القائمة الرئيسية

الصفحات

 قصة: مبدأ القتل
الكاتب: عبدالكريم مجدي


اللذة في قتل إنسان، تختلف عن ذبح خروفٍ في عيده السانوي الأسود، نقطة واحدة تميز الأمرين، أن الدماء حمراء! فترتخي الأعصاب، والفارق هو أن الإنسان قد يدفع القاتل لقتله لإثم ارتكبه، فقد يكون مجرد انتقام.. أو الأخذ بالثأر، فيوجد سبب دائمًا للقتل، أو للذبح، لكل فعل مبدأ وأخلاقيات يسير عليها القاتل، فتكون الدماء شيء مُباح.

تزحزحت عربة راقية بثمنها المرتفع، من فوق جبل ضخم بعد أن قام القاتل بتأدية العمل المُباح لرغبته، وغادر المنطقة سائرًا بكل ثقة بالنفس، يتنفس بسهولة وهذا على عكس طبيعة الموقف، والذي يجب أن يتشنج خوفًا ويتعرق لاحترام هذا الموقف، فقد قتلت شخص وبعدها بساعاتٍ ستكتشف الشرطة الأمر، ثم تبدأ التحقيقات والبحث، ثم عاجلًا أم أجلًا سيبحثون عن قاتل هذا الشخص الثري، وهم شبه يدركون من هو القاتل بالفعل، يعرفون أسمه الوهمي وليس الحقيقي، ويبحثون عنه مُنذ أول ضحية، وها هي الضحية العاشرة، أصبح قاتلّا متسلسلًا يُحترم! يثير اهتمام الشرطة وخوف الأثرياء.

غادر القاتل منطقته المفضلة من فوق الجبل المميز هذا في إلقاء الضحايا بعد قتلهم، وأتت التحقيقات من خلال شرطي سمين يُدعى مارك، لا يفارق مكتبه إلا في الضرورة القصوى، علم بقتل صديقه، يستمر بالنظر في أوراق القضية على مكتبه، ويحرك يده ناحية الجرس الموضوع بالقرب منه.. ودون تشتيت نظره يضغط عليه فيأتي عامل المشروبات، ويتحدث مارك دون أن ينظر إليه أيضًا:-

- أريد كوب من القهوة في الحال.

صمت العامل واستغرب، فنظر مارك إليه قائلًا:-

- ألم تسمعني؟!

- الساعة اقتربت من الخامسة صباحًا وأنا هنا مُنذ العاشرة!

فأعتذر له مارك وأخبره بأن يرحل، مرت دقائق، أخرج هاتفه الخلوي ويطلُب بعض المأكولات ليسد جوعه، ثم أمسك ورقة بيضاء يدون فيها النقاط الهامة في هذه القضية..

رقم 1:- تتم عملية القتل عن طريق ذبح الرقبة.

رقم2:- الضحايا جميعهم أثرياء.

رقم3:- يتم إلقاء الجثث من فوق جبل ضخم بوضع الشخص بداخل عربته، فيقوم القاتل بإطلاق العربة لتقع من أعلى الجبل.

4:- لم يتم التعرف على هوية القاتل، شخص خفي لا وجود له.


مكالمة هاتفية تثير غرائزه البوليسية، أحد ما يقول أنا هو القاتل يا أيها الشرطي، حقًا تيسر الأمر! فتتبع بالفعل هذه المكالمة، فيجد صديق له يتلاعب به بمزاحه الغريب هذا، صفعه بكف يده الضخم، ثم بصق في وجهه، أقدم صديقه على الأعتذار ويتأنى بنظرات عينيه مُحدقًا بصديقه مارك، حتى تواصلت الأعين ببعضها، فيقول الشرطي مارك:-

- ما بكَ؟

فيُجيب:-

- ماذا ستفعل حقًا إذا أتصل بكَ قاتل شهير ويعطيكَ الفرصة في تتعقبه؟

ويُكمل:-

- هل ستذهب أم ستظن أنها مُزحة غبية من صديقٍ مختال مثلي؟!

لم يبادله اي حديث، وكأن زُرِعَ الرُعب بداخله، فيغادر مارك المنطقة، ويُكمل صديقه تخاريفه المرعبة قائلًا:-

- وقد تخشى أيضًا أن يأتي إليكَ، سيتوجب عليكَ حقًا أن تهرع خوفًا منه يا صديقي.

الطريق مُظلم في طريق مارك الذي يركب عربته الثمينة، يحتاج لتغيير شعار تلك العربة، حتى يتبين للقاتل أن مارك ليس بالثري! فكان يفكر في هذا الأمر بغباءٍ، ويظن أنه بتغيير العربة لن يلاحظ القاتل أنه يمتلك منزل ضخم أشبه بالقصر، وصل إلى منزله ويكاد أن يتسبب في مقتل قطة أمام منزله مباشرة، فيضغط على فرامل العربة ويتوقف مذعورًا، ينظر على يمينه، باب منزله لم يكن موصد، أمسك مارك بمسدسه ويتجه للداخل، تقدم خطوات نحو الباب ويرفع مسدسه للأعلى، وجهه يتعرق، يصل إلى الداخل بشق الأنفس، يُردد بين نفسه.. "أرجوك.. لا داعي لقتلي، فأنا لستُ بهذا السوء"

توجب عليه أن يفحص منزله بالكامل، مع كل خطوة قلبه ينبض أسرع وأسرع، تمنى زوال منزله الضخم هذا، أو تقلصه ليكن مجرد غرفة صغيرة، البحث سيكون أسهل دون أن تصاحبه نبرات الخوف تلك من هجوم القاتل وانقضاضه عليه من أي ناحية، فيقطع رقبته بشكلٍ مفاجئ!

مرت دقائق وتم فحص المنزل بالكامل، تبقى الحمام فقط، ما زال مارك صامدًا حتى الوصول إلى باب الحمام، يداه تتردد في فتح ذلك الباب، جسده يرتعش.. رعشة الميت قبل وفاته بلحظاتٍ..

يتراجع في قراره، ويتذكر أنه ترك باب المنزل مفتوح قبل خروجه وأن القاتل لا يعرف من هو مارك، ويتحدث بصوتٍ هادئ، وبمزاجٍ مطمئن، فيسأل نفسه سؤال:-

- لماذا أنت خائف هكذا يا مارك؟!

يُكمل:-

- تبًا لصديقي هذا الذي تلاعب بأفكاري.

سار مارك متفاديًا باب الحمام ويُكمل خطواته ليتجه نحو غرفة النوم، يرتمي بظهره على السرير بملابسه المتسخة ويديه المقززة، يغلق عينيه ويفتحهما مجددًا، أصوات نقش واحتكاك يُسبب إزعاج له، يبدأ في استعاب الأمر، حيثُ اقتربت الأصوات من باب غرفته، أو بدأ يستمع جيدًا، فتأكد من أن الأصوات من داخل منزله وليست بالخارج، النهوض صعب، فمن حظه التعيس أنه سمين، حاول النهوض كالصرصار المستلقي المعافر من أجل النجاة، أقدم مارك بمحاولتين لم يفلحا، المرة الثالثة قد أفلحت وأصبح واقفًا أخيرًا، ذهب تجاه الحمام مجددًا، الباب مفتوح بعد أن كان مغلقًا! بدون لمس مارك للباب، عاد العرض المرعب في سهرتنا...

يرى مارك رجُل أبيض، أصلع وصلعته مغطاة بالوشم المتنوع، كلمة قتل مدويه بوضوح، ضخم يمسك سكينة ومارك يقف مقيدًا لا يستطيع الحركة.

ينقض نحوه كالثور الهائج..

ترتفع السكينة لالتقاط رقبته..

مارك في موضعٍ ثابت..

ثم يستيقظ حيًا..

انتصار الجسد، ورحيل الجاثوم من فوق صدره بعد صراعٍ من أقوى الصراعات أثناء النوم، يمسك رقبته مبتسمًا بأنه لم يُقتل، ضحكة مليئة بالحُب، حُب الحياة وعدم كُرهها، مدققًا نظره لكل جانب في غرفته الصغيرة التي تكفي وجوده وتكفي تعايشه فيها بمفرده، يقول مستمرًا في ضحكاته وذهوله:-

 - أنا لستُ ثري!! لن أُقتل!.


بداية يوم شاق، خالي من الرفاهية أو الخمول الممتع، بالاستغناء عن أماني الإنسان التي ليس بمقدوره تحقيقها، لا شك في أن للنهاية عبرة تُكتسب، هي وأن وحيثُ يجب له ولكل شخص نحيف أن يصبح فخورًا وشاكرًا الرب على نعمته تلك، ولو يتألم فقرًا يومًا بعد يومًا، الأمر أكثر إثارة من الجلوس الممل وحولك كل شيء من أمنياتٍ، فتأكل وتسمن كالكرة مطمئنًا أنك لست مضطرًا للعمل أو كسب الأموال، أو تحقيق أي شيء تريده، نقطة واحدة وهي الشعور بالوجود فقط، ومن مثالٍ آخر الشعور بالأهمية الاجتماعية رُغم بشاعتها - أي بشاعة الاجتماعية -...

فهُنا وحتى هذه اللحظة قد يكون للأمر فوائد وليست فائدة كاملة، توجد سلبيات عِده في أن تكون فقيرًا، وأيضًا في كونك ثري..

ولكن..

الفائدة الأبرز..

 أنك لن تكون مُهددًا بالقتل أبدًا! 


عبد الكريم مجدي|همج لطيف

تعليقات

التنقل السريع