القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة: الوقوع من أسفل لأعلى
 الكاتب: عبدالكريم مجدي 


ماهيَّ الأشياء التي تُمارسها؟ 

وإلى متى يظل الصِراع؟

لعلنا وقعنا واقفين، أو صِرنا في الأعلى نُحلِق حيثُ ننجو مِن الحياة، ولكن ماذا لو وقعنا مِن الأسفل إلى الأعلى؟ 

لأقصى درجات الهلاك؟! 

بمشيئة الرَّب مالِك الأرض أعلَن عَن وقوع عباده في محنة وجودية تُشعل الأرض وتتهاوى بِنا حتى ننتهي، ويُصبح وجودنا نُكتة الكون، بعدَ مرور أيام عَن تفشي أمراض الدُنيا والآخرة! ثلاثة رجال أصحاب عائلات أشراف أموات... على طاولة كبيرة يُمكنها استقبال المئات في مُنتصف ساحة كبيرة تحتوي على فراغ وسواد كاحل، لَمْ يجدوا شيئًا سوى ظهورهم أمام بعضهم البعض يجلسون على شكل مُثلث، ويحدقون ببعضهم البعض في تثائب ولا سبيل للمُتعة، اثنان منهم ظلا يحدقان في كل شيء، وثالثهم وقف في مكانه وطلب الصلاة فقط، ثم حدق في صديقيه وقال بغضب وذهول:-

- لماذا تضحكان؟ نحن في نهاية الأشياء، نهاية الأقدار، نهاية الأمور حيث نهاية الحياة، نهاية كل شيء يبدأ الآن.

تجاوب فرد منهم على حديث الرجل: 

- هذا يومٌ جديد اعتيادي كَكُل أيام الأرض، كيف تبدأ النهاية اليوم؟ 

لماذا ليس غدًا؟! 

وأضاف ثالثهُم:-

- يومنا مِثل أي يوم، ومثل كُل يوم، يومنا في الماضي هو يومنا الآن، ولكِننا لَمْ نلحَظه في السابق.

لَمْ يسبق أنْ توتَرَتْ الأجواء - في مِثل هذه القعدة - حول طاولة مِن المُفترض أن تحمل لعبة دومينو وتُدرِك حظكَ معها، ولكن الحظ وحدهُ يحتاج لأبسط ما يحمِلَهُ عقلك مِن ذكاء ليس بصعب، وهذا ما جعل الرَّجُل صاحب سجادة الصلاة يطلب الصلاة في وقت نهايته، ويؤكد أنَّهُ مِن أذكى الأغبياء بينهم، لا وجود لحركات الحظ إلا في لعبة تعتمد على رمي النَرد، فلا دخول لذكاء المرء، ولا لغبائه تأثير، فقط الحظ معك - وأنت وحظك - عاد الرَّجُل وجلس مُجددًا، وترك الأمور بيد حاكم القعدة وهو قريب، وأقرب من أي وقتٍ مضى.

ساد الصمت، وظلَّ ثلاثتهم ينتظرون حسابَ مشروباتهم وطاولة الدومينو، وضريبة خدمة وبقشيش جيد إذا اضطرواْ لذلك، وقف رجُلٌ صاحب سمو رفيع، يرتدي بذلة من ذهب وعيونه تنظُر للظلام، ويبحث عن سيارته مِن أجل الرحيل مِن هُنا، وبدأ يصيح ويرفض الجلوس، أين الأملاك؟

 أين قيمتي؟ 

كيف أجلس مع هؤلاء؟

 وتعجب مِن اليوم الغريب ومِن فقدانه لكل شيء في لحظة جلوسه على الطاولة، وشتت انتباهه الرَّجُل الثالث الذي قال وأدرك أنَّ يومه هذا كان يراه مُنذُ أعوام، لم يكن يشغل باله بأمرٍ إلا فقط بانتظاره حتى يأتي حسابه ليُكمل رحيله لأعلى السموات، ما زال هنالك شخصٌ يطلب الصلاة، مع صاحب الأملاك، كل شخص منهما في مشادة مع نفسه، وجميعهم مُقيدين على كراسيهم ينتظرون الحساب، أين صاحب هذه الطاولة؟ 

نريد التنحي بعيدًا عن هذا الظلام. 

اعتاد رَجُلٌ منهم القول بِأنَّه يُريد سجادة، سجادة.. سجادة.. الصلاة يا خلق.. أريد الصلاة! 

فيُجيبه صاحب الأملاك:-

- ما هذا الرعب الذي يحتويك؟! 

الحياة طويلة ولا تحتاج لرعبك هذا.

 فيُجيب:-

- أنت أعمى مثير للشفقة! هل ترى أين نحن؟! 

- نحن نتنفس الآن ونرى بعضنا البعض وهذا ما يجعلنا أحياء حتى النهاية، رُبما أقاربنا رحلواْ، ولكننا مَن تبقى حتى نُكمل الحياة من حيث تُرِكت.


وفي وسط هذا الصراع المتوتر على حقيقة الوجود أو العدم أو كابوس يَمُر على أحد الثلاثة المُقيدين هنا، لا نعلم، ولكن مَن سيستيقظ؟

في وسط الصراع الدائر بين صاحب الأملاك، ورَجُل السجادة، الثالث تحرر ورفرف بعيدًا عنهم، وهمسات تَصدُر مِن بعيد يسمعها الرَّجُلان المتبقيان على الطاولة:-

- سجادة.. سجادة.. سجادة. 

- أموال.. أموال.. أموال.

- حياة.. حياة.. حياة.

فيتحدث صاحب الأملاك وهو في شعورٍ سيء:-

- أين نحنُ بحق يا رجل السجادة ؟! 

وأعاد سؤاله.. وأعاده.. وردده في غضب، ثم تسارعت دقات قلبه؛ فلا يوجد أحد ليُجيبه؛ فنظر على جانبه، ماذا ؟ رجل السجادة لم يدفع مقدار ما يجعله يرفرف مع صديقه لأعلى، فقط نام على الطاولة، رُبما سينتظر طويلًا حتى يستطيع الدفع والنهوض والتحليق مع صديقه في الأعلى، أما صاحب الأملاك ما زال يُفكر في حقيقة عدم الوجود الذي انتهى مُنذ جلوسه على الطاولة، يتعرق من الحادثة ويُنادي على أي أحد، تطرق دقات الساعة، تك، تك، تك.... 

ما زال يتعجب، وفي لحظة فقدان أمله من أنْ ينجو مِن المصيبة ويعود للحياة كما كان، فيُردد..

"آمنت بك يا رب الأرباب، آمنت بالبعث والخلود، آمنت بأنَّ كل شيء فانٍ، آمنت بأي شيء تريده مني." 

يبكي ويصرخ ويتألم قبل أن تدق الساعة في لحظتها الأخيرة، وفي تلك اللحظة أدرك فقط أنَّه وقع من الأرض حتى السماء! 

أدرك النكتة البشرية التي اخترعها سُكان الأرض، وضحك عليها بهيستريا الألم والعذاب والضياع الأكبر، ووجد نفسه مغشيًا على الطاولة ينام، وإلى متى سيظل هكذا؟

 متى سيدفع حساباته المُتأخرة؟! 

بل يُمكن أنْ يستفيق الآن بعد ما اهتزت الساعة على موعد استيقاظه، فيفكر في ما حدث مُنذُ لحظات قبل نهوضه، ويختار إما النهوض بالفعل أو النوم.


عبد الكريم مجدي|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع