القائمة الرئيسية

الصفحات

 مقال: فتح مكه
الباحثة: وداد عبدالمنعم

 مراجعة لغوية: رحمة ناصر 

تصميم: ريم صالح 


  • سبب الفتح، الاقتراب من مكه، دخول مكه، أخلاق النبي في فتح مكه 
  • فنح مكة أراد الله

 -سبحانه وتعالى- أن يدخل الرسول والمؤمنون مكّةَ فاتحين لها، مُنتزِعينها من أيدي قريشٍ، ومُطهّرين لها من الأوثان، مُعيدين إليها مكانتها الأولى في الأمن والطهارة، وذلك في العشرين من رمضان سنة ثمانٍ للهجرة بعد أن عايش المسلمون ظلم قريش، وعداءهم للإسلام وأهله، وترسُّخ الدين في قلوبهم، ويسمّى فتح مكة أيضا: بالفتح الأعظم، والفتح المبين


سبب فتح مكة: 

كان صلح الحديبية السبب المباشر في فتح مكّة؛ فبعد أن تعاهد الرسول مع قريش في ذلك الصلح على حرّية انحياز الأفراد والجماعات إلى الطرف المختار، والدخول في دينه ومعتقده، فمن أراد أن يدخل في حِلف الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- فله ذلك، ومن أراد أن يدخل في حِلف قريشٍ دخل فيه، وأنّ أيّ اعتداءٍ على أيّ قبيلةٍ متحالفةٍ مع أحد الطرفين يُعتبر اعتداءً على الطرف نفسه، فانحازت بنو بكر إلى قريش، وانحازت بنو خزاعة إلى رسول الله- صلّى الله عليه وسلّم-، ودعمَ هذا الصُّلح الأمن بين القبيلتَين المُتحاربتَين في الجاهلية، إلّا أنّه لم يدم طويلاً؛ ففي العام الثامن للهجرة وفي شهر شعبان بالتحديد دبّرت بنو بكر مع قريش مكيدة، وخطّطوا للتآمر على بني خزاعة في مكّة؛ ظنّاً منهم بأنّ الأخبار لن تصل إلى الرسول في المدينة؛ لبُعده عنهم، وانتهزوا فرصة انشغال المسلمين بأمر الدعوة وإرسال السرايا، فأغار بنو بكر على بني خزاعة ليلاً بعد أن أمدّتهم قريش بالسلاح، وقتلوا منهم ثلاثةً وعشرين شخصاً، أغلبهم من النساء والأطفال والشيوخ، وذلك بالقُرب من بئر الوتر، فهربوا إلى الحرم، ولم تأخذ بنو بكرٍ بحرمة البيت، واستغلّوا فرصتهم، وأخذوا بثأرهم.

كان هذا الاعتداء انتهاكاً لبنود صلح الحديبية واعتداءً مباشراً على رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وعلى المسلمين، فتوجّه قوم خزاعة بعد ذلك إلى دار بديل بن ورقاء لاجئين إليه، ومستجيرين به، وفي هذه الأثناء كان عمرو بن سالم قد ذهب إلى الرسول في المدينة يُخبره بما حدث مُنشِداً أبياتاً من الشِّعر يَصف فيها الوضع الذي حصل لهم من القتل، ومُذكِّراً بالعهد مع رسول الله، فأجابه رسول الله -صلّى الله عليه وسلم: (نُصِرتَ يا عمرو بنَ سالمٍ).


الاقتراب من مكّة: 

 بدأ الجيش الإسلاميّ بالتحرُّك مُتوجِّهاً إلى مكّة، وكان قد استخلف النبيّ على المدينة الصحابيّ أبا رهم الغفاري، وفي الطريق حينما وصل الرسول منطقةَ الجحفة، لَقِي النبيُّ عمَّه العبّاس بن عبد المطلب ومعه أهله مسلمين، ولمّا وصل النبيّ إلى منطقة الأبواء لَقِي أبا سفيان وأعرض عنه الرسول، فنصح علي بن أبي طالب أبا سفيان أن يدخل على الرسول كما دخل إخوة يوسف على يوسف فقالوا له: (تَاللَّـهِ لَقَد آثَرَكَ اللَّـهُ عَلَينا وَإِن كُنّا لَخاطِئينَ)، ففعل أبو سفيان، وردّ عليه النبيّ: (لا تَثْرِيبَ عليكم اليومَ يَغْفِرُ اللهُ لكم وهوَ أرْحَمُ الرحمينَ)،وظلّ الجيش يسير إلى أن وصل إلى منطقة فيها عين ماء تُسمّى (الكديد)، أفطر عندها الرسول والصحابة؛ لأنّهم كانوا صياماً، وأكمل الجيش سيره إلى أن نزلوا بوادي فاطمة عشاءً، وأوقدوا النيران، وعيّن الرسول عمر بن الخطّاب على الحرس. خرج العبّاس على بغلة النبيّ؛ ليرى أمر قريش، فوجد أبا سفيان خارجاً يتجسّس الأخبار، فأخذه العبّاس إلى معسكر المسلمين، وحينما رآهم عمر أراد قتل أبا سفيان، إلّا أنّ العباس أجاره، وحضر أبو سفيان إلى النبيّ وأنكر عليه النبي بقاءه على الكفر، فأسلم أبو سفيان، فقال النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن دخل دارَ أبي سفيانَ؛ فهو آمِنٌ، ومن أغلق بابَه؛ فهو آمِنٌ، ومن دخل المسجدَ؛ فهو آمِنٌ. فلما ذهب لِينصرفَ؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: يا عباسُ! احبِسْه بمضيقِ الوادي عند خطْمِ الجبلِ، حتى تمرَّ به جنودُ اللهِ فيراها)، وقد انطلق أبو سفيان بعد ذلك ينادي في أهل مكّة مُحذِّرًا لهم بأنّه لا طاقة لهم بالجيش القادم مع رسول الله، وسار رسول الله حتى وصل إلى ذي طوى، وفيها قسَّم الجيش؛ فوضع خالد بن الوليد على المجنبة اليُمنى، وأمره بالدخول إلى مكة هو ومن معه من أسفل مكّة إلى أن يلاقوه عند الصفا، ووضع الزبير على المجنبة اليُسرى، وأمره حينما يصل إلى الحجون أن يغرس رايته ويبقى فيها، وقد دخلت كتائب المسلمين كلٌّ من وجهتها التي حدّدها رسول الله؛ فدخل خالد مكّة وحصل قتال بالخندمة قُتِل فيه بعض المشركين، واستُشهِد فيها عدد من الصحابة إلى أن التقوا مع النبيّ عند الصفا، وغرس الزبير لواء رسول الله في الحجون عند مسجد الفتح مُنتظراً إلى أن وصل إليه رسول الله، وكان ذلك يوم الثلاثاء، في السابع عشر من شهر رمضان. 


دخول مكّة: 

 توجّه المسلمون إلى مكّة من الحجون مُكبِّرين حتى ارتجّت مكّة بالتكبير، وكان توجُّههم إلى البيت الحرام للقضاء على الوثنيّة، ففي الحديث: (دَخَلَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مَكَّةَ، وحَوْلَ البَيْتِ سِتُّونَ وثَلَاثُ مِئَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا بعُودٍ في يَدِهِ، ويقولُ: {جَاءَ الحَقُّ وزَهَقَ البَاطِلُ، إنَّ البَاطِلَ كانَ زَهُوقًا}، {جَاءَ الحَقُّ وما يُبْدِئُ البَاطِلُ وما يُعِيدُ})،وأوّل أمر فعله النبيّ بالبيت هو الطواف به، وتحطيم الأصنام.

اجتمعت قريش عند البيت، ووقف النبيّ يسألهم: (يا معشرَ قريشٍ ما ترَونَ أنِّي فاعلٌ بكم ؟

قالوا : خيرًا، أخٌ كريمٌ، وابنُ أخٍ كريمٍ،

فقال : اذهبوا فأنتم الطُّلَقاءُ) وجاءت بعدها خطبة النبي في الناس في الغداة، حيث ابتدأها بالحمد والثناء، ثمّ قال: (إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ، ولَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فلا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ أنْ يَسْفِكَ بهَا دَمًا، ولَا يَعْضُدَ بهَا شَجَرَةً، فإنْ أحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقُولوا له: إنَّ اللَّهَ أذِنَ لِرَسولِهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ، وإنَّما أذِنَ لي سَاعَةً مِن نَهَارٍ، وقدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا اليومَ كَحُرْمَتِهَا بالأمْسِ، ولْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ) وبعد أن طهّر الرسول البيت من الصُّوَر التي كانوا ينسبونها إلى إبراهيم وإسماعيل، وأزال الأزلام، ثمّ صعد بلال بن رباح مُعتلِيًا الكعبة يُؤذّن بالناس، بدأ الناس يُبايعون رسول الله على الإسلام.

سُموّ أخلاق النبيّ في فتح مكّة: 

 كان لفتح مكّة الأثر البالغ؛ ففيه الرسول الداعية الحقّ إلى دين الله، صاحب الأخلاق السامية، والمُتسامِحة؛ فقد صفح عن حاطب بن أبي بلتعة، وصفح عن أهل قريش، إلى جانب تواضُعه حينما دخل مكّة؛ حيث كان حانيَ الرأس متواضعًا لله لما رأى النصر العظيم، حتى أنّ لحيته كادت أن تصل إلى ظهر دابّته التي يركبها، فبعد إحدى وعشرين سنة من العداء بينه وبين أهل مكّة ها هو يعفو عنهم، لينطلق الإسلام إلى الدنيا على يد العرب الذين حملوا الرسالة إلى العالَمين بعد الفتح.


وداد عبدالمنعم|همج لطيف 

تعليقات

التنقل السريع