتُ وحين عُدتُ وجدتُ صديقتي تضحك بهستريا، فسألتها 
_ على ماذا تضحكين _ سارة_
_ لا شيء _ مي_
_ أنتِ مجنونة؟_ سارة_
لم تُجبني ولكنها ضحكت نصف ضحكة، لقد نسيتُ وصف صديقتي، هي فتاة تبلغ من العمر عشرون سنة وذو بشرةٍ سمراء، وعيناها بنية، مُحترفة في التجميل وتصفيف الشعر وتزيينه، وتستطيع أن تطلق عليّ فأر تجاربها، وذاك بسبب طول شعري ونعومته، انتهينا من حديثنا وحان وقت ذهابي لمنزلي، وخرجتُ بالفعل، وفي اليوم التالي هاتفتها، ولكني وجدتها نائمة، واستمر ذاك الوضع لفترةٍ طويلة، وهي تنام ساعاتٍ كثيرة بشكلٍ ملحوظ، على غير عادتها، زرتها أكثر من مرة وذاك بسبب اختفائها الملحوظ، ولكني وجتُ وجهها غريب، فقد ظهر شعر قصير نسبيًا في وجهها، ورغم كونه قصير إلا أنه كان كثيرًا، فسألتها لماذا لا تهتم بنظافة وجهها؟ ردت بالنفي وقالت أنها نظفت وجهها بالأمس، حاولت تجاهل ما أراه، وعُدتُ لمنزلي، وفي اليوم التالي قمتُ بزيارتها ولكني تفاجأت من لون بشرتها فقد كانت ناصعة البياض ولم يكن هناك شعر بوجهها، برغم أن مي بشرتها سمراء كما ذكرتُ مؤخرًا، لم أتحدث وأول شيء قفز ببالي بأنها وضعت شيئًا للتفتيح، جلسنا قليلًا وفي أثناء حديثنا سمعنا صوت الأذان، لاحظتُ بأن ملامحها تغيرت، وبدأت تزوم، نعم تزوم وهي مغمضة العينان، وبعد انتهاء الأذان بدأتُ بدعاءِ ما بعد الأذان وسمعتُها تُتمتم بكلامٍ لم أفهمه، وظلت على تلك الحالة لثلاثة أيام، لم أستطع الإنتظار أكثر من ذالك فأنا أشعر بأن هناك شيئًا بها، وأخبرتُ والدتها فقالت لي بأنها تجلس بغرفتها طيلة الوقت، وبرهة تخرج بأدوات التزيين من غرفتها وتريد الخروج من المنزل، ولكني منعتها من النزول، وبالأمس كانت تتشاجر مع أخيها وقامت بسبه بألفاظ بذيئة، وعندما صرخت بموجهها دخلت غرفتها ولم تخرج، في اليوم التالي زرتها ودخلت غرفتها، وكانت نائمة، أيقظتها وحين رأتني قال
_ ها قد أتيت، أخيرًا
عندما أفاقت بدأت تنظر إليّ نظراتٍ غريبة، وتتفحص كل جزءٍ بي، لم تعجبني نظراتها فصفعتها على وجهها، وحينها رأيتُ أسوء شيء في حياتي، فقد تغيرت ملامحها تمامًا، تحولت عيناها للون البرتقالي والجفن باللون الأصفر، وظهر شاربٌ طويل كشارب الرجال، وحيت رأيتها دوت صرخةً مني، فانقضت باتجاهي وقامت بقضم ذراعي، حاولتُ أن أدعها تتركني ولكن بدون فائده، دخل أختها وأمها وهم يحاولون إبعادها عني، وهي ممسكة بزراعي بمنتهى الشرسة، ويخرج منها صوت حشرجةٍ غريبة، وبرهة استلقت على ظهرها وبدأت ترتجف بشدة، وتزوم بصوتٍ عال، بمجرد أن هدأت، خرجت أمها وذهبت وأتت بشيخٍ ليرى ما بها، فجاء الشيخ بالفعل وقصصنا له ما حدث وقال بأن بها مس، وقد غضب ما بداخلها مني لأنِّ قمتُ بصفعة، وقال بأن ذاك الجنِ يسكن المنزل ولو خرج منها سيتلبس شخصٍ أخر من المنزل، وكان معه أوراقً كثيرة، فأخذ يكتب كثيرًا وكثيرًا ووضعها على كل ركنٍ من أركان الشقة، وجلس وأخذ يتمتم بصوتٍ غير مسموع، وأمسك بالماء وأخذ يسكب عليها مياة، وتغير وجهها مجددًا، وأصبح الشنب كبيرًا جدًا، وشعر وجهها، وبدأت بالصراخ وهي تقول
_ لن أخرج لن أخرج لن أخرج لن أتركها 
لم يتحدث الشيخ وأخذ يقرأ ما تيسر من القرآن بصوتٍ أعلى وأعلى، لا أعلم ما يحدث ولكني رأيتُ ظفر إصبع قدمها الصغير ينتزع من مكانه، وخرج من مكانه دم، نعم دمٌ كثير جدًا، توجهتُ إلى المطبخ لأحضر شيءٍ ليُقف ذاك النزيف، ولكن حين اقتربت منها منعني الشيخ وأشار بإصبعه بإتجاه أصابعها وهو لم يتوقف عن تلاوة القرآن، وحين التفت إلى الأصبع وجدته توقف عن النزيف، ومنذ ذاك الحين لم ينمو ظفر ذاك القدم مطلقًا، واختفى كل شيء.

عبدالرحمن حجاب|همج لطيف


تعليقات

التنقل السريع