مقال: مخطوطة غيغاسالكاتب: عمر سعيد
تصميم: منى عنتر
وجد من العدم أو من اللاشيء، ليست مجرد عبارة عابرة، بلى هو وصف مطابق تمامًا لما سنتحدث عنه، كتاب أو مخطوطة هي الأغرب في العالم، لا ليست لأنها مفقودة أو مخفية، هي بالفعل موجودة لكن لها سرًا أكبر بكثير، لا أنصح أحد بالإطلاع عليها، نسخة واحدة فقط من هذه المخطوطة خلقت أكبر لغز في التاريخ وعجز العلماء عن فك شفرته، من كتبها؟ متي؟ أين؟ ولماذا؟ وما علاقة الشيطان بها؟!
*مخطوطة غيغاس أو كتاب الشيطان:*
هو كتاب ليس كأي كتاب فهو يمكن أن يكون الفريد من نوعه، والذي كتبه أو تدخل في كتابته مخلوق غير بشري، كتاب تبدأ الغرابة فيه من الغلاف وصولًا المحتوي انتهاءًا بالكاتب، فالكتاب حمل أسطورة حول من كتبه، وسبب كتابته برسومات غريبة ونصوص قديمة، وللعلم الكتاب موجود فعليًا وليس من نسج الأساطير، أين؟
كتاب الشيطان أو مخطوطة جيجاس هو كتاب حسب المؤرخين والباحثين من العصور الوسطى أو بمعني أصح هو أكبر كتاب من كتب العصور الوسطى، وعند قول أكبر كتاب، فهذا يعني حرفيًا أكبر كتاب حيث يبلغ وزنه حوالي 75 كجم، وحسب الدارسين فهو يحتاج لرجُلين لحمله، طوله 91سم، عرضه 50.50سم، سُمكه 23سم، لكم أن تتخيلوا حجم الكتاب!
الكتاب الخارجي عبارة عن قطعتين من الخشب يثبتهم مع الأوراق وتد خشبي محفور، والأغرب أوراق الكتاب وهي عبارة عن جلود حيوانات، وكل ورقتين تتطلب سلخ حيوان كامل، وبحسب المحللين لإكمال الكتاب ذو 310 صفحات وهذا الرقم غير مؤكد، يتطلب الأمر سلخ ما يُقارب 150 حيوان، واختلف العلماء إذا كانت الجلود المُستخدمة " حمير أم عجول صغيرة"، أما كاتب الكتاب مجهول حتي يومنا هذا.
الكتاب بحد ذاته أشبه بموسوعة لبعض الكتب المُقدسة القديمة، وبعض المعلومات والممارسات السائدة آنذاك في العصور الوسطى، إضافة لبعض الرسومات وتلك الرسومات أهم موضع غموض للكتاب.
اسم الكتاب، له تسميات مختلفة:
١) مخطوطة غيغاس والتي تعني باللغة اللاتينية الكتاب الضخم وأعتقد السبب واضح لما سبق ذكره.
٢) الاسم الثاني والذي اشتهر به: كتاب الشيطان أو انجيل الشيطان والسبب: لأنه يُقال أن الشيطان الذي كتبه، كيف؟ سنتكلم لاحقًا عنه.
لنأخذ جولة عبر التاريخ؛ لنعرف الكتاب جاء من أين وما هو مصيره؟
عمر الكتاب بحسب التحليلات التي أجريت عليه يُقدر بحوالي 1800 عام، أي أنه يعود للقرن الثالث عشر، والواضح للباحثين والمؤرخين أن الكتاب أُنشأ على يد الرُهبان في إحدى الرهبانات القديمة في ( بوهيما سابقًا) والمعروفة حاليًا بـ (الجمهورية التشيكية)، لا يوجد تاريخ محدد لكتابة كتاب الشيطان، حيث أنه لم يجد العلماء دليل واضح على تاريخ الكتاب، ولكن في الصفحة الأولى من الكتاب وجد الباحثون ملاحظة تنص على ( أن الكتاب أُهدي من هذه الرهبنة والتي عُرفت باسم Podlazice Monastery سنة 1295م إلى رهبنة أخرى تُدعى Sedlec Bohemia).
وفي نفس العام قامت رهبنة أخرى تُدعى (Benedictine Order Brenvo) بشراء الكتاب ثم أختفى لفترة طويلة.
عاد الكتاب للظهور مرة أخرى عام 1594م حينما قام الأمبراطور الرومان || Rudolf (رودولف الثاني)، والذي كان معروفًا عنه هوسه بالأمور الغامضة والسحر وغيره، طلب من الرهبنة أن تُعيره الكتاب؛ لـِيقوم بقراءته وإعادته حال فراغه منه، أخذ الامبراطور الكتاب إلى قلعته في "Prague", وأبقاه هناك، ظل الكتاب في القلعة لحين قيام القوات السويدية بالدخول إلى تشكيا واحتلال القلعة مابين عام 1618م إلى 1648م أي خلال حرب ال 30 عامًا. وكان الكتاب إحدى الغنائم التي غنمها الجيش السويدي من خلال تلك الحرب، وصل الكتاب إلى السويد ووضع في القصر الملكي في "Stock Holm" إلا أن حريقًا نشب في القصر سنة 1697م ووصل إلى المكتبة. فما كان من المسؤول عن الكتب إلا أن ألقى هذا الكتاب مع كتب أخرى ثمينة، وبذلك تم إنقاذ الكتاب من الضياع والدمار، إحدى الروايات عن الكتاب أنه عندما تم إلقاء الكتاب من النافذة أصاب أحد الواقفين أسفلها إصابة بليغة بسبب الحجم الغير طبيعي للكتاب.
سنة 1878م أصبح الكتاب رسميًا من ممتلكات المكتبة الملكية الجديدة والتي تحولت بعدها إلى المكتبة الوطنية السويدية حيث مازال الكتاب يسكن بسلام هناك في غرفة خفيفة الإضاءة خوفًا من تعرضه لأي تلف، وبهذا يكون الكتاب فعلًا حقيقيًا موجود وبإمكان الكل يذهب لرؤيته.
_ فما إذن محتوى الكتاب، وما هو الأمر الذي وسم الكتاب بالغرابة والغموض.
بحسب المؤرخين الكتاب كتب في العصر البوهيمي ومن قبل راهب أو رُهبان بوهيمين، وبالتالي لابد أن المحتوي ديني! بالفعل، أغلب المحتوي عبارة عن نصوص مقدسة والكتاب كُتب بشكل أنيق باللغة اللاتينية، انجيل "Volgate" وهو نسخة من الكتاب المقدس من القرن الخامس الميلادي وهو النص الرسمي المقبول من الكنيسة الكاثوليكية، أحد أبرز ما نصه الكتاب بالإضافة إلى النصوص التالية:
١) كتاب العهد القديم.
٢) آثار اليهود للمؤرخ الإغريقي(Flavius Josephus) من القرن الأول الميلادي.
٣) حرب اليهود لنفس المؤرخ.
٤) موسوعة قديمة بعنوان (Etymologiae) من القرن السادس الميلادي.
٥) أحداث بوهيميا للمؤرخ Cosmas.
٦) مجموعة من النصوص الطبية باسم
(Ars Medicinae).
٧) كتابين في الطب الفيزيائي والعالم القديم "African Constantine".
٨) لائحة بأسماء الرُهبان في أول دير استقر الكتاب فيه وهو دير Podlazice Monastery.
٩) زونانة بأسماء أشخاص ماتوا في فترة زمنية محددة أو زونانة أخرى بأسماء رُهبان وأناس بوهيمين مهمين وذوي شأن مع تواريخ تكريمهم.
١٠) سجل تاريخي لأحداث محلية.
١١) الأبجدية العبرية والإغريقية والبوهيمية القديمة.
١٢) تعاويذ ولعنات سحرية لم يُفهم معناها إطلاقًا.
١٣) نصوص تخص عمليات طرد الشياطين والجن والتي كانت شائعة في العصور الوسطى.
١٤) عدد من الصلاوات والترانيم التي رجح العلماء أنها تخص الأديرة البوهيمية القديمة.
_ المصادر الرسمية أكدت أنه ما يقارب من 10 صفحات من الكتاب قد تم تمويلها ومحتوي الصفحات هتكلم عنه لاحقًا.
الأمر لم يقف عند النصوص الدينية والتاريخية بل شمل الكتاب أيضًا العديد من الرسومات التي تُجسد حيوانات، ونباتات وهندسات معمارية مختلفة، كمان أن الشخصيات الشيطانية ساكني الجحيم كان لها حضورنا بارزًا في الكتاب، بالإضافة إلى مظاهر السماء المختلفة إلا أن رسمة محددة في الكتاب كانت مصدر الجدل الرئيسي في الصفحة 577 وكانت صورة الشيطان علمًا بإن الصورة لها وجهين أي صفحتين ولكن هذه الصفحة من أعلاها لأسفلها رسم ملون ومفصل للشيطان بالوجه الأخضر واللسان الأحمر المشقوق نضف لذلك القرنين والأظافر الطويلة الحادة المعكوفة على يديه ورجليه، الشيطان كان يرتدي رداء ملكي وهذا يدل على أنه أمير الظلام ويجلس بين برجين طويلين.
_ في الكتب القديمة رسم الشيطان كان طبيعي إلا أن الغريب في هذا الرسم عاد عن دقته واحتلاله صفحة كاملة وهذا ما يُعد أمر مُستهجن والسبب دخول الشيطان بين النصوص الدينية، والأغرب النص الذي سبق صورة الشيطان والنص عبارة عن عملية كاملة بطرد أرواح شيطانية فيما يُعرف (Exorcism) في مقابل هذه الصفحة، رسم تفصيلي لمدينة الجنة بأبنية وأبراج عالية خلف جدار باللون الأحمر وقبل هذه الرسمة نص يدل على الشعور بالذنب والندم وكلب المغفرة ما حث المفسرين إلى القول بأن الصورتين تمثلان النقيض بين الذنب والتوبة ومصير المذنب ومصير المؤمن، وهذا الأمر طرح سؤال ما الذي دفع كاتب الكتاب إلى رسم مثل هذا الأمر وكتابة هذه النصوص؟
قبل الإجابة نتكلم عن هوية الكاتب فهي بجد ذاتها تحمل أسطورة، أسطورة كانت السبب بالإضافة إلى رسمة الشيطان لمنح الكتاب اسم كتاب الشيطان.
بين صفحات الكتاب يوجد اسم وحيد وهو (Herman The Recluse) والذي يعني أن هيرمان المعزول أو المتوحش وورد هذا الاسم خلف أسطورة الكتاب، وبحسب الأسطورة أن راهب كسر العهود والمواثيق الرهبانية بخطايا غير مغفورة، وهذه الخطايا لم تُعرف ماهيتها إلا أن ورود عبارات الندم والخجل والذنب عزز من انتشار الأسطورة، الأهم هو الحكم على الراهب وكان الموت صلبًا على الحائط وفي محاولة أخيرة منه وللنجاة بحياته قام الراهب بعقد اتفاق مع الرهبنة التي ينتمي لها وكان الإتفاق أن يكتب كتاب يشمل كل معارف البشرية التي تم التوصل إليها في ذلك الوقت وذلك كله في (ليلة واحدة) انعزل الراهب في محرابه بهدف البدء في الكتاب إلا أنه مع انتصاف الليل لم يكتب الراهب سوى بضع صفحات تُعد على أصابع اليد، وأدرك الراهب أنه هالك لا محالة صباح اليوم التالي، ولذلك قام بالمحظور فقام بإستدعاء الشيطان واستخدم التعاويذ القديمة، وعقد صفقة معه وكانت عبارة عن أن الراهب يبيع روحه للشيطان مقابل أن يكمل أمير الظلام كتابة الكتاب، فتمت كتاب الكتاب في هذه الليلة وقدم الراهب كتابه الغريب إلى الرهبنة وحصل على حريته لتقف الأسطورة هنا دون أن نعلم ماذا حدث للراهب، هذه هي الأسطورة وبهذا يكون الشيطان من كتب الكتاب فأصبح الكتاب ( كتاب الشيطان).
ترافق هذه الأسطورة العديد من المعتقدات الغريبة منها:
_ أن من يحمل الكتاب يصيبه ثراء فاحش.
_ المعتقد الآخر أن الكتاب يحمل الحظ السيء لمن يحوذه والدلالة بحسب ما أصاب الأمبراطور رودولف الثاني والحريق الذي نشب في المكتبة القديمة.
إلا أن الكتاب موجود منذ القرن ال ١٩ في المكتبة الوطنية ولم يحدث أي ضرر؛ إذن لا يمكن أخذ هذه المعتقدات في الاعتبار حتى أن التفسيرات لهذا الكتاب لم تتناول موضوع الحظ الجيد والسيء وأغلب التفسيرات التي تتناول الكتاب أكدت بشكل ما محتوى الأسطورة، فبحسب وثائق أعدته (National Geographic) يسمي (Devil's bible) حول هذا الموضوع وبحسب أكثر تحليل أبرزها للباحث والعالم في خطوط اليد (Michael Golik) فإنه بالفعل شخص واحد قام بكتابة الكتاب كله بدقة وبدون أي خطأ وبنفس الطريقة من أول الكتاب إلى نهايته دون توقف ودون أي تغيير في النمط وهذا ما يعتبر أمرًا غريبًا وبحسب مايكل لإكمال الكتاب من قبل شخص واحد، فالأمر يحتاج إلى العمل ليلاً نهارًا دون توقف لا أكل ولا نوم أو أي أمر أساسي لمدة 5 سنوات متواصلة وهذا الأمر مستبعد، لذلك بحسب إحدى الدراسات فأنه بإحتساب ساعات الأكل والنوم وغيرها فالكتاب بالطريقة التي وجد بها وكتب بها يحتاج ما لا يقل عن 30 عام ليكتمل.
_ إحدى الدراسات رأت أن الخط والطريقة واحدة إلا أنه لوحظ وجود أنواع مختلفة من الحبر لذلك يمكن أن يكون الكاتب أكثر من شخص إلا أن الرأي السائد هو شخصًا واحدًا قام بالكتابة، فما الذي يدفع راهب ما إلى هذه العزلة الطويلة لكتابة مثل هذا الكتاب؟ وكيف استطاع وحده سلخ هذه الحيوانات وتجهيز جلودها للكتابة؟ إجابة العلماء لا أحد يعلم.
_ أمر آخر، الأوراق الممزقة رأيين لا ثالث لهما:-
١) يقال أنه صلاوات وترانيم وتعاليم تخص الدين البوهيمي القديم.
٢) الأوراق الممزقة هي صلاة الشيطان وتعاويذ استحضاره وقد تم مزقتها الأديرة التي توالت على الاحتفاظ بالكتاب لمنع استخدام الصلاوات الشيطانية.
التناقض ما بين هذا الكتاب بين النصوص المقدسة ورسوم الشيطان وأعوانه مصدر إثارة مريب وبالأخص لا استخدام معروف للكتاب، في حين يعتبره البعض كتاب مقدس يراه البعض الآخر عملًا شيطانيًا بالرغم من وجود النصوص الدينية والبعض يعتقد أن من كتبه كان يريد التكفير عن ذنب عظيم ارتكبه إلا أن الذنب والسبب والكاتب لا يزالوا مجهولين وظلت أسطورة الكتاب قائمة بلا إجابة.
تعليقات
إرسال تعليق