"لمحة في تاريخ زرقاء اليمامة"أعده: محمود محمد
كثيرًا ما يتردد بيننا قول (أبصر كما الزرقاء) وغيرة من (احكم كحكم فتاة الحي إذ نظرت إلى حمام شراع وارد الثمدِ) وغيرهم ذلك الكثير، لكن من على من تصب تلك الأمثال! وهل لتلك الأمثال قصة تروى؟ كلها تساؤلات تدخل في الرأس ولا تخرج إلا بإجابات، علنا نردها جوابًا شافيًا لها يغدق عليها سيلًا من اطمئنان
في قبيلة جديس في العرب البادئة، في منطقة تسمى باليمامة، نسبة لها على الأرجح فقد عُلم أن اسم المنطقة قبلها جو، في القرن الرابع بعد الميلاد، كانت هناك عدة فتيات من بنات لقمان بن عاد، كانت اسمها عنز وامتازت بالعينين الزرقاوين، وأطلق عليها لقب زرقاء، وكانت إحدى الزرقاوات الثلاث هي والباء والبسوس، حظيت في صباها بنظر ممتد، كان امتداد البصر الطبيعي لها لا يصدق في كثيرٍ من الأحيان، وعلى غرار ذلك علم في يومٍ أنها نظرت للسماء فعدت ما بها من حمام، ومن هنا ثبت لقبها المتعارف عليه "زرقاء اليمامة" واشتهرت بأنها أول من تكحل بالأثمد من العرب، وذكر ذلك في قول"
_ما كان طعامك؟
_ورمكة في كل يومٍ بمخ عنوق.
_فبم كنت تتكحلين؟
_بغبوق من صبر وصبوح من أثمد
وحينها شق عينها فرأى حسان سوادًا من الأثمد، وحينها قيل إن عروق عينها كانت قد أشبعت به لاستعمالها إياه منذ صغرها، وجدير بالذكر أن حجر الأثمد يساعد في علاج أمراض العين ويدخل في تركيب الرصاص.
أما عن أّس حياتها فقد ملئت بالغرائب، ونهايتها كانت الأغرب، فقد عرف عنها وثبت أنها تبصر الشعرة البيضاء في اللبن، وتنظر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام، فما كان لقبيلتها كعادة العرب البادية من شاغلٍ إلا وضع بجانبه كثرة الحروب والنزاعات، وما علم أنها كانت الورقة الرابحة بكل الحروب، فكانت هي تبصر الهجوم يأتي قبل أن يحل بوقتٍ إلا لحق بني جديس أن تعد عدتها للرد والنصر اللئيم، وما كان بعد ذلك إلا قدوم نزاع مع قبيلة طسم، فقد كانت قبيلتها جديس تتبع لقبيلة طسم، وأقبلت الأولى على قتل رجلٍ من القبلية الثانية، فما لبثت قبيلة طسم أن تهم بتجهيز العتاد معلنة غزو البلاد، وكعادة العرب الجاهلية، هللت القبيلة رافعة الأعلام مصدقة بعدم العودة إلا بالثأر من حسان بن تُبع، وكان هو الأخر يعد خطة، لكن على غير حنقٍ، فهو من كان لدية السلاح الأقوى "الزرقاء"، لكن من أين علم ملك طسم بالزرقاء! قيل أنه عندما حضر حسان نحو العزو وبدأ مسيرة، اقبل إليه رياح بن مرة:
_أيها الملك إن لي أختًا متزوجة في جديس واسمها الزرقاء وإنها زرقاء ترى الشخص من مسيرة يوم وليلة، أخاف أن ترانا فتنذر القوم بنا، فمر أصحابك ليقطعوا أغصان الشجر وتستروا بها لتشهبوا على اليمامة.
فأمر الملك بذلك وحين حل الليل قال حسان:
_وفي الليل أيضًا؟
_نعم إن بصرها في الليل أنفذ.
ومن هنا بدأت الخطة، بطلب الملك ممن حوله بأن يتوارى كلٌ منهم خلف شجرة يجز ساقها ويسير بها، حتى لا تراه الزرقاء، وأوضح لهم أن يتواروا بالظلام، وقد هموا بفعل ذلك، لكن ما لبثت الزرقاء إلى أن رأت الشجر يتحرك، وهمت لتحمل الخبر لقومها تحثهم البدء بالجهاز تقول "إني أرى الشجر قد أقبل إليكم" فما قابلوها إلا بالاستهزاء والسخط ظانين بها أنها فقدت نعمتها وصارت تهذي من فرط الخطل، فما فعلوا أو يحركوا ساكنًا، وما لبث القوم أن استكانوا حتى ردوا بفاجعة هجوم قبيلة طسم ومن هنا عرفت سوداء اليمامة أنها ستلقى مصرعها وتلقى شر مصير.
ومن هنا مرت أزمان، توارث الأجيال جيل بعد الأخر من وقتهم ذاك، لوقتنا هذا، قصة "زرقاء اليمامة" فما لها صحةٍ أو عدم! لا ينفي أنها رسخت نفسها كمنحى لفخر العظماء في قصائد الهجاء، من سابق العصر، وتناقلتها الأزمان، فها أنا أنقلها الآن، عسى أن ينقلها أحدٌ بعدي، بعد يومٍ أو يومان، أو حتى بعد مائة عام.
أعده محمود محمد في الثاني من إبريل من العام العشرين بعد الألفية الثانية.
المصادر:
•النباغة الذبياني من كتاب "خزانة الأدب" لعبد القادر البغدادي.
•المستقصي في أمثال العرب" للزمخشري.
كتاب "الأحجار الكريمة" لمروان أبو النعيم.
•كتاب "العقد الفريد"
•كتاب "آثار البلاد والعباد"
•كتاب "خزانة الأدب" لعبد القادر البغدادي.
جميل🌚💙
ردحذفعاش جميلة جدا
ردحذفعاش✨
ردحذفاللهم بارك جميل 🤍
ردحذفبالتوفيق
ردحذف